أحمد سميسم /
قد تبدو مفردة (سرقة) وكأنها تشمل فقط الأشياء المادية المحسوسة، الإ أنها يمكن ان تتعدى الى أبعد من ذلك التصور، فعندما نطرب لسماع أغنية معينة لسنوات طوال بصوت أحد الفنانين المعروفين، وفجأة نكتشف أن هذه الأغنية مسروقة!!
من فنان آخر قد غناها في وقت سابق، حيث يستغل الفنان (السارق)، إن صح هذا التعبير، ظروف إنتاج تلك الأغنية وعدم شهرتها فنياً حينها ليتعكز على تلك الأسباب معلناً أنه صاحب الأغنية الشرعي بكل ثقة وتبجح، وعدم اكتراثه لذكر مصدر الأغنية او حتى الإشارة الى مطربها الأصلي، مع عدم مراعاة حقوق الملكية الفكرية والإبداعية، بل قد يصل الأمر ببعض الفنانين الى استغلال أسماء الفنانين ممن رحلوا عن هذه الدنيا وسرقة اعمالهم الفنية في عملية سطوعلى التراث الفني الرصين في ظلّ غياب الضمائر أو عدم احترامهم للفنّ والمهنة وازدحام الساحة الفنية والفوضى التي تطولها، وأيضاً غياب دور الحسيب والرقيب من الجهات الرسمية متمثلة (بنقابة الفنانين العراقيين) و (وزارة الثقافة العراقية) اللتين من شأنهما حماية حقوق المؤلف وحقوق الفنانين الإبداعية بشكل فعال، والضحية دائماً التراث ونجوم الجيل السابق، وكلّ السرقات التي نشاهدها يتمّ كشفها بطريقة فردية وليس عبر جهة رسمية تتصدّى لذلك.
“مجلة الشبكة العراقية” فتحت ملف (سرقة الأغاني) عبر استطلاعها آراء عدد من الفنانين العراقيين ومن ذوي الاختصاص وتحديد المسببات وحلولها:
إفلاس فني
الفنان الكبير ياس خضر تحدث عن هذا الموضوع قائلاً: إن موضوع (سرقة الأغاني) من الفناين أمر معيب جداً ولا يرتقي لاسم الفن العراقي، لذا طلبت مراراً من جميع الفنانين الذين يرغبون بإعادة تسجيل أو غناء أغنياتي أن يحافظوا على جوهرها من حيث الكلام واللحن والأداء وعدم الإساءة إليها عبر ما يسمى بالتجديد أو التحديث، علماً أن غالبية الذين قاموا بإعادة أغنياتي لم يكلفوا أنفسهم في الحصول على موافقتي، وهذا دليل على إفلاسهم وعدم امتلاكهم القدرة في إضافة أعمال غنائية جديدة تحسب لهم، لذلك اتجهوا إلى سرقة الأغاني العراقية الجميلة التي تعب عليها الشعراء والملحنون والمطربون والموسيقيون والفنيون حتى تخلد في ذاكرة الناس، وهذا أمر مؤسف حقاً، فالمطرب الجيد هو من يترك بصمة خلفه، لا أن يعيش على نجاحات وتراث وتاريخ الآخرين.
أزمة اخلاق
فيما عبّر الفنان الكبير حسين نعمة عن استيائه العميق من ظاهرة سرقة الأغاني التي غدت مألوفة في الوسط الفني لاسيما من قبل بعض المغنين الجدد، واصفاً إياها بـ (أزمة أخلاق)، موضحاً أنه حين غنى للمطربين العراقيين الراحلين داخل حسن وحضيري أبو عزيز استأذن منهما فسمحا له أن يغني أغانيهما.
يضيف نعمة: أما من يغني أغنياتي من دون استئذان فهذا أعده تجاوزاً أخلاقياً، وللأسف الشديد تحول إلى ظاهرة عند الأجيال الجديدة، وحتى حين غنى إلهام المدفعي أغنيتي (مالي شغل بالسوك) تجاوز عليّ بحالتين: الأولى كونه لم يستأذن مني، والثانية عندما قال إن هذه الأغنية هي من التراث العراقي ولم يقل غناها قبلي حسين نعمة وهي للملحن محمد جواد أموري وأنا سجلتها وصوّرتها في منتصف سبعينات القرن المنصرم في التلفزيون العراقي.
دور نقابة الفنانين العراقيين
تعتبر نقابة الفنانين العراقيين إحدى الجهات المسؤولة عن حماية حقوق الفنانين من الضياع والسرقة، لذا كان لنا حديث مع عضو مجلس نقابة الفنانين العراقيين الملحن محمد هادي الذي حدثنا قائلاً: موضوع سرقة الأغاني على ما يبدو أصبح منتشراً بشكل كبير بين الفنانين، ليس في العراق فحسب بل حتى في الساحة الفنية العربية، فعندما يقوم فنان ما بغناء أغنية معينة لفنان سبقه بأجيال متعددة، هنا يكون للموضوع جانبان: سلبي وإيجابي، الجانب الإيجابي هو إزاحة الغبار عن الأغنية وتقديمها بشكل جديد وجميل واستذكار للفنان صاحب الأغنية الشرعي، أما الجانب السلبي فهو عندما يقوم المطرب نفسه بتجيير تلك الأغنية لصالحه ويعتبرها أغنيته وليس لفنان آخر وعدم الاستئذان من مطربها ليكون تحت مسمى (سارق الأغنية) وليس مؤديها، فضلاً عن أن الجمهور ينجذب الى الأغنية بصوت مطربها الأصلي أكثر من أي فنان آخر يقوم بغنائها.
يضيف هادي: في ظل غياب الحقوق الملكية الفنية في العراق بشكل عام، هناك ما يشجع بعض المطربين العرب على سرقة أغان عراقية ونسبها الى التراث او الفلوكلور العراقي في حين أن مطربها مازال حياً يرزق، أما دور نقابة الفنانين في هذا الموضوع فنحن لسنا ببعيدين عنه، لكن كما تعلم نحن الآن مشغولون بالتركة القديمة للنقابة عند تسلمنا مهامها مؤخراً، لكن ذلك لا يمنع أن نبدأ بخطوات صحيحة وصارمة في قادم الأيام للحد من سرقة تراثنا الفني، لذا في الوقت الراهن ندعو جميع الفنانين الرواد ممن سرقت أعمالهم الفنية من قبل بعض المطربين الشباب أن يقدموا شكوى الى نقابة الفنانين العراقيين وفي ضوء ذلك تجري مقابلة بينهما للاتفاق على صيغة حل يرضي الطرفين ويقضي بالصلح، وايضا معرفة الفنان الشاب من هو صاحب الأغنية الشرعي والاستئذان منه شخصياً.
تفعيل قانون الحقوق الملكية
الفنان عبد فلك لا يختلف رأيه عن آراء زملائه الفنانين، كما أنه شكا لنا سرقة أغنياته لمرات عديدة من بعض المطربين دون الرجوع إليه او الاستئذان منه، مشيراً الى أنه لا يمنع أي فنان يرغب بأداء أغنايته بشرط ذكر اسمه، أي الإشارة الى مطربها الأول كحق من حقوق الفنان. موضحاً أنه قد جرى غناء أغنيته المعروفة (اذا متريدني كول) من قبل الفنان (مؤيد الأصيل) الذي نسبها له دون ذكر أن الفنان عبد فلك هو مطربها الأصلي، كذلك أغنية (ما دام قلبي يدق) التي غناها حسام الرسام وسجلها وهي تعود أيضاً للفنان عبد فلك، وغيرها من الأغاني، مؤكداً على أنه لا يمكن التخلص من ظاهرة سرقة الأغاني إلا بتفعيل قانون الحماية الملكية وتنشيط دور نقابة الفنانين العراقيين.
سرقة فنية علنية
الفنان قاسم السلطان، أيضاً، كان له رأي في هذا الموضوع حين حدثنا قائلاً: إن الكثير من الفنانين غنوا أغنيات لمطربين آخرين أمثال الفنان جورج وسوف الذي غنى لعبد الحليم، والفنان فضل شاكر الذي غنى لوردة الجزائرية، والفنان حسين الجسمي حين غنى لفيروز، وأنا واحد من الفنانين غنيت لفنانين آخرين مثل (رحلة مع أم كلثوم)، وأغنية (فراكهم بجاني) حيث حاولت إحياء الأغاني القديمة، ولا ضير في ذلك، لكن أن يقوم فنان ما بسرقه أغنية معينة ونسبها له فإن هذه سرقة فنية علنية لا يمكن السكوت عنها.