الدراما التلفزيونية وصناعة البطل الشعبي!

د. أحمد شرجي

تعددت المبادرات الحكومية والقنوات التلفزيونية في الإنتاج الدرامي التلفزيوني، ولهذا بدأ الموسم الدرامي مبكراً هذا العام. ويعد التلفزيون وسيلة تواصل جماهيري مهمة ومؤثرة داخل العائلة، لأنه يدخل كل بيت. ومع تعدد القنوات الفضائية، أصبحت فرص المشاهدة يتحكم بها النجم والنص والإمكانية الإنتاجية، وعند عدم توافر ذلك لا يتعب المشاهد نفسه بتغيير القناة.

والحديث عن الدراما التلفزيونية يقودنا إلى أسئلة عن كيفية صناعة النجم المؤثر، هذا من جانب، ومن جانب آخر هو البطل الشعبي، البطل الشعبي الإيجابي الذي يؤثر داخل المجتمع ويصبح أيقونة اجتماعية، قد يكون المخلّص الدائم للمشكلات، كما (أبو العلا البشري)، أو المغلوب على أمره ويمتهن مهنة بائسة كما هو (عاشور الناجي). لكنه بطل شعبي رسخ في ذاكرة مجتمعه لشجاعته وعدالته. وهناك كثير من النماذج الإيجابية التي طرحتها الدراما المصرية.
لكن ما الذي قدمته لنا الدراما التلفزيونية العراقية منذ بدء تأسيس التلفزيون العراقي عام1956 وإلى الآن؟ قد تكون صناعة شخصية (عبوسي) في مسلسل (تحت موسى الحلاق) استثناء للشخصية المحبوبة وصانعة للمشكلات، وليس بوصفه بطلاً شعبياً، وكأنه شخصية (غوار الطوشي) السورية، على الرغم من أن هناك العديد من الشخصيات المؤثرة اجتماعياً، مثل بعض شقاوات بغداد المعروفين بشجاعتهم وشهامتهم ومواقفهم، وهذا ما تقابله شخصية (الفتوة) في الدراما المصرية، أو (العكيد) في الدراما السورية، لكننا نجد إنه إذا حضرت تلك الشخصيات في الدراما التلفزيونية العراقية فإنها حتماً ستكون سلبية، بينما نجد الكثير من الأعمال التلفزيونية قدمت شخصية إجرامية وحضورها سلبي، أو إشكالي، داخل المجتمع، مثل (أبو طبر)، أو شخصية نصابة مثل (سامكو)، وهنا ليس تقليلاً من المستوى الدرامي لهذين العملين، لكنني أتحدث عن صناعة البطل الشعبي في الدراما العراقية.
وحتى لا يسيء أحد فهم مقالتي، لست معنياً بالشخصيات التاريخية القديمة والمعاصرة، التي فرضت حضورها التاريخيّ والعائلي قبل الدرامي، بل سعى الدرامي إلى تقديمها وفق ما يشتهي رأس المال /المنتج/، صاحب القناة للأسف، بل أتحدث عن كيفية صناعة بطل شعبي داخل الدرامي، حتى لو كان هذا من خيال المؤلف.
برغم أن المجتمع العراقي زاخر بالنماذج الإيجابية، أنتجت الأوضاع العراقية بعد سقوط الصنم عام 2003 والأحداث المتقلبة، الكثير من النماذج التي ينطبق عليها ما نذهب إليه. البطل الشعبي تصنعه وترسخه الدراما في العقل الجمعي.
لعل المحظورات التي فرضها النظام السابق على الدراما أسهمت في إخفاء وتهميش البطل الشعبي، ما جعل الدراما تبتعد تماماً بشكل كبير عن هموم ومشكلات المجتمع العراقي، وأصبحت تطرح قصصاً رومانسية واجتماعية ومشكلات الإرث بين المتوارثين، وهذا ما شكل شبه قطيعة بين الدراما والمتفرج، لأن المتفرج يحسها غريبة ومتعالية على واقعه. وهنا فقدت الدراما أهم قضية تقربها من الشارع، وهي المصداقية، ما قوض فكرة التسويق الدرامي المحلي.
ومن المؤسف جداً أن كثيراً من كتّاب الدراما أسهموا في ذلك التغييب طالما أنهم يكتبون نصوصاً تحت الطلب. ليس بالضرورة أن تكون صناعة البطل الشعبي في عمل وحيد، بل ترسيخ ذلك في أكثر من عمل، وإن كانت مهنته مختلفة. وهنا تكون الصناعة من خلال النجم، كما في حالة الممثل المصري (محمد رمضان) الذي في كل مسلسل يحمل ذات الصفات للبطل الشعبي، ابن الأحياء الفقيرة.
تسعى الدراما بكل متغيراتها الآيديولوجية إلى صناعة بطل، حتى ولو كان وهمياً، لأن هذه إحدى مهام الدراما، إذ إن الجميع يدركون تماماً أهميتها داخل المجتمع. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، تنتشر بين الحين والآخر مقاطع درامية تحصل على ملايين المشاهدات لموقف شجاع، لنموذج تجد الناس فيه ملاذها كنموذج إيجابي، لرجل أو امرأة، كما في مشهد (نجاة) وإذلالها لـ (هنو طيارة) في مسلسل (أعماق الأزقة / المدينة)، كيف أن امرأة من طبقة مسحوقة تنتقم من شخص يدّعي (الشقاوة) لأنه مس شرفها.
هذه النماذج -للأسف- لم تترسخ داخل الدراما التلفزيونية، بل ظلت مجرد مقترحات خجولة، لأن جهات الإنتاج تبحث عن أشياء أخرى. نحن بحاجة إلى كتاب يصنعون لنا أبطالاً شعبيين، معلم لا يقبل الرشوة لخلق جيل متعلم، ومثقف لا يساوم على حساب مبادئه وقيمه، وصحفي لا يبيع قلمه، وفنان لا يبيع موهبته لصاحب قناة فضائية، ومحامٍ يقاوم كل الضغوطات من أجل العدالة، وطبيب شعاره أن الطب مهنة إنسانية وليست تجارة. وبعد السقوط كان هناك العديد من النماذج الإيجابية، نسائية ورجالية، وغيرها كثير من النماذج التي ينطبق عليها مفهوم البطل الشعبي داخل المجتمع، البطل الشعبي يسهم في صناعة شعب سوي وليس شعباً يصنع الطغاة!