عواد ناصر/
صوفيا لورين نجمة سينما العالم لا تنظر إلى الخلف بغضب أو ندم، فهي اليوم في الثالثة والثمانين من عمرها الذي أمضت أغلبه تحت الأضواء الساطعة، وكونت عائلة سينمائية مبدعة، وشاهد لها الجمهور العراقي أفلاماً رائعة عندما كانت دور العرض الشهيرة في بغداد تعرض خيرة الأفلام العالمية، ومنها أفلام من بطولة لورين.
ذكرياتها زاخرة وتجاربها غنية بعد أن عملت مع مخرجين وممثلين كبار أمثال مارلون براندو ومارسيلو ماستورياني والعشرات غيرهما.
وسط هذا المناخ فتح الطفل إدواردو بونتي عينيه على نجمين كبيرين، أبيه وأمه، بينما كان الناس يحلمون بالحصول على توقيعهما أو التقاط صورة معهما، خصوصاً النجمة الأم التي كانت محط الأنظار من سينمائيين ونقاد وصحفيين وجمهور المشاهدين، فيا للطفل المحظوظ الذي يرى هذه الأم ترعاه وتربيه وتعد له رضاعة الحليب، ويشاهدها في ملابس البيت وهي تعد الطعام للعائلة.
من أفراد تلك العائلة ابنها إدوارد بونتي (من زوجها المنتج كارلو بونتي الذي توفي عام 2007 عن أربعة وتسعين عاما) والذي علمته جدته لأمه، روميلدا فيلاني، التي كانت تحترف عزف الموسيقى الكلاسيكية، كيف يتعامل بحذر شديد مع الأناقة والجمال. كانت تقول له”الأناقة تشبه مادة متفجرة القليل منها يكفي والكثير منها يدمر”.
لكن هذا الطفل لم يتوقع، برغم حلمه الكبير، أن النجمة الكبيرة ستكون ممثلة تحت إدارته كمخرج سينمائي.
لذلك اختار إدواردو موضوع تأثير الألق والجمال على حياة البشر مادة لفيلمه الجديد الذي أسند الأدوار الرئيسة فيه لشاب وشابة من عارضي الأزياء وحولّهما الى ممثلين محترفين.
إدواردو بونتي يشعر أنه ولد في هذا العالم ليخرج أفلاماً سينمائية. شقيقه الأكبر كارلو الصغير يعمل مايسترو يقود الفرقة السمفونية الوطنية الروسية منذعام 2000.
أما إدواردو بونتي، الذي تجاوز الأربعين اليوم، فيجد في الإخراج السينمائي كل أحلامه وقد قدم حتى الآن أفلاما عدة، منها بعنوان “بين الغرباء” الذي قامت ببطولته أمه صوفيا لورين وآخر أفلامه مأخوذ عن فيلم المخرج السينمائي الإيطالي الشهير مايكل أنجلو أنتونيوني (رحل عام 2007) “أكبر من الواقع” الذي يصور الحياة في لندن خلال ستينات القرن المنصرم. ويقول إدواردو إن أنتونيوني لن يعترض إطلاقاً على هذه الاستعارة، فقد عرفه معرفة وثيقة وعمل مساعداً له في سنوات حياته الأخيرة، بعد أن أصيب بالشلل الدماغي. لكن مشروع أنتونيوني السينمائي لم يتحقق. على أية حال، فالفيلم الأصلي موله والده المنتج كارلو بونتي، والآن جاء دور بونتي الإبن ليعيد إخراج الفيلم الشهير بأسلوب جديد ووجوه جديدة.
وكما كان والد إدواردو، كارلو بونتي، وراء إنجاز العديد من الأفلام المهمة لمخرجين كبار، مثل فلليني ودافيد لين، فإن إدواردو يبحث أيضا لنفسه عن بصمة في عالم السينما، ويبدو أنه بدأ بوضعها مؤخراً.
يقول إن اختيار الممثلين من أهم إشكاليات الاخراج: «روح الممثل يجب أن تكون قريبة من روح الشخصية التي سيؤديها».
إدواردو مخرج يحب ممثليه ويرقبهم عن كثب. يراقب كل تفاصيل حركاتهم في بداية التصوير ثم يتركهم يكتشفون طريقهم. ولعله تعلم أسلوب التعامل الصحيح مع الممثل من أمه صوفيا لورين.
هو الإبن الثاني الذي طال انتظاره، أنجبته أمه وهي في التاسعة والثلاثين من عمرها وعاشت طوال حياتها، برغم الشهرة والأضواء، أمّاً تعطي كل ما لديها لإبنيها حتى حين تكون بعيدة عنهما، وكانت تفعل ما بوسعها لتملأ الفراغ العائلي الذي تتركه خلفها عندما تكون مشغولة في فيلم سينمائي. وحين تكون معهم فهي تكون لهم بكليتها، تلاعبهم وتشاهد معهم الأفلام الكوميدية. لم تكن نجمة سينما، حسب، بل كانت أمّاً معطاء أيضاً.
يقول إدواردو (الشهرة لم تعن لأمّي كثيراً. كانت تأخذ عملها بشكل جدّي ولم تكن معنية بالشهرة المرتبطة بهذا العمل. كانت تهتم بأسرتها، بنا نحن، ربما لأنها كطفلة افتقدت وجود الأب الذي كان غائباً باستمرار، ولكن حين ولدت أنا كان أبويّ شهيرين، والآن يصعب القول من منهما أثّر فيّ أكثر من الآخر، فأبي كان يحسن البحث في نفوس الناس عما يمكن أن يكونوه، وأمي كانت تحسن تحقيق ذلك، أيضاً).
عاش إدواردو حياته مع أسرته بين لوس أنجلوس وجنيف، فقد كان على والديه أن يتخليا عن جنسيتهما الإيطالية لأن الكنيسة الكاثولكية، في الخمسينات، رفضت منحهما الإذن بالزواج حيث الطلاق كان محرماً ولورين كانت الزوجة الثانية.
لكن إدواردو لم يتأثر بكل ذلك فهو ما زال إيطالياً، بل من أبوين شديدي الإيطالية، وقد تعلم منهما كيف يكون سينمائياً إيطالياً من الدرجة الأولى. وأمه، النجمة الشهيرة، أصبحت الآن جدة ممتازة تمارس كل ما تفعله الجدات من خرق للقوانين وتدليل للأحفاد والرضوخ لكل مطالبهم الصغيرة.
هكذا صار إدواردو ابن النجمة الشهيرة نجماً، يخرج الأفلام ويفوز بجوائز ويفرش له السجاد الأحمر ويحيي معحبيه تحت أضواء المصورين والصحفيين، بينما أمه ترقبه عن قرب وهي في أشد حالات الفخر.