ريا عاصي /
فاجأت الفنانة التشكيلية برتان عبد القادر الجمهور بعمل صارخ وخارج عن إطار اللوحة بمجموعة قمصان شكلت تكويناً تعبيرياً هائلاً قوامه اللون الأسود في تركيبة خارج إطار اللوحة المعتادة، ليصعد بصرخة مكتومة الى أعالي الفضاء.
عمل مذهل يكشف حجم فاجعة من غادرونا دون شاهد ودون قبر: (لكل أولئك الراحلين والمفقودين في حيواتنا المتتالية إما بمقبرة جماعية أو بحرب طائفية أو بإرهاب ملفّع بالدم او حتى بمن لم تدركهم الأيام لتبلغنا أنهم فقدوا هم وعوائلهم تحت ركام مدن محررة من إجرام داعش).. هكذا أهدت العمل الفنانة برتان، فمن هي برتان؟
“الشبكة” التقت صاحبة العمل الكبير في هذا الحوار الخاص:
*من هي برتان؟
– برتان چقماقچي خريجة كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد عام١٩٩٣، عرفت برسومها للفراشات بأشكال وألوان باعثة للحياة والأمل تشبه ابتساماتها وضحكتها التي لا تفارقها بالرغم من كل المحن التي مرت بها حالها حال كل العراقيين الذين مرّوا بالشدائد الواحدة تلو الأخرى ليخرجوا منها وكأنهم العنقاء دوماً ترفع رأسها من تحت الرماد.
تكنيكات
*ما تأثير العائلة على تجربتك الإبداعية؟
– كانت والدتي الرسامة فريال عزت تعلّمني دوماً أن لا حدود للطموح واللون. منها تعلمت حب الفراشات لأنها كانت تعشق الطبيعة (زهور البرية خاصة) فكسبت اللون والحب منها ورسمت دوماً بلهفة وشغف، ولم التزم فقط بالفرشاة بل كنت، ومازلت، استعمل أصابعي اوتكنيكات أخرى في تلوين لوحاتي لأنني أتفاعل مع الموضوع حين أرسم وأتجلى داخل اللون لأنطلق كجناحي فراشة بين الأزهار والألوان، لأن أفضل الألوان عندي هي كل الألوان.
جذوري الذهبية
*ما سبب عودتك الى بغداد بعد أن عشت سنوات طوال خارج البلاد؟
– جذوري الذهبية راسخة في بغداد، وأنا لا أحب الابتعاد عن الجذور.
* ماذا عن أبرز مشاركاتكِ خارج العراق؟
– شاركت في العديد من المعارض المحلية والدولية.. فمنذ أن كان عمري ١٣ عاماً وأنا أشارك سنوياً بعمل فني او بمعرض شخصي من مكان لآخر. لكن أقرب الأماكن لقلبي هي بغداد لأنني أعرض أعمالي دوماً مع زملاء الكلية التي درست فيها حيث نهلنا علوم الفن واللوحة وفن الرسم والخيال واستعمال الخامات من أساتذة كبار أمثال الراحل نزار الهنداوي وسعدي عباس ونعمت حكمت وصبيح كلش، طبعاً كان للأخير الدور الكبير في توجيهي لتكوين اللوحة، ومنهم تعلمت حبي لجواد سليم فهو الذي تمسك بمدينته وأحبها وعبر عنها بلوحاته.
*كيف ترسم برتان عبد القادر لوحتها؟
– إن الفنان ليس بمعزل عن الحياة، فكل حدث يمر به العراق تراه منعكساً في أعمالي. في السنوات الأخيرة أحسست حقاً باليتم بعد غياب والدتي من حياتي فكان طعم الفقد مرّاً لكني تعلمت من غيابها، كما حضورها، معنى أن تخلق الفرح من الحزن وأن ترسم ابتسامة على شفتيك وأنت تحلم بغد قادم أفضل من الذي مضى، لذلك أسعى لسبر أغوار الفن وأن أتعلم في كل يوم شيئاً جديداً لأن من الأفضل أن نخرج بحرية من لوحة الى أخرى، فاللوحة مرحلة لون وخاصيه وحلم سيتحقق وحلم آخر تعثّر.
محطات
*ما أهم محطات برتان؟
-أحلى المحطات كانت في كركوك حيث أقمت أول معرض وكان عمري آنذاك ١٣عاماً فقط وثانيها اشتراكي في المعرض السنوي عام تخرجي في بغداد١٩٩٣، ومعرضي في بناية powerhouse في سيدني باستراليا، ثم اشتركت في معرض مع الجمعية الإسلامية في كامبيرا عام ٢٠٠٥، بعدها شاركت في معرض (للأتراك من جميع العالم) الذي أقيم في منطقة البحر الأسود.. وأخيراً مشاركتي في معرض (تجليات في بغداد) في كاليري مدارات.
*حلم برتان؟
– حلمي لا حدود له لأنني بالإضافة لكوني رسامة فأنا مصممة ونحّاتة أيضاً، في حيث أنني بدأت في صغري بفن النحت بالطباشير وفن الخطابة، وأعلم جيداً أنني سأحقق حلمي لأن حلمي الأخير تحقق وهو أن أعرض عملي هذا في بغداد.
*معنى اسم برتان
– بالتركمانية هو (الضوء الوحيد من الله) وكان لي نصيب من تميز هذا الاسم بأن انعكس هذا على شخصيتي إيجابياً والحمد لله.
(بضحكة رقراقه من القلب ودمعة على الخد) عبّرت برتان عن حبّها للعراق وتمنياتها بأن يحظى الفن بمكانة أوسع في العراق لأنه الوحيد الذي يجمعنا دون أي تحسس من الآخر وهو من سيقودنا للقبول بالآخر وبالتالي في بناء وطن من المحبة تسكنه الفراشات.
جدير بالذكر أن برتان اجتمعت بزملاء الكلية في معرض أقيم على قاعة مدارات للفنون في شارع حيفا بمعرض اشترك فيه ١٩ فناناً تباينت أعمالهم بين نحت ورسم، وكان عملها شاخصاً في قلب القاعة يحيل من يشاهده الى فاجعة الفقد.