سامي نسيم /
لا شك أن المنطقة العربية غزيرة بأنواع عديدة من الآلات الموسيقية التقليدية والشعبية (traditional) مثلها مثل جميع شعوب العالم، وبعضها مستمر بوجوده على الرغم من التطوير والتغيير بالآلات الموسيقية، ونقصد بذلك شكلاً ومضموناً من نواحٍ عديدة ومنها الآلات الموسيقية الكهربائية والإلكترونية و التي لم تسلم بعض الألات التقليدية والشعبية من سطوتها وبرمجة أصواتها، وفي المقدمة منها آلتا العود والقانون، إذا استثنينا آلة الكمان كونها آلة عالمية مشتركة لكل شعوب العالم بما فيها المنطقة العربية. ومازال السعي الحثيث لكي تكون الآلات الكهربائية أو الإلكترونية بديلاً مقنعاً من قبل شركات صناعة الآلات الموسيقية المعاصرة يستحوذ على فكر ورغبة العازفين في الفرق الموسيقية وستوديوهات التسجيل الصوتي. وتحظى هذه الآلات الهجينة بالأقبال عليها من قبل الشباب العربي هواة ومحترفين، وهي مختلفة من ناحية شكلية عن الآلات الأصلية رغم أن الشبه في التكوين غلبت عليه مسحة الحداثة.
لسنا بعيدين عن تأثير التحديث بالصناعات إلكترونيا والذي شمل برغبة منا ودونها آلاتنا الموسيقية العربية وطريقة الأداء فيها، لكن بذات الوقت نجد أن هناك من المستشرقين من يهتم بآلاتنا العربية التقليدية والشعبية ويدرسها ويرغب فيها على حالها الأول المتوارث دون تشويه، في حين نجد هجرة من الجيل الجديد نحو الآلات الهجينة سعياً وراء المغايرة أو الموضة أو الغرابة شكلياً وصوتياً، ولانعدم أن هناك استثناءات. وهناك مواهب مازالت تجد في التراث وأصالة آلاته هدفاً ورسالة لها تحمد عليه، وهو ما يجب تطويره والتشجيع عليه بتعميمه كونه حالة صحيه في الموسيقى العربية.
آلات بغدادية
بالرغم من أن مؤتمرات ومهرجانات الموسيقى العربية قد أولت أهمية لهذا الهدف وناقشت سبل تطويره والمحافظة عليه والحث على ديمومته، تكاد تكون الآلات التقليدية والشعبية الموسيقية فيها أواصر وشبه بينها شكلاً وصوتاً في العالم العربي. لذا تناولنا الآلات العراقية نموذجاً: آلات فرق الجالغي البغدادي والشباب. الآلات العربية الأكثر شهرة هي العود والقانون والناي وكذلك الإيقاعية مثل الطبلة والرق، فهي آلات التخت العربي في عموم البلدان العربية، لكن المختلف عنها في آلات الجالغي البغدادي مثل (الجوزة والسنطور) وآلة إيقاعية هي (النقارة). هناك اهتمام ملحوظ في السنوات الأخيرة من الشاب العربي بآلاته الشعبية والتقليدية وأبدع فيها، لكن ليس بالمستوى العالي ويشكل ذلك ظاهرة صحية واضحة.
وحتما فإن الموجة في تواصل مع العالم عبر قنوات الاتصال أفادت وأضرت بذات الوقت، فهي أفادت لكون بعض هذه الآلات ومنها السنطور والجوزة قطع بهما عازفو الشعوب الأخرى من عازفين هواة ومحترفين أشواطاً كبيرة بالاحترافية، وأبهرت متابعيها العرب وغيرهم، فكانت هناك مراجعة ذات واهتمام شجعا على تداولها، وإعادة النظر بقيمتها الفنية والجمالية، ولعل هذا من إيجابيات العولمة إذا ما أحسن استخدامها، ولكون أفضل طريقه للحفاظ على تراث موسيقي هي نشره بين عدد كبير نسبياً من الناس.
سوف يخلق الشباب النجاحات وينبذون الفشل فوراً بثقة، فمستويات الاختراق الظاهر (الآن) لماركات مصممي الملابس الرياضية سوف تنطبق بنفس الفاعلية على الموسيقى، ولا يقتصر الأمر على ذلك سواء أكان سلبياً أم ايجابياً، بل يتعداه وفق أي مدى توليه المؤسسات الثقافية المعنية بالموسيقى الوطنية والقنوات الفضائية للبلدان والمنظمات والنقابات ومنتديات اجتماعية أخرى.
طابع غنائي
في مدينة بغداد المؤسس فيها لمعهد ومدرسة تعنى بالآلة التقليدية منذ فترة ليست بالقصيرة نجد تداولاً ملحوظاً لهذه الآلات وإقبالاً عليها من الطلبة والشباب، وبرزت أسماء لهم في الساحة الفنية، لكن غياب الدعم لسبب ولآخر يحول دون التقدم والتطوير، ومن ذلك انحسار الحث عليها ودعمها بمهرجانات ومسابقات، إذ أن القنوات الفضائية والمنتديات وغيرها اعتمدت الآلات الكهربائية بشكل سافر دون أن تراعي ذلك، ولأسباب منها جهل القائمين عليها وتردي ثقافتهم ووعيهم الحضاري، في حين نجد اقبالاً على هذه الآلات التقليدية والشعبية من شعوب تختلف موسيقاها عنها، يدرسونها ويبدعون فيها ويفرضونها على مجتمعاتهم التي ترى في ندرتها إضافة نوعية لقاموس ثقافتهم وتطلعاتهم، بينما انحسرت بعض الآلات الهوائية المحلية مثل (المطبج والزرنا والهبان واليراع أو السرناي بتسمية أخرى والبلبان)، وكذلك آلات إيقاعية مثل النقارة.
ولعل الجالغي، والتسمية هي مفردة تركية الأصل تعني الحفل وتدل على جوقة العازفين، فبدون آلات تقليدية مثل السنطور والجوزة سيكون طابع الغناء والمقامات فيه فاقداً لقيمته وأصالته التي عرف فيها منذ زمن طويل يعود للعصر العباسي، وحدث أن أضيفت له آلات أخرى مثل الكمان والعود، ولكن لايطلق على هذه الفرق اسم جالغي مثل التي رافقت مطرب العراق الأول قارئ المقامات محمد القبانجي بل فرق محدثة بتكوينها مثل التي رافقت المطرب الشهير للمقامات العراقية ناظم الغزالي.
انحسار المقام العراقي
وبانحسار المقام العراقي والبغدادي توسعت رقعة الابتعاد عن آلات الجالغي البغدادي، رغم تشبث بعض الشباب وعشقهم لتراث الأجداد الأصيل. وفي إشكاليات المناهج التعليمية للآلات التقليدية والشعبية لعل هناك تشخيصاً لخلل وضعف في المناهج التعليمية للآت التقليدية والشعبية كان عاملاً مساعداً في انحسارها وتراجع الإقبال عليها من قبل المواهب في الجيل الجديد. وقد اهتمت بعض المدارس والمعاهد في العراق منذ بداية السبعينات بوضع مناهج خجولة نوعاً ما وليست جادة في الآلات الشعبية والتقليدية كدراسة أكاديمية في مدرسة الموسيقى والبالية منذ السنوات الأولى للأطفال بالدراسة الأبتدائية، وكذلك في معهد الدراسات الموسيقية. وعلى أساس ذلك أصبحت هناك كوادر لهذه الآلات، وحققوا نجاحاً ملحوظاً في تداولها والحفاظ على ديمومة استمرارها.
المحافظة على التراث
ويأتي اهتمام الموسيقيين الشباب من تشجيع بعض المؤسسات التي تحافظ على التراث الموسيقي للبلدان، فتشكلت فرق موسيقية تراثية، منها في بغداد متخصصة بهذا المجال مثل فرقة البيارق التي تضم بين عازفيها أكثر من عازف وثلاثة عازفين لكل آلة، كذلك فرقة بابل للتراث الموسيقي، والفرقة العراقية للتراث