الأغنية الجزائرية الجيل الجديد.. بمواجهة شيوخ الفنّ

خولة الفرشيشي /

نجح فنّ الراي الجزائري في اكتساح العالم منذ تسعينات القرن الماضي، ويعد كل من الشابّ خالد والشاب مامي من أشهر الفنانين الذي دخلوا قلوب الملايين من مختلف جنسيات العالم، ربّما لا يفهم بعضهم كلمات الأغاني، ولكن الموسيقى تجعل المستمع يتمايل فرحاً أو حزناً. من فرط نجاح فنّ الراي تناسى بعضهم البحث عن أصوله الأولى وعن أهمّ أعلامه الذين بدأوا في هذا اللون الجزائري قبل أن يصبح عالمياً ومطلوباً في الأسواق، ويحظى بكلّ هذه الجماهيرية.

أن الشاب أو الشابة اللقب الذي يطلق على فنانّي الراي هو لقب حديث ظهر منذ ثمانينات القرن الماضي معوّضاً لقب الشيخ أو الشيخة اللقب الأصلي للفنان الجزائري دلالة على احترام موهبته فمن هم أشهر شيوخ الفنّ الجزائري؟.

الشيخة الريميتي

تعد “الشيخة الريميتي” (1923 – 2006) من أشهر فنانات الراي، وإحدى أهمّ فناناته وبرغم وفاتها منذ أكثر من عشر سنوات لا تزال الشيخة الرميتي حاضرة في أعراس الجزائريين يتمايلون على أنغام أغانيها بفرح وحبور. تنحدر “الريميتي” من أصول ريفية فقيرة فاشتغلت في أعمال بسيطة كجمع الزيتون والتين ثمّ امتهنت الرقص في الملاهي قبل أن يتزوجها العازف محمد النمس الذي لحن لها أبرز أغانيها.عرفت مسيرتها الفنيّة محطات كثيرة، كانت بدايتها في حفلات الأعراس ثم الملاهي الليلية وقدمت الكثير من الأغاني التي طرقت باب المحظور كالحديث عن الثورة والخمر والعلاقة الحميمية بين الرجل والمرأة وتمّ وصف أغانيها بالإيروتيكية لا سيّما أغنية “هاك السرّة هاك” ممّا كان سبباً في أن تحرم من التسجيل في الإذاعة الجزائرية.غنت للمقاومة الجزائرية وقدمت بطولات المقاومين في الجبال وانتقدت الوشاة الذين تعاملوا مع المستعمر في أغنية بعنوان “الرقبة إيروح يجاهد والهانة إبيع خوه” وهو ما جعلها تكسب حبّ واحترام الشعب الجزائري. استقرت الشيخة الريميتي بفرنسا منذ سبعينات القرن الماضي( 1978) ولم تفتح لها الشهرة أبوابها إلا في سنوات التسعين، فصعدت إلى مسرح مركز العالم العربي بباريس سنة 1994 وتوالت حفلاتها في أوروبا وافريقيا وأمريكا وحازت على نجمة مطربة البروليتاريا وأغرقتها بالمحبّة والتقدير الذي فقدته في الجزائر. تميّز مظهر الريميتي بالبساطة، يديان مخضبتان بالحنّاء وملابس واسعة ومحتشمة وكانت دائماً ما تردد جملة “أنا كحلة وفحلة ونجيب العشاء في المحنة” بمعنى أنا سمراء وشهمة وقادرة على إحضار لقمة العيش في المحن الصعبة. توفيت الشيخة الرميتي في 15 ماي 2006 بفرنسا بعد أيام من حفلة شهيرة أقامتها بصحبة مع الشاب خالد والشاب عبدو والشاب خلاص بباريس، رثتها الصحافة الفرنسية في مقالات تعرضت إلى مسيرتها الفنيّة.

الشيخ دحمــــان الحرّاشي

يعد الشيخ دحمان الحرّاشي من أهمّ الفنانين في الجزائر وأحد روّاد الفنّ الشعبي ( 1925- 1981) من مواليد العاصمة الجزائر، من أشهر أغانيه “يا رايح وين مسافر” والتي أصبحت معروفة على الصعيد العالمي بعد أن أداها الشابّ رشيد طه وقد كتبها الشيخ دحمان الحرّاش من أجل انتقاد الراغبين في الهجرة إلى فرنسا طمعاً في حياة أفضل من أوطانهم، كما سبق أن غنت الفنانة التونسية أغنية “خلوني خلوني” وهي للشيخ دحمان الحرّاشي، والتي غناها سنة 1956. عالج الشيخ الحرّاشي من خلال أغانيه بعض السلوكيات والمشاكل التي يعاني منها المجتمع الجزائري كالتفكك الأسري والنميمة والإدمان على المشروبات الكحولية في أغنية “ربي بلاني بالطاسة” وغيرها من الأغاني التي حاكت المعيش اليومي للجزائريين بلغة بسيطة قريبة منهم. كرمته فرنسا يوم 9 مارس 2011 أي بعد ثلاثين عاماً من وفاته، إذ قام نجله الفنّان كمال الحرّاشي بإحياء حفل بمسرح بلدية باريس بصحبة 15 موسيقياً.

الشيخ الهواري بلاوي

ولد الشيخ الهواري بلاوي بوهران ( 1926- 2017) وهو سليل عائلة فنيّة كان والده محمد التارزي عازفاً على آلة القويطرة وهي غيتار صغير، تعلّم الهوّاري الغناء والعزف منذ نعومة أظافره، وقد اسهم على امتداد مسيرته الفنية في بناء أمجاد الأغنية الوهرانية نسبة لمحافظة وهران غرب الجزائر، تقلد منصب مدير الإذاعة والتلفزيون الجهوي بولاية وهران سنة 1967 أي بعد استقلال الجزائر لحنّ الشيخ الهوّاري أكثر من 500 أغنية لأهمّ فناني الجزائر ومنهم الشابّ خالد والشاب مامي والشاب هواري بن شنات. نعاه وزير الثقافة الجزائري عز الدين ميهوبي الذي حضر جنازته قائلاً: برحيل الفنان بلاوي الهواري تفقد الساحة الفنية عميد وهرم الأغنية الوهرانية وأحد مؤسسي موسيقى “العصري” وأول ملحن أدخل لون السماعيات الموسيقية في الموسيقى الجزائري. هذه نماذج مصغرة عن أهمّ الفنانين الجزائريين الذين مهدوا لانتشار الأغنية الجزائرية في العالم لتصبح اليوم بهذه الشهرة، فنانون أعطوا حياتهم للفنّ وعالجوا من خلال أغانيهم بعض القضايا المرتبطة بالجزائري والعربي بصفة عامة، فنانون رحلوا عن عالمنا ولكنّهم مازالوا أحياء في أغانيهم التي يغنيها غيرهم ليغنموا الشهرة والمال.