إياد عطية /
حتى قبل أن تتشكل الحكومة العراقية المرتقبة، اتخذت حركتا “امتداد”، التي تصف نفسها بأنها الممثل لحركة الاحتجاجات الواسعة في العراق عام 2019، و”الجيل الجديد” الصاعدة في كوردستان، موقعهما في البرلمان كنواة لمعارضة يتوقع أن تتشكل على تداعيات الضربات المتلاحقة التي يتلقاها نظام المحاصصة.
تريد نواة المعارضة، التي تجمع قوة من إقليم عرف بنزعة قياداته التقليدية إلى تكريس ثقافة الابتعاد عن بغداد، وسعيها لصيانة قرار أكثر استقلالاً في كوردستان، أن تجتمع تحت حلم سريالي يواجه تاريخاً حافلاً من عدم الثقة بين الإقليم والمركز، ويلتئم تحت شعار تمثيل تطلعات المواطن.
ثمة مخاوف من أن يكون هذا التجمع إعلاناً عن قوة مستقلة تريد إسماع صوتها إلى قوى نافذة في البرلمان تتجاهلها، وهي تستغرق في الانشغال بمفاوضات شاقة للوصول إلى شكل الحكومة التي ينتظر العراقيون، ومحيطهم الإقليمي والعربي، رؤيتها، وربما الإسهام في رسم ملامحها، لكن تجربة حركة التغيير، وإن كانت غائبة عن “امتداد” فإنها لن تغيب عن “الجيل الجديد”، فقد انتهت تلك الحركة المعارضة للحزبين الكورديين التقليديين من قوة تلتف حولها الجماهير إلى نهاية بائسة عندما دخلت في لعبة تقاسم الحصص، فخسرت جمهورها مرة واحدة.
تفاهمات ومكاسب
لم يعتد الساسة ولا العراقيون على وجود معارضة فاعلة تحت قبة البرلمان تلعب دورها لمصلحة البلاد، من دون ابتزاز، لتحقيق مكاسب في لعبة تقاسم المناصب، لكن هل تكفي الشعارات والوعود والتصريحات لإقناع العراقيين بأن أصواتهم ستكون حاضرة في البرلمان، وأن ثمة اصواتاً تهتف بها؟
لقد شرعت العديد من القوانين تحت تفاهمات طائفية وعرقية تضمن مصالح جمهور مكوِّن سياسي، مقابل مصالح لنوع جمهور من مكوِّن آخر، وقصص تلك القوانين أكثر من أن تروى، وقد أسهمت بخلق حالة من الغضب والتذمر الجماهيري ونقمة على برلمان لا يفكر أعضاؤه إلا بما يكسبونه من مغانم لمصلحة أتباعهم على حساب المواطنين العراقيين، ولاسيما أولئك الذين يرزحون تحت خط الفقر.
حتى الوظائف الصغيرة جرى توزيعها بمقص المحاصصة بين جمهور خاص، لذا غدت مؤسسات الدولة تصطبغ بلون أحد المكوّنات على حساب المكون الآخر، بل إن بعضها محسوب لجمهور حزبي بعينه، لهذا فلا غرابة من رؤية بعض الدوائر وقد تحولت إلى اقطاعيات عشائرية وعائلية.
الثورية والثروة
يعدنا علاء الركابي -وهو شخصية سياسية أفرزتها التظاهرات- بأن ثوريته ستظل متوقدة ولن تختفي تحت مغريات كبيرة يجنيها الجالسون تحت قبة البرلمان، قبل أن يكرس العديد منهم جهوده بزيارات إلى المؤسسات العراقية لكسب امتيازات ووظائف للمقربين والأتباع.
ويؤكد الركابي -القادم من المدينة التي شهدت أعنف التظاهرات- أن التحالف بين حركتي “امتداد” و”الجيل الجديد” سيكون له تأثير كبير في تغيير العمل النيابي، مؤمناً بأن أوان التغيير في منهج العمل السياسي قد حان في البلاد.
ويجدد الركابي -بحماسته الثورية التي عرف عنها وهو يقود تظاهرات الناصرية- ثقته بالدور الذي يلعبه هذا التحالف، وهي ثقة ستخضع لاختبار حقيقي تحت قبة البرلمان على محك تقاسم المنافع والمغريات التي تحوِّل البرلماني الجديد من مواطن مغمور إلى ملكٍ متوَّجٍ بالمال والحراسات والنفوذ. لكن الركابي يؤكد أن دور هذا التحالف هو دور يتناسب مع المرحلة السياسية التي تعيشها البلاد -بحسب وصفه-.
تعهدات
خلال المؤتمر الذي أعلن فيه عن ولادة هذا التحالف، قدم الركابي تعهداً بالعمل على فتح جميع الملفات، وستكون الأولوية لملفِّ قتلة المتظاهرين، وإعادة النظر بجميع القوانين والقرارات التي سبَّبت ضرراً للمجتمع العراقي، وما أكثر تلك القرارات المضرة بالبلد وبالمواطن على حد سواء، لأنها قرارات ولدت من رحم الرؤية المحاصصاتية.
وبغض النظر عن قوة وحجم هذا التحالف ومدى تأثيره، فإن مجرد اتخاذه هذا الموقع وإعلانه عدم المشاركة في أية حكومة محاصصة يعدّ أمراً جيداً لترجمة ثقافة سياسية للأنظمة الديمقراطية ملَّ الجمهور من سماعها على ألسنة سياسيين عراقيين، لم يروا لها أثراً في الواقع العراقي أو في يوميات ونهج القوى السياسية المتصارعة.
قصة الأرقام مهمة في التحالفات تحت قبة البرلمان، وهي لدى “امتداد والجيل الجديد” لا تشي بتأثير مهم على السلطة، فالتحالف يضم حتى الآن 18 نائباً من الحركتين الناشئتين، إضافة إلى 10 نواب مستقلين، ليكون عدد التحالف 28 نائباً، كما أعلن في مؤتمر عقده في بغداد، لكن رؤية قوى تُقدم نفسها كمعارضة أمر لافت في الممارسة السياسية العراقية بعد 2003، ولقد رأينا بعض المحاولات التي جرى سحبها الى منطقة (الكعكة الحكومية) وسلب جذوتها الثورية المتقدة على تقاليد العمل السياسي العراقي.
نمط كوردي جديد
وبالطبع فإن كثيراً من علامات الاستفهام تطرح عن متانة هذا التحالف وقدرته على الاستمرار في تشكيل قوة ضغط فاعلة في البرلمان يدركها عضو تحالف “الجيل الجديد” الذي ترفض حركته -كما يقول- “أن تتقيد بنهج آيديولوجي جرى اختبار فائدته للعراقيين وللكورد وفشل في أن يقدم حلولاً لمشكلاتهم اليومية.”
ولهذا يقدم لنا “الجيل الجديد” نمطاً مختلفاً لرؤية كوردية لم نعتدها من سياسيي الإقليم الغارقين في الدفاع عن حق الكورد وحصتهم.
يقول “الجيل الجديد”: “نؤمن بمدنية الدولة ومحورها المواطن سواء أكان مواطناً من الشمال أو الوسط أو الجنوب، وسنرسم خارطة عملنا السياسي تحت قبة البرلمان تحت هذا الإطار.”
وبينما يخوض الحزبان الرئيسان في الإقليم: الاتحاد والوطني والديمقراطي حواراتهما هناك، فإن رئيس حركة الجيل الجديد ساشوار عبد الواحد خاض حواره هنا في بغداد، لكن صداه سيصل إلى الإقليم الذي يواجه بالفعل إرادة تنمو تجاه تغيير واقع مرفوض أسهم في ولادة حركة “الجيل الجديد” واتساع المساحة التي حصلت عليها.
لا يريد عبد الواحد، ولا الركابي، كما قالا في مؤتمرهما الصحفي، حصة من الكعكة والمناصب المباعة، فتحالفهما -بحسب عبدالواحد- “تحالف وطن مثخن بجراح، ومشروع شعب يطمح إلى الحياة.”
وعلى أية حال، فإن من حق الحركتين الصاعدتين، على حساب فشل القوى التقليدية، أن تتخذا الموقع الذي تطمحان إليه، وسواء أكان هذا التحالف معارضاً أم منتفضاً على تجاهل الآخرين له، فهو يتناغم مع القوة الجماهيرية الصامتة، التي اكتفت بدور سلبي في تغيير واقعها، ولم تشارك بقوة في الانتخابات.