الإبداع الفني بين الموهبة والأكاديمية

محسن العكيلي/
القول إن موهبة الفنان تكفي كي يشق طريقه ويضع قدمه على طريق النجاح، قول ربما ينقصه الكثير من الدقةلكن الموهبة مهما تعددت أشكالها فإنها لا تكفي لوصول الفنان إلى ما يبتغيه، دون ولوج عالم الدراسة الأكاديمية التي تنمي الموهبة الفطر. ومن الطبيعي أن يكون من درسَ الفنون ناجحاً على المستويين النظري والأكاديمي، لكنه لن يحقق النجاح على الساحة الفنية، والعكس صحيح. كذلك فإن من الممكن أن تحقق الموهبة للفنان ما يريد، لكن يجب صقلها بالدراسة والاطلاع واكتساب الخبرات.
الموهبة المسؤولة
الفنان الدكتور رياض شهيد أكد على أن “الجنبة الأكاديمية مهمة للفنان، لأنها تضع كل المفاتيح بين يديه، فتراه متفوقاً في السينما والتلفزيون والمسرح، فضلاً عن أنها تجعله دقيقاً في انتقاء الأعمال، كما أنها تخلق لدى الفنان فكراً عالياً ومجال وعي كبيراً في تناول العرض المسرحي، سواء أكان مخرجاً أم ممثلاً، إذ إن لكل مجال مفاتيحه الخاصة.”
وأضاف: “الوقوف أمام الكاميرا السينمائية قد تكون له صلة قريبة جداً من التلفزيون، لكن هذه الكاميرا لها طعهما وتعاملها الخاصين من قبل الممثل، وكذلك في المسرح الذي هو الأساس، وإن لم يكن الممثل حاضراً في المسرح فأعتقد أنه سيكون طارئاً في السينما والتلفزيون، كل هذه الأمور مجتمعة يكون للدراسة الأكاديمية فيها الكعب المعلّى، لأن الفنان سيطبق التجارب التي درسها واطلع عليها وبأسلوبه الخاص.”
فيما تعتقد الفنانة عواطف نعيم أنه “ليس شرطاً أن يكون الفنان أكاديمياً، فخليل شوقي ويوسف العاني وكثير من الفنانين الكبار لم يكونوا أكاديميين او مختصين، لكنهم موهوبون بالفطرة، لكن لابأس في أن يعزز الفنان هذه الموهبة ويصقلها بالدراسة، أعرف كثيراً من الأكاديميين لم يحققوا شيئاً، وحتى شهادة الدكتوراه التي يحملونها لم يحققوا من خلالها إنجازاً يذكر. أنا مع الموهبة المسؤولة بالمعرفة والقراءة والاطلاع والاهتمام الحقيقي.”
رؤية مستقبلية
الفنانة سهى سالم أدلت بدلوها، مشددة على أهمية اقتران الموهبة بالدراسة، وقالت إنه “يجب أن يدعم الفنان موهبته بالدراسة، لكن هذه الدراسة ليس بالضرورة أن تكون قراءة فقط، إنما هي عبارة عن عملية انفتاح على تجارب وأساليب تحدد رؤيتك المستقبلية واختيار منهجك الفني، إن كنت ستتجه للإخراج أو التمثيل، وأين ستجد نفسك من التجارب العالمية. فلا ضير أن تتسع رؤية الفنان من خلال القراءة. بالنسبة لي فإن الأفضل للفنان أن يكمل مشواره الأكاديمي جنباً الى جنب مع مشواره الفني لكي يؤسس لموهبته وأسلوبه بشكل آخر، فالدراسة مهمة جداً لأنها تصقل وتغذي معلومات وثقافة الفنان. كما أن من المهم جداً أن يتعرف الفنان ويطلع على مختلف المدارس في التمثيل والإخراج، إذ إن المران الذي يخضع له الممثل في مرحلة الدراسة يساعد في بناء الممثل، أما الموهبة فمن المفترض أن تكون حاضرة أصلاً عند من يدرس الدراما أكاديمياً، لذا فإن توفر الموهبة والدراسة الاكاديمية يساعد الممثل في الوقوف على أرضية صلبة للبناء عليها وتراكم الخبرات.”
أما الفنان محمود أبو العباس فيرى أنه “لابد أن يتوفر العنصران معاً، هناك الكثير من الممثلين الذين يعتنون بأدواتهم التمثيلية بناء على الممارسة والخبرة، لكن هناك بعض التفاصيل في الدراسة العامة تحاول أن تفتح ذهنية الممثل في أن يقدم شيئاً مغايراً. أعتقد أن جميع من يعتقدون أن التمثيل هو ممارسة فقط يحتاجون الى مراجعة. لأن الدراسة الاكاديمية تهذب الكثير، وحين تذهب الى التمثيل تكون أشبه بشجرة مترامية الأغصان وتأتي لتشذيبها لكي تظهرها بشكل جميل. أما عن الخبرة فقد اختلط علينا الأمر ما بين الخبرة والممارسة، لان الاعتماد أصبح على التمثيل، ولاسيما في الدراما التلفزيونية، وعلى (الترند) في وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا ليس اختباراً حقيقياً لقدرات الممثل. إذ إن قدرات الممثل الحقيقية تظهر حين يقف على خشبة المسرح ويقدم ما لا يستطيع الآخر تقديمه.”، كما أن من يعتقد أن الدراسة لوحدها يمكن أن تصنع فناناً فإن هناك جفاء للحقيقة، إذ لا يمكن لأي ممثل أو مخرج أن يترك بصمة واضحة أو يعلو شأنه في الوسط الفني دون أن يتمتع بموهبة فطرية تساعده في الاستمرار.