هل يعمل الكورد للتخلص مـن آرث المحاصصة؟

هفال زاخويي /

كجزء من الحالة العراقية، كان (الكورد) ضمن هذه الإشكالية البنيوية لإدارة الدولة في العراق، فحال القوى السياسية الكردية غدت حال نظيراتها من القوى السياسية العراقية، التي كانت أغلبها متضامنة ومتكاتفة قبل سقوط النظام السابق ، لكن حقيقة (مرحلة المعارضة شيء ومرحلة ادارة الدولة شيء آخر)..!
بعد إزاحة النظام السابق وكنتيجة لـ (الاستحقاقات الانتخابية) طفت على السطح مشاكل وأزمات بين القوى السياسية الكردية، وبخاصة (الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني) من جهة، وبين نظيراتها من القوى السياسية الشيعية، فغدا حلفاء مرحلة المعارضة الى مختلفين أشد الاختلاف في (مرحلة إدارة الدولة). كانت المطالب القومية الكردية حاضرة في كل دورة انتخابية ومن أبرز تلك المطالب هي (معضلة المناطق المختلف عليها)، ومسألة (الشراكة في ادارة الدولة) و (المستحقات المالية لإقليم كوردستان)، وبسبب التعقيدات الشديدة والإرث المتصدئ الذي تركه (النظام الديكتاتوري السابق) فيما يخص الموقف من (القضية الكوردية حينذاك) طفت على السطح المشاكل والأزمات ذاتها مع فارق تغيير نمطية الصراع، فبعد أن كان الصراع بين الحركة السياسية الكردية وبين النظام السابق مسلحاً وعنيفاً ودموياً، غدا الصراع هذه المرة سياسياً يتغلف بطابع المدنية والبحث عن الحلول الديمقراطية، لكن البحث عن الحلول ومحاولة تطبيع الأوضاع والقضاء على المشاكل لم تنجُ من التدخلات والإرادات الخارجية (دولية واقليمية)، كما لم تتحرر من نمطية التفكير السياسي التقليدي التي كانت تؤدي الى الحلول الترقيعية، فبقيت المشاكل هي ذاتها وبقي عامل (انعدام الثقة) بين القوى السياسية الكوردية وحليفاتها السابقة هي ذات المشاكل القديمة، التي غدت (جديدة)، فمنذ سنة 1961، وهو التاريخ الذي نشب فيه الصراع المسلح العنيف بين الحكومات العراقية المتعاقبة وبين الحركة الكوردية واستمر الى سنة 1991، ودخول الكورد مرحلة (شبه الانفصال عن الدولة) عقب حرب الخليج الثانية التي كانت من تداعيات غزو الكويت سنة في اغسطس/ آب 1990
الاندماج الكوردي
بعد أن إزيح النظام الديكتاتوري السابق في 2003 فضَّل (الكُورد) الاندماج من جديد بسبب انتفاء اسباب شبه الانفصال والقطيعة التي تسبب بها النظام لمدة 22 سنة (1991-2003) فهرعت القيادات السياسية الكوردية الى بغداد كشركاء لإدارة الدولة مع باقي تنظيمات المعارضة، لاسيما (حزب الدعوة والمجلس الأعلى)، وكان للكُورد دور واضح وجلي في إدارة حكم العراق، لكن، كما تمت الإشارة سابقاً، فإنَّ الخلافات الشديدة بين القوى السياسية العراقية بمجملها وأنماط التفكير السياسي وعدم الاستفادة من التجارب المريرة، وكذلك بفعل العامل الخارجي، بقي الوضع على ما هو عليه، بل تصدعت وشائج الثقة بين القوى السياسية وكان للمحاصصة الدور الأكبر، ولاسيما أن المحاصصة بدأت تصبو الى تحقيق المصالح الاقتصادية للقوى السياسية أكثر من السعي لبناء الدولة المدنية الحديثة وإدارتها على أسس صحيحة.
الآن، وبعد عقدين من الزمن، ومع ظهور قوى سياسية أخرى فاعلة في صنع القرار، وبعد التغيير الحاصل لدى المواطن والرأي العام، ينبغي أن يسعى (الكُورد) الى الحضور الفاعل في بغداد تبعاً لمتطلبات المرحلة، التي ينبغي أن تكون متطلبات واستحقاقات وطنية قائمة على أساس الشراكة الحقيقية في إدارة الدولة (دولة المواطنة) وليس (دولة المحاصصة الطائفية والقومية)، وهذا يتطلب (شراكة حقيقية)، وليست مجرد مشاركة، وينبغي على جميع القوى السياسية -وبكافة توجهاتها- أن تكون عراقية وطنية الرؤى تتحرك ضمن الثوابت والاستحقاقات (الوطنية) وذلك تفادياً لما قد يكون أشد وطأة مما سبق من أحداث ومآسٍ تعرض لها العراقيون جميعاً دون استثناء، ويبدو في الأفق أن الرؤية الكوردية دخلت مرحلة أخرى فيما يخص شكل الدولة وإدارتها على أسس المواطنة، وهذه الرؤية بحسب الاستقراء مبنية على مواد الدستور والانطلاق منها لوضع الحلول الجذرية للمسائل الإشكالية كافة، التي ما زالت عالقة، وذلك نابع من عدم جدوى البقاء والمراوحة في الحلقة المفرغة التي شهدتها السنوات السابقة، وأقصد الدورات الانتخابية السابقة، بالطبع ينبغي أن تكون رؤية القوى السياسية العراقية الأخرى قد تغيرت لتتجاوز هي ايضاً (إرث المحاصصة) نحو تقاليد (دولة المواطنة).
مرحلة جديدة
التجارب السياسية السابقة، التي كانت مريرة، انسحبت تأثيراتها السلبية على المواطن بالدرجة الأولى يفترض أن تكون عاملاً ومنطلقاً للشروع في مرحلة جديدة قائمة على أساس العمل كفريق عمل واحد لإدارة الدولة بعيداً عن تقاليد وثقافة الإدارة بعقلية (الإقطاعيات السياسية).
هنا لا بُدَّ من الإشارة الى دور (الإنتلجنسيا العراقية) وبمختلف اتجاهاتها الفكرية والآيديولوجية أن تمتلك القدرة على تجاوز الماضي والتحرر فكرياً من تأثير الإرادات السياسية، وأن تكون منطلقاتها (وطنية) تمتلك القدرة على الأخذ بيد الساسة الى حيث سبل البحث عن تحقيق الاستقرار والأمان وبناء دولة المواطنة بدلاً من أن تكون منهمكة في صراع المحاصصة، ذلك الصراع الذي أنتج -لحد الآن- الكثير من الأمراض التي أنهكت جسدَ هذا البلد.