مقداد عبد الرضا/
انها المرة الثانية ضمن مشاهداتي السينمائية التي اصفق لها عاليا لمحاولة تفكيك نص مأخوذ عن مسرحية لشكسبير..المرة الاولى انجزها آل باجينو ممثلا ومخرجا في فيلم ( البحث عن ريتشارد 1996 ),, المأخوذ عن مسرحية ريتشارد الثالث ,, قسم باجينو العمل الى ثلاثة اقسام ,, التحقيق ,, البروفة ,, النص ,, ظهر العمل رائعا,
هذه المرة يأتي الاخوان باولو وفيتوريو تافياني ( توأم 82 عاما ) ليحققا تجربة فذة ومذهلة وليخطفا دب فينيسيا للعام , انه فيلم (قيصر يجب ان يموت) والمعد عن مسرحية شكسبير يوليوس قيصر,, هذه التجربة تختلف عن كل تجارب السينما في العالم, ( احدهم ساعدنا بعد مكالمة هاتفية في التسلل الى فضاء لم نكن منتبهين اليه ,, السجن ,, لم لاتكون التجربة في السجن والممثلون سجناء؟ ,, انهم من اشد السجناء خطورة, يوليوس قيصر تآمر واغتيالات ,, انهم مجرمون البعض منهم مارس الاغتيال او القتل, فلنجرب,, بروفة بالأبيض والأسود وهي زمن الفيلم كله تقريبا,, السجن هو الفضاء المسرحي الفيلمي الذي تدور فيه الاحداث, سجن رابيا الروماني القائم في اطراف روما,, الزيارة الاولى لنا لم نجد ذلك التآلف الحميم من السجناء, كان التوجس من قبل الطرفين وهو العلامة التي ميزت اللقاء,, فريق الممثلين هم نزلاء سجن حكم على البعض منهم بالسجن مدى الحياة ,, انهم ربما يتطابقون مع اجواء القتل والتآمر لذلك نجد ان البعض منهم جاء منسابا ومتقنا وهو يؤدي دوره,, في المرة الثانية استطعنا ان نغور في دواخل هؤلاء السجناء على الرغم من السرية والألم اللذين يشعرون بهما, حينما سألناهم ان كانت لديهم رغبة في العمل, ابدوا استعدادا كبيرا لخوض هذه التجربة…). اروع مافي هذه التجربة هي فترة الاختيار,, الاختيار ( الكاستنك ), لقد طلبنا من السجناء ان يتقمصوا دور توديع اما حبيبة او صديقة او زوجة بطريقتين,, الاولى حزينة واخرى فيها نوع من التوتر, ولقد جاءت النتائج رائعة حقا لقد بدا البعض منهم وكأنه محترف تمثيل وتم ,,الاختيار ,, مراحل ثلاث هي اقسام العرض,, البروفة والتي تكاد تكون هي الفيلم نفسه, جرت مع الممثلين في كل زويا السجن موحية بأماكن المسرحية الحقيقية وكانت بالأبيض والأسود, ماعدا مشهدي البداية والنهاية فقد كانا بالألوان حيث حضر جمهور غفير صفق كثيرا. لم ينس الأخوان تافياني توترات السجناء داخل زنزاناتهم وهو ماساعد على كسر الوهم في سير الاحداث,, ان اهم مافي هذه اللعبة هي التاكيد على تلك الازدواجية التي يتمتع بها السجناء بين ان يكون ممثلا وسجينا او مجرما، كان الحماس في اشده وقد نجح بالفعل سلفاتوري استريانو الذي يؤدي دور بروتس، وبعد ان انهى فترة محكوميته اصبح ممثلا معروفا,, يظل الموضوع الاهم, هو ما الذي يتوجب علينا ان نطلق من تسمية على هذه التجربة؟ النقاد بعضهم منحه صفة التسجيلي والبعض الاخر اعتبره دراما تسجيلية, في حين سماه اخرون بالفيلم الروائي, لكن الأهم ان طريقة الأخوين تافياني هذه سجلت على انها التجربة الاولى من نوعها ويصعب ايجاد تسمية لها لفترة طويلة… يقول الأخوان تافياني عن تجربتهم الفريدة هذه (لم نفكر باي عمل اخر سوى هذه المسرحية,, العالم الان قائم على الشرور والمؤامرات, لقد جاء اختيارنا بحكم الضرورة, فقد كان الرجال الذين تعاملنا معهم يحملون ماضيا قاسيا, ماضيا مشوها ومرتبكا وكثير الأخطاء, لذلك كان علينا ان نضعهم امام انفسهم في خلق جو يوازي حياتهم المبعثرة هذه, فكانت مسرحية يوليوس قصير لشكسبير ولعلها اكثر مسرحيات شكسبير ايحاء بذلك الجو المخفي والمخبوء تحت سطوة التامر والقتل والدم ,, اننا لم نفعل شيئا سوى نقل علاقات مؤسفة تدور الآن بين البشر. في اليوم الذي قمنا فيه بتصوير مشهد قتل القيصر, طلبنا من الممثلين الذين كانوا مسلحين بالخناجر (يطعنون القيصر) ان يعثروا على تلك النزعة الى القتل الموجودة في دواخلهم, لكننا اكتشفنا خطورة ماقمنا به, السجناء اول من ادرك ضرورة مواجهة واقعهم,, في النهاية قررنا ان نتابعهم من خلال توتراتهم داخل زنزاناتهم الخمس الضيقة تماما على اراوحهم وايامهم,, قضينا اسابيع اربعة داخل السجن وهي فترة تصوير الفيلم, كنا ندخل صباحا ونغادر ليلا,, النتائج كانت تهون من التعب الذي كان يتسرب الى جسدينا, كان في قمة السعادة والفرح, حصلنا على موافقة بدخول الكاميرا الى داخل السجن, غرفة الضابط, السلالم, غرف السجناء, الفضاء والمكتبة,, كنا نتوقف عن التصوير اثناء مرور بعض السجناء وهم في طريقهم الى الاستحمام او لرؤية اقاربهم اثناء الزيارات.. عند العودة كنا نلمح ذلك الأسى في نظراتهم … البعض منهم يعود الى التمثيل لكن عقولهم معلقة بالحرية، لذلك فقد البعض منهم تلقائيته.