الحيران.. مقام الحب الكردي الرخيم

باسم عبد الحميد حمودي/

الحيران مقاماً.. الحيران نصوصاً

النصوص المقامية من (الحيران) وضعها مقدمة لعرض أوجاع ومسرات غناء الحيران في كردستان بسهولها وجبالها وسهراتها الجميلة الجياشة. وأنا أعرض ما نشره الأستاذ غفور مخموري في كتابه (الحيران مفهوماً ومضموناً وظهوراً) باللغة الكردية عام 1995 بطبعتين للتعريف بهذا اللون الحيوي من الفولكلور الكردي الغنائي الشعبي. وقد قام الدكتور كمال غمبار بترجمة وتقديم الكتاب الى العربية عام 2017 لتعريف الباحثين العرب بهذا النوع من المقامات الكردية وإيصال تاريخها ونصوصها الى القراء الذين يهتمون بهذا اللون من الدراسات التي نجدها تحظى بأهمية كبيرة واهتمام حد الوله لدى مختلف الطبقات الشعبية عند الكرد, لدى الصبايا والشباب والشيوخ والكهول, في الجبال السامقة والوديان الناعمة بحرير الخير الوفير من عطور التفاح واللوز والخزامى.

الفتى اليتيم

يقول المترجم العلامة د. كمال غمبار في مقدمة ترجمته إنه وجد في معجم (لسان العرب) ذكراً للحيران مذكراً و(الحيرى) للمؤنث، لذلك فقد قام بترجمة عبارة (كوره تيمه حه يران) بـ( الفتى اليتيم الحيران) وعبارة(كجه تيمه حه يران) بـ (البنت اليتيمة الحيرى) وبذلك كان (الحيران) من حيث المعنى يعد قاسماً مشتركاً بين العرب

والكرد, برغم أن السياق الفولكلوري الكردي جعل للحيران معنى آخر هو المعنى النغمي الشعري.
وهو يجد أن ارتباط نغمات الحيران بمقام (البيات) الذي يخضع للأوزان الفولكلورية الكردية يجعل له خصوصية قومية كمقام كردي.

سجل العشق

ويناقش الأستاذ غفور مخموري في الفصل الأول من الكتاب (مفهوم الحيران) مناقشاً الباحثين السابقين مثل معروف خزندار-رزكار خوشناو – سعد الله شيخاني، ليجد أن الحيران (هو ذلك النغم العاطفي الذي ينبعث من حناجر وناي رعاة كردستان, ويعرفنا بأيام أخرى وهي الأيام الماضية التي تروي لنا الحياة البسيطة للمجتمع الكردي وجمال ورقة المرأة والحب المتبادل بين الابن اليتيم الحيران والبنت اليتيمة الحيرى) .
والحيران سجل العشق والحب الفوار المؤدى علانية بأصوات المؤدين الهادرة أو الرقيقة, تبعاً لمستوى المؤدي وعاطفة الشاعر.
في القسم الثاني من بحث مخموري(في جعبة الحيران) يراجع الباحث مصادر بحثه المتعددة, لينتقل بنا في القسم الثالث الى درة البحث وهو(أنواع الحيران) .

ليصل بالنتيجة أن (الحيران) ينبغي أن لايحدد بالنسبة للمناطق مثل حيران عشائر بشدر وأربيل وقبائل خوشناو, بل على أساس الأداء النغمي المستند أيضاً الى مكان الأداء الجبلي والمجلسي.

الجبلي والمجلسي

الحيران أداء –وبعد الكثير من البحث- يتحدد بنوعين هما: الجبلي والمجلسي, والجبلي يغنى وسط فضاء مفتوح, ولابد أن تكون الطبقات الصوتية لمؤدي الحيران عالية حيث يبدأ مغني الحيران انطلاقته الأدائية وبنفس متواصل ثم ينخفض متدرجاً .
ويبدأ مغني الحيران المجلسي غناء حيرانه بصوت واطئ حيث يرفع ويخفض صوته بصورة تقدم على وفق مستوى الحماس والجلسة, حتى وصوله الى البند الأخير, والحيران المجلسي هو مقام الحيران الذي يؤدى في المجالس والحفلات.
والحيران أداء قد يكون خارج هاتين التسميتين، فمن الممكن لمؤدي لحيران أن يخلو وحيداً في ناحية من الحقل أو جانب من الدار, أو وهو على ظهر حصانه قاصداً مكاناً ما!

مضامين الحيران

يعتقد الباحثون في موضوع هذا اللون المعبر من الغناء الكردي أنه كلام خاص تقترب صياغته من الشعر المنثور. وللحيران قوافٍ ثلاث هي: رأس البند وداخل البند والبند الأخير, والجمل التي تقع بين القوافي تتغير على وفق طول وقصر الحيران.
وينقسم الحيران مضموناً الى موضوعين هما الرئيس والثانوي, والمضامين الرئيسة هي: الغرام والوصف وداء البعد والتعهد والحيران الديني، وأما الموضوعات أو المضامين الثانوية فهي: التاريخ –التوصية (عند الرحيل ) -المرثية- خيبة الأمل- مدح وإطراء الأطفال –الشيخوخة الاحتفال – الجنس .

وهكذا نجد الباحث يجمع نصوصه من مختلف الأماكن في كردستان بألوان الحيران المتعددة الأغراض, ليعطي لكتابه صفة البحث الاستقصائي المحلل للنصوص وأماكن تواجدها فيما يحلل روايات الباحثين السابقين لتكون فصول كتابه إضافة مثلى في بحث هذا اللون المفعم بالعاطفة من الأداء الشعبي الكردي.