محسن إبراهيم/
رؤى من أساطير حضارة الرافدين وعصور الحب الموغلة فى الزمن القديم، مثّلت مواضيع أساسية للوحاته التي تسعى الى سبر أغوار الإنسان العراقي الرافديني، وطريقة تمرّده وتحمّل الكثير من الاحتفاء والتماهي بتاريخ وطنه.
وباتجاه البحث عن بصمة فنية حديثة تميزهُ عن باقي أقرانه من ذوي التجارب الفنية المتنوعة والمختلفة، عبر البحث في أروقة التاريخ والتراث، وهذا ما كتبته إحدى الصحف اللندنية عنه حيث قالت انه “استطاع رفدَنَة الفن التشكيلي المعاصر”.
“الشبكة” ذهبت في رحلة الى عالم التشكيل والببليوغرافيا مع الفنان التشكيلي قاسم محسن:
سانت كلمنتس
*هل كان الرسم بالنسبة لك موهبة طورتها بمجهود شخصي أم بالدراسة؟
-البداية كانت في الصف الخامس الابتدائي، حينما دخل معلم درس الفنية وتحدث للطلاب عن موضوع “البائع المتجول” وشرح أنواع الباعة.. بعدها طلب منا رسم هذا الموضوع.. وقبل إكمال الدرس أمسك بيدي بقوّة وقال لي: انهض معي!! واقتادني صوب الإدارة. وكنت حينها أرتجف من الخوف، وبعد دخولنا لغرفة المدير قال له: أنظر رسم هذا الطالب، فسألني المدير: من رسم لك هذا؟ أجبته أنا الآن أستاذ.. ثم قال للمعلم خليل اذهب الى جميع الصفوف وأرِهم رسمه.. وبالفعل كان أستاذي يقاطع الدروس في الصفوف ليريهم رسمتي، ومن ثم يطلب منهم التصفيق لي ويقول لهم إن (قاسم محسن حسان..فنان المستقبل). ومن يومها عُرفت في المدرسة والمنطقة بقاسم الرسام.
هذه الثقة الكبيرة التي منحني إياها معلّمي ..كانت زاداً قوياً لرحلتي في مسار الرسم وتنمية قابلياتي المهارية بالدراسة في معهد الفنون الجميلة، ومن ثم أكملت الدراسة وحصلت على البكالوريوس من جامعة بغداد، كلية الفنون الجميلة وتلتها الماجستير في جامعة سانت كلمنتس العالمية في تخصص النحت.
*المحيط الخاص بك هل كان متقبلاً لحلمك في أن تكون فناناً تشكيلياً؟
-بالنسبة للمحيط كان داعماً لموهبتي من خلال تشجيع الأهل، لكن مواصلتي تنمية مهاراتي وقابلياتي الفنية وحماسي كانت المحرك الحقيقي لمعرفة كافة المدارس الفنية والاتجاهات الأوروبية لتحصين ثقافتي الشخصية.
*الذات الإبداعية عند الفنان هل تمحورها المدرسة التي ينتمي إليها؟
-يبقى الفنان هو نتاج البنية والمحيط الاجتماعي وما بينهما تكمن ملكة وموهبة كل فنان والتي هي الدافع الحقيقي وراء التحيلق في فضاءات الإبداع، فالدراسة الأكاديمية تثقف الموهوب فقط وتعلمه الأساسيات بأنساق الرسم او النحت والمبادئ وخصائص التقنيات الفنية المستخدمة، وتعريفه بأهمية المهارات الأدائية لإنتاج أعمال فنية رصينة.
وسيلة ارتقاء
*الفنان هو نتاج الدراسة الأكاديمية أم أنه نتاج الحالة الإبداعية؟
-إن الذات الإبداعية عند الفنان رهينة القابلية الفردية، وفق إنشاء تشكيلاته الافتراضية، مبتعداً عن ما هو مستساغ أو سطحي، في وسط ثقافي يتطلع الى الرقيّ، ليحقق ذاته الفنية عبرها، والحرص على العمل بجهود مضنية لتحقيق أهداف فنية للحياة الحقيقية، ليواسي كل انكسار مر به بأطر التحرر من الواقع.
*لكل فنان قضية معيّنة ورسالة إنسانية، كيف ترجمت ذلك عبر لغة الألوان؟
-فعلاً، لكل فنان رسالة وقضية يحاول بتجاربه الفنية طرحها وإيصالها للمتلقي..فالفن، بالمعنى العام، جملة من القواعد المتبعة لتحصيل غاية معينة، جمالاً كانت أو خيراً أو منفعة، فإذا كانت هذه الغاية تحقق الجمال، سُمي الفن بالفن الجميل، وإذا كانت تحقق الخير، سُمي الفن بفن الأخلاق، وإذا كانت تحقق المنفعة، سُمي الفن بالصنعة.
*يقول (بابلوبيكاسو) إن الرسم هو طريقة أخرى لكتابة المذكرات، هل أن اللوحة تسعى إلى تأسيس ثقافة الإحصاء والتوثيق؟
-بدايةً نحن في العراق نفتقر الى ثقافة التوثيق والإحصاء وذلك بسبب ضعف المنظومة الثقافية، وإن وجدت في فترة من الفترات، لكنها أيضاً أصابها التلف بسبب دخان الحروب والمعارك المتنوعة في البلد، وما تبعها من تغيرات مختلفة .
والرسم الحديث يعكس الوعي الحديث بموقف حديث لا سابقة له أو يقوم على تطوير ما سبق، وهذا جميعه أدخل التقدم المستمر للعلوم والتقنيات وثورة التكنلوجيات، الى الحياة الاجتماعية مشكلاً عوامل التغيير والتحول المستمر التي أدت الى انهيار المعايير والقيم الثقافية التقليدية المتداولة. لكن يبقى للفن دور مهم في توثيق المكان والزمان وخاصة الأحداث الجسيمة التي تعصف بالبلدان، لذلك جاءت لوحة بابلو بيكاسو”جورنيكا”، وهي لوحة جدارية ضخمة رسمها لتعرض في الجناح الإسباني بالمعرض الدولي في باريس عام (1937)، وهى تعبير صارخ مفزع حزين عن تدمير القنابل لعاصمة إقليم الباسك “جورنيكا” – موطنه الأصلي-. وفى هذا الصدد قال بيكاسو: “إن اللوحات لا ترسم من أجل تزيين المساكن، إنها أداة للحرب ضد الوحشية والظلمات”. فالفن عامل مهم في منظومة التوثيق.
فائق حسن
*اتجهت إلى ثقافة (الببليوغرافيا) وألّفت كتاباً عن فائق حسن، لماذا فائق حسن؟
-ألّفت كتابين عن الحركة الفنية للتشكيل في العراق، كان الأول بعنوان ( فائق حسن.. الحضور الحي والبصمة الساحرة) والثاني حمل عنوان ( فائق حسن .. ذاكرة اللون)، بسبب غياب وافتقار المكتبة الفنية الوطنية لمثل هكذا مطبوعات توثيقية تحفظ منجز المبدعين الفنانين الرواد للأجيال القادمة، أما لماذا فائق حسن، فهذا سؤال مهم جداً.. إن في الكتاب تقديم (الببليوغرافيا) للفنان الرائد فائق حسن، وتجربته الفنية وكمّاً غزيراً من التوثيقات الفنية، والضغوطات التي أثرت على الفنان ونتاجه الفني، الذي وثق بعض الصفحات الاجتماعية ومختلف مشاهد البيئة العراقية مالم توجه الى فنان آخر، وبالرغم من ذلك فإن الفنان فائق حسن لديه الكثير من الرسومات التي تلحق الفن بالفن فقط وليس بالأحداث، كما في أعماله التجريدية او التعبيرية التجريدية، والظروف التي ألمّت بالفنان فائق حسن وأثّرت في منتجه الفني ومراحل حياته المختلفة، ودوره الريادي في خلق مؤسسات فنية ساهمت في إضفاء لونٍ خاصٍ في الثقافة الاجتماعية العراقية. في بلاده العراق فهو فنان بالرغم من تأثره بالمدارس الفنية والتقاليد الأوروبية في حياته إلا أنه لا يبتعد عن جذوره التاريخية الى جهة بعيدة المدى، فهو يخرج من تإطير تنوعه الأسلوبي والتقني في طابع يكون عمله الفني مرحلياً فحسب، بل يجعله شاخصاً للأحداث على الدوام.