صلاح الدين.. ترفل باستقرار أمني وتسعى لفتح المزيد من نوافذ الأمل

إياد عطية الخالدي /

على خلاف العديد من المدن التي احتلها تنظيم “داعش” الإرهابي واستعادتها القوات الأمنية العراقية، تبدو مدينة تكريت وقد ضمدت الكثيرمن جراحها بعد تحريرها من قبضة التنظيم الإرهابي.
فمدخل المدينة عبّدت طرقه وزينت جزراته الوسطية بنباتات الزينة والورود الموسمية، وهوالذي شهد معارك ضارية خاضتها قوات جهاز مكافحة الإرهاب وقوات الحشد الشعبي والشرطة الاتحادية، حتى تحول سماء المدينة، لاسيما عند القصور الرئاسية، الى لون برتقالي متوهج من هول تبادل النيران وكثرة السيارات المفخخة التي فجرها التنظيم لإعاقة تقدم العراقيين.تحتل القصور الرئاسية مساحة كبيرة من مدينة تكريت، إنها مكان لن يمحى من الذاكراة الإنسانية، فهنا قتل التنظيم المجرم أكثر من ألفي شاب عراقي تطوعوا الى الجيش، ولم يكملوا بعد تدريباتهم، وألقى بجثثهم في نهر دجلة، تلك الجريمة الوحشية التي اهتز لها ضمير العالم وكشفت عن همجية أصحاب هذا الفكر وخطرهِ على الإنسانية.

ليالي الرعب
وبينما صور لنا الإعلام أننا سندخل مدينة مخيفة، بعد سيل من التقارير تتحدث عن ظهور تنظيمات جديدة تمثل امتدادات لتنظيم “داعش” وجدنا أنفسنا في مدينة ترفل بنسبة عالية من الأمن والاستقرار، وتسهر بعض شوارعها الى ساعات متأخرة من الليل، وعلى الرغم من التذمر من ضعف الخدمات فإن ارتياحاً كبيراً يسود بين الناس ويشعرهم بالطمأنية من الجانب الأمني.
لقد عاش سكان المدينة حياة مريرة تحت حكم همجي لايريدون تذكرها، كما أن حرب تطهير المدينة من التنظيم وضراوة المعارك جعلت النجاة مخاضاً عسيراً، فكم من بريء قتل بعد أن اتخذ داعش المدنيين ساتراً لحمايته، ولهذا ليس من المستغرب أن يكون الأهالي هم اكثر الناس تمسكاً بالاستقرار الأمني الملموس الذي لم تعشه صلاح الدين حتى قبل سقوطها بيد “داعش” ولاتعكر صفوه الا عمليات إرهابية تنفذها فلوله المنهزمة والمرفوضة من الناس والعشائر في مناطق نائية.
(ليالي الرعب)، تلك التي ظلت ذكرياتها في قلوب الناس، وقصص مؤلمة تتحدث عن هول ماحدث، لعل الناس تحتاج الى اكثر من الخدمات لإزالة تلك الآثار والندوب التي خلفها احتلال داعش وحرب تحرير المدينة منه، تلك الحرب التي جعلت السكان يمضون فترة قاسية من حياتهم في المخيمات او في مدن أخرى.

استعادة كرامة
بالنسبة الى الكثير من الأهالي لايمثل تحرير تكريت من قبضة داعش استعادة لمدينتهم فحسب بل مثّل لهم ذلك استعادة لكرامتهم الإنسانية التي صادرتها وحشية وهمجية التنظيم الإرهابي، ولاغرابة في أن تستمع الى كلمات الامتنان والتقدير لأبطال الجيش والحشد الذين أعادوا لتكريت حياتها.
لكن السؤال الذي ظل يشغلنا ونحن نرى مشاعر الامتنان والطمأنية والاستقرار الأمني الملحوظ الذي لا يخفى على أي زائر للمدينة عن تلك القصص التي تتحدث عن عودة التنظيمات الإرهابية الى المحافظة وتنسج عنها حكايات مرعبة لمتلقي الأخبار، لا بل أن العديد من السياسيين باتوا يبنون تصريحاتهم على تلك القصص المبالغ فيها لأسباب مختلفة.
قيادة عملية صلاح الدين أكدت أن المحافظة بشكل عام تعيش أوضاعاً أمنية مستقرة بنسبة عالية جداً، وتعتقد أن التهويل بخطورة الأوضاع الأمنية في صلاح الدين انما يعود لصراعات سياسية ليس من واجبنا التعليق عليها، وشددت على أنه من المستحيل أن تعود الحياة لتنظيم سُحق في العراق وصار منبوذاً، وغير قادر على خوض أية مواجهة مباشرة مع القوات العراقية، وتتنقل عناصره التي تهيم في الجبال والصحارى والوديان على شكل مجموعات صغيرة قتل الكثير من أفرادها بضربات جوية وعمليات خاطفة تنفذها قواتنا.
يؤكد العميد (محمد الأسدي) المتحدث باسم قيادة عمليات صلاح الدين أنه منذ تحرير صلاح الدين لم نسجل أي تحرك ومواجهة مع العناصر الإرهابية التي لم يعد بمقدورها مواجهة القوات العراقية، مشيراً الى أن هذه العناصر تعمل بنفس النسق خلال مدة طويلة، وهو القيام بعمليات في المناطق النائية والرخوة في محاولة لإثبات الحضورليس إلا، لكن الجديد هو تسليط الإعلام الضوء على تحركاتها التي تتركز على زرع عبوات ناسفة في طرق نائية رفعت وتيرتها في الآونة الأخيرة الى هجمات على مناطق رخوة وآخرها الهجوم على مصفى بيجي لكنها فشلت وقتل معظم أفراد القوة المهاجمة.
وشدد المتحدث باسم عمليات صلاح على عدم وجود أية إمكانية لفلول “داعش” على الإمساك بأي مكان حتى في مناطق نشاطها النائية واتخاذه مقراً لها او قاعدة لهجماتها، خصوصاً بعد قيام قواتنا بتحركات واسعة في هذه المنطقة الوعرة التي تتخذها هذه العناصر كملاذ للهروب ولاسيما في جبال مكحول. مبيناً أنهم لايملكون القدرة على الإمساك بأية أرض لأن ذلك يعني رصدهم ومواجهتم لقواتنا وهم يعرفون أن أية مواجهة تعني إبادتهم، وهذا ما يحصل في كل مرة يجربون فيها التعرض على مواقع تنتشر فيها القطعات الأمنية العراقية.
ونفى الأسدي الحاجة الى القيام بتعرض واسع في صلاح الدين ضد عناصر التنظيم، مؤكداً أن هذه العناصر خاملة في معظم الأوقات وتنشط فقط في حال قيامها بهجمات على أهداف هشّة تنتخبها، كما أنها لاتتموضع في أماكن محددة وانما على شكل مجموعات تكفي أية قوة أمنية عراقية لمهاجمتها وقتلها، مشيراً الى أن التركيز الأهم ينصب على زيادة الفعاليات الاستخبارية لرصد عناصر التنظيم.

ورقة داعش
وبينما يتحدث خبراء في الجماعات المسلحة عن استحالة أن يعيد تنظيم داعش تحت أي مسمى قدرته على التأثير الأمني في العراق، بعد أن سحق تماماً، وبعد أن غدت القوات العراقية بصنوفها المختلفة القوات الأكثر خبرة وحرفية في مقاتلة التنظيم، واستخدام تكتيكات لا خبرة لجيوش المنطقة بها، فإنهم يحذرون من محاولات خارجية للعب ورقة داعش بهدف إبقاء العراق جزءاً من الصراع الخارجي الملتهب، بيد أن من المهم التأكيد على التطورت في العمليات النوعية وأساليب محاربة التنظيم التي تتبعها الأجهزة الأمنية العراقية بما فيها المخابرات العراقية التي باتت تركز على خطط ستراتيجية لتقويض بنية التنظيم وعوامل بقائه لاسيما تمويله المادي، ولعل عملياتها الأخيرة في تفكيك أكبر خلية تمويل لداعش بحوزتها نحو خمسمئة مليون دولار يعزز القناعات بالتطور الذي بلغته الأجهزة العراقية في محاربة الإرهاب.
وتبذل شرطة صلاح الدين جهوداً ملموسة في الاستقرار الذي تشهده المحافظة، وقد تعهد اللواء (قنديل خليل الجبوري) قائد شرطة صلاح الدين الذي لعب دوراً كبيراً أثناء عملية تحريرها من قبضة التنظيم الإرهابي على إفشال الهجمات التي تحاول زعزعة الاستقرار في المحافظة مشيراً الى أن التنظيم يقوم بعمليات تستهدف مناطق رخوة من الصعب أن تنتشر فيها قواتنا، لأنها في الغالب مناطق بعيدة ويركز التنظيم في أغلب عملياته على العبوات الناسفة.
وأشار الى أن عديد عناصر التنظيم لا يتجاوز المئتي عنصر في أكثر الأحوال، قتلت قواتنا اعداداً كبيرة منهم، مشيراً الى أن التنظيم كعادته يسعى الى استغلال الأزمات السياسية ليصعد نشاطاته ويؤكد حضوره، غير انه يفتقر الى القدرة على إحداث أي خرق أمني مؤثر، لأنه يتهرب من اية مواجهة مباشرة مع القوات الأمنية، ولأن عناصره منبوذون في المجتمع وترفضهم العشائر والسكان ولا يسمحون لهم بالتسلل الى المدن تحت غطاء العوائل النازحة.
ومن الواضح أن هنالك جهات مختلفة تحاول أن تستغل الورقة الأمنية والصراعات السياسية القائمة في المنطقة لتحقيق أهدافها، وفي هذا الإطار يؤكد مستشار اللجنة الأمنية في محافظة صلاح الدين أن مايحدث الآن هو صراع سياسي أكثر مما هو أمني، وكل طرف يريد أن يحقق غاياته بمن فيهم عناصر التنظيم التي تبحث عمن يخرجها من عنق الزجاجة.
وقال إن التنظيم لايمكنه التأثير على الأمن بشكل عام في صلاح الدين وإن نشاطاته لاتتعدى القيام بزرع العبوات الناسفة في الطرق الخارجية والقيام بمهاجمة أهداف مدنية في مناطق رخوة، مشيراً الى أن فلولهم تتحرك في الجزيرة وجبال مكحول، وتعثر القوات الأمنية على أنفاق تحتوي على أعتدة ومعدات مختلفة مايؤكد أن هذه الفلول ليست مستعدة لمواجهة القوات العراقية.
ولفت الى أن هناك عناصر من التنظيم غير مرتبطة به فكرياً سعت للعودة الى مناطقها لكن العشائر رفضتهم، ويرى الصجري أن هؤلاء سيضطرون الى لالتحاق بالتنظيم فليس أمامهم اي منفذ للنجاة، لكن من المستعبد أن يتمكن داعش من خداع الناس بأفكاره مرة أخرى وهم الذين رفضوه ورفضوا وجوده وقاتلوا عناصره, وأن إصرار الناس على محاربة الإرهاب لايقل عن إصرار القوات الأمنية على محاربته.

نوافذ الأمل
ثمة أسباب تفتح نوافذ الأمل لدى الناس بمستقبل أفضل، لكن القوة لن تكون وحدها كافية مالم يرَ الناس شعاع ضوء يقودهم لتحقيق تلك الآمال، فمازالت هنالك بيوت محطمة كان التنظيم قد لغمها كي يفجرها عندما تقترب منها القوات العراقية، وعلى الرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات على تحرير المدينة فإن السكان لم يحصلوا على إعانات او قروض لترميم دورهم، كما أن مدارس كثيرة كان تنظيم “داعش” قد اتخذها أوكاراً او مخازنَ لأسلحته مازالت مدمرة، ويشكو الناس من غياب أي دور إيجابي لوزارة التربية.
وتبدو جهود بلدية تكريت واضحة بالقياس الى أمكاناتها المحدودة في الإسهام بإعادة الحياة في المدينة، وكانت أول الأجهزة الحكومية التي عملت في المحافظة على رفع الأنقاض وتنظيف الشوارع بمساعدة منظمات دولية.
ويستذكر مدير بلدية تكريت التي يبدو مقرها واحداً من أجمل مباني البلديات في المدن العراقية، حيث استوحيت فكرة تصميمه من قلعة تكريت التاريخية، المساعدات التي قدمتها بلدية البصرة لشقيقتها في صلاح الدين بعد ايام من تحريرها، مبيناً أن البلدية تسلمت بنايات فارغة حيث سرق التنظيم جميع آليات البلدية، وقام بإفراغ المخازن من جميع المعدات، الأمر الذي جعل المدينة بحاجة الى المزيد من الآليات والمعدات كي ترفع وتيرة عملها بأسرع وقت.
وطالب بتخصيص أموال لإكمال مشاريع البلدية المعطلة وبينها مجسر الدلّة ومجسر تكريت والفندق السياحي الذي مازال مدمراً، فضلاً عن الحاجة الى مشاريع كبيرة لتصريف المياه.
إن رفع وتيرة الاستثمار وتحريك قطاعات مهمة قادرة على امتصاص البطالة في محافظة تمتلك كل عوامل النجاح لاستثمارات زراعية كبيرة، فأراضيها الخصبة في جزيرة سامراء والإسحاقي كانت ولما تزل تمثل سلة غذاء كبيرة لمدن العراق، وخصوصاً بغداد، وثمة إجراءات لاتحتاج الى جهد كبير تسهم في دفع عجلة الانتاج الزراعي، اذ لطالما ابتعد التجار عن شراء المحاصيل في المحافظة بسبب الساعات الطوال التي تمضيها سيارات الحمل في السيطرات الأمنية تحت لهيب شمس حارقة تتلف حمولتها من الخضراوات.
وفي قطاع الصحة الذي يشكل ركناً أساسياً في الخدمات المقدمة الى المواطنين والذي تعرضت مؤسساته الى تدمير هائل بعد أن عمد داعش الى تفخيخ ومن ثم تفجيرها، فإن جهوداً ملموسة بذلت بمساعدة منظمات دولية وصندوق إعمار المدن المحررة، اذ جرى تأهيل نحو أربعين مؤسسة صحية بين مستشفى ومستوصف.
ويقول (محمد صالح حمودي) مدير المشاريع الهندسية في المحافظة: إن من بين أهم المشاريع التي نفذتها دائرته إعادة بناء مستشفى تكريت التعليمي بكلفة 42 مليار دينار الذي يتألف من ستة طوابق، ويعد المستشفى الرئيس في المحافظة، ويتسع الى 450 سريراً، وقد تحول المستشفى الى شبه هيكل بعد أن ألحق به تنظيم داعش دماراً كبيراً، كما جرى تاهيل مستشفى الطوارئ بكلفة مليار وربع المليار دينار.
وأشار حمود الى أن تأهيل المؤسسات الصحية لم يقتصر على مدينة تكريت بل شمل جميع الأقضية والنواحي التي تعرضت الى دمار هائل وبينها 12 مركزاً صحياً في بيجي، كما جرى تأهيل مؤسسات حيوية صحية كمصرف الدم والكِلية الصناعية والجهود مستمرة في هذا الإطار، بيد أنه أشار الى أن هناك خمسة مستشفيات متوقفة عن العمل من بينها مستشفى للأطفال.
تحتاج صلاح الدين الى فتح المزيد من نوافذ الأمل، وتقديم الخدمات والاهتمام بقطاعات التربية والشباب ورعاية المرأة والطفل ودعم الاستثمارات وتشجيعها، وفتح فرص عمل أمام المواطنين، وكل هذا يسهم في القضاء على الإرهاب ويقتلعه من جذوره.