حوار : محسن إبراهيم – تصوير : حسين طالب /
ممثلة استثنائية بإبداعها، ترعرعت وسط أسرة فنية كان التميز سمتها الأولى، حيث تعلمت أبجديات الفن الملتزم على يد والدها الفنان العراقي الكبير طه سالم. تدرس أدوارها بعناية، رغم قلتها، لكنها رسّخت في ذاكرة الجمهور العراقي أدواراً مهمة. هدوؤها يدعوها إلى أن تتأمل وتتأنى في اختيار النصوص المقدمة إليها.
حازت مؤخراً جائزة أفضل ممثل في مهرجان الأردن المسرحي. تدريسية ورئيسة قسم المسرح في كلية الفنون الجميلة، مضيفة إلى تفوقها مسؤولية أخرى.
مجلة “الشبكة العراقية” اصطحبت الفنانة سهى سالم في رحلة بين عالمي الفن والتدريس..
*السؤال الذي يتبادر إلى ذهن المتابع والمشاهد.. أين سهى سالم؟
-أنا منتسبة إلى وزارة التعليم العالي ورئيسة قسم وتدريسية، وهذا جزء من رسالتي التي لا تقتصر على ظهوري في المسرح أو التلفزيون. وحين أكملت رسالة الدكتوراه، وبما أني تدريسية في كلية الفنون الجميلة، كان لابد من أكون على قدر المسؤولية. أما الفرص في التلفزيون فلا أستطيع أن أقول عنها إنها غير مناسبة، لكن المشاهد تعود أن يشاهدنا في منظومة من الأعمال تحتوي على مواضيع هادفة مكتوبة بطريقة صحيحة. ما أراه الآن من نصوص أعتقد أنها يجب أن تكون أكثر عمقاً في معالجة الواقع العراقي الذي يزخر بالقضايا الاجتماعية والقصص التي يجب أن يعبَّر عنها بشكل لائق، فضلاً عن نوعية الأدوار، كما لا يخفى أن للعمر أحكامه، لذا ينبغي أن تكتب الأدوار برصانة وبطريقة جيدة، فمثلاً يجب أن تكون شخصية الأم محورية في العمل، وهذا مع الأسف لا يدركه كتّاب الدراما. أما في الإذاعة والمسرح، فأنا حاضرة، وحصلت قبل فترة على جائزة في مهرجان عمان عن مسرحية (خلاف) من تأليف وإخراج الفنان مهند هادي.
*يعاني المسرح من أزمة.. ما السبب؟ هل هي أزمة نص أم العملية برمتها؟
– المسرح بحاجة إلى نظام ومؤسسة منظمة لوضع مخطط ستراتيجي للأعمال المسرحية، وما ستقوم به هذه المؤسسة من عمل، لمواجهة العمل العشوائي الذي بات يشمل كل الأعمال، تلفزيونية كانت أو مسرحية، وهذا غير صحيح، إذ أننا جربنا العمل المنظم وغير المنظم، حين تكون هناك قنوات فضائية وعروض مسرحية عشوائية، وكما قلت فإن هذا غير صحيح لأننا لا نعلم ما سيظهر على شاشة التلفاز. ولو كانت هناك مؤسسة او لجنة تكون الحد الفاصل قبل ظهور العمل إن كان تلفزيونياً أو مسرحياً، وتهذب العمل قبل عرضه على المشاهدين، لكان هناك شأن أخر.
*هل تعتقدين أن كثرة الفضائيات هي عملية ممنهجة لتسقيط الفن، ولاسيما الدراما العراقية؟
-هذا الأمر قائم بيننا كفنانين من خلال نقاشاتنا, في الحقيقة أن كثرة الفضائيات سلاح ذو حدين، نعم، هناك جانب إيجابي وهناك جانب سلبي, الكثرة ممكن أن تنقلب ضد التوجهات, نعم، العالم أصبح مفتوحاً من خلال الفضائيات، لكن يجب أن تكون هناك عملية تنظيم لهذه القنوات، وكيف يجري عرض محتواها من مسلسلات، وما يناسب المشاهد بالنسبة إلى العمر والحالة الاجتماعية، أو ما يعانيه المجتمع من ارهاصات. العرض العشوائي يؤثر كثيراً على المجتمع، والتلفزيون جهاز خطر جداً لأنه يدخل البيوت دون استئذان.
*دخلتِ عالم التلفزيون وشاركت في أعمال كبيرة، مثل (النعمان الأخير), هل للبيئة دور في نوعية اختيارك للأدوار؟
– طبعاً، البيئة مهمة جداً ومؤثرة وداعمة كبيرة، للمرأة خاصة، كوننا نعيش في مجتمع شرقي، والدي كان داعمي الأول وكان حاضراً في كل التفاصيل، إلى أن وصلنا مرحلة عمرية معينة، فضلاً عن أجواء البيئة الفنية التي كانت أرضاً خصبة، حين كان جميع من حولنا هم عوائل فنية تضم أسماء مهمة مثل جعفر السعدي وخليل شوقي، هؤلاء الفنانين كانوا بمثابة الأهل لنا، لذلك أقول إن البيئة مهمة جداً وداعمة للفنان.
*طلبتك الآن.. كيف ينظرون اليك، كممثلة أم تدريسية؟
-طلبتي يعتبروني أماً لهم، وحتى قبل أن أكون رئيسة لقسم المسرح, الاحتواء كان السمة البارزة لدي تجاههم, أتفهم مشكلاتهم وما يمرون به من خلال مرحلتهم العمرية, وحين يكون الأستاذ فناناً، يفرح الطلبة كثيراً لأنه سوف يشاركهم في تطبيقهم العملي، فضلاً عن النقاش في الأعمال الفنية، وهكذا كان أساتذتنا في ما مضى.
*ماذا تعني لك الجوائز؟
– لأنني مقلة في الأعمال، وهذا بسبب طبيعة أسلوبي في العمل، أحب أن يكون هناك كلام أتحدث به، وأن أكون حاضرة في الساحة الفنية، فمثلاً كان يجب أن أتحدث في مسرحية (يا رب) عن ما مر به الواقع العراقي، وذلك دفعني لإيجاد نص أتحدث من خلاله عن معاناة العراقيين، ولاسيما الأم العراقية. وفعلاً شغل النص مساحة كبيرة جداً. أجد نفسي أنني يجب أن أتحدث، لا أريد ان يشاهدني الجمهور بكثرة على شاشة التلفاز أو المسرح إذ سوف أكون ثقيلة الظل. الإضافة للفنان لا تأتي في فترة قصيرة، بل يجب أن يكون هناك نضج معين، لذلك تجدني بين فترة وأخرى أحاول أن أقدم شيئاً للمجتمع. مع ذلك، فإن الجائزة بالنسبة لي هي منجز، ومؤشر على أن هناك نضجاً في تسلسل الأعمال الفنية.. وهذا هو المهم.
*قلة الأعمال والتوقف ما بين فترة وأخرى.. هل هما مراجعة للنفس بما قدمتِ، أم بسبب قلة الإنتاج؟
-بالعكس، الإنتاج موجود، بدليل أني رفضت ثلاثة أعمال، وذلك بسبب عملي في رئاسة قسم المسرح في كلية الفنون الجميلة، الذي هو مسؤولية كبيرة، والأعمال الفنية تحتاج إلى التفرغ. وأيضاً لأني أتوقف كثيراً للبحث عن نص يحتوي على فكرة جديدة ومشاكسة للواقع، كذلك يحتوي على الدهشة للمشاهد الذي يبحث دائماً عن قضية معينة تشغل تفكيره، لذلك تجدني دائمة البحث عن النص المناسب وعن أسلوب إخراج يلائم العصر، كل هذه الأشياء تجعلني أتوقف لأراجع نفسي.
*كيف تقيمين تجربتك التي قاربت الربع قرن؟
– التجربة -رغم صعوبتها- لكنها كانت مليئة بالنجاح والتفوق والتميز، ومازالت، فعلى الرغم من أني أنتمي إلى عائلة فنية، وبرغم امتلاكي الموهبة وفرص العمل الكثيرة، لكنها تبقى رحلة غير سهلة شابتها مخاطر كثيرة، لكن برغم كل هذا كانت إنجازاتها مهمة جداً على مستوى العراق والعالم العربي، تجربة تؤرخ الآن من خلال الدراسات العليا والأعمال الفنية المسرحية، أو من خلال ما يكتب عن الدراما العراقية، وهذا منجز مهم كنت أبحث عنه وأعمل من أجله.
*لابد من أن هناك سراً ما جعل جيلكم يتمتع بمميزات عدة؟
-أكيد أن أي شخص، أو أية تجربة، يحتويان على أسرار في العمل الفني. بالنسبة لي أتمتع بخصوصية الالتزام، وهناك محددات في حياتي، وصداقاتي قليلة جداً، وهناك احتمال كبير لأن تختفي. أكمل عملي وأعود إلى منزلي. حياتي بنيت على الالتزام الذي تعلمته من والدي رحمه الله. أما سر تميزنا فهو أننا عاصرنا أجيالاً متعددة، فضلاً عن علاقاتنا في الوسط الفني، التي كانت علاقات عائلية مبنية على الحرص والتوجيه بكل ما هو صحيح, ناهيك عن تأثرنا بتلك الأجيال وبأفكارهم وبما كانوا يقرأون، كل هذه الأمور ساعدت في بناء الشخصية التي انعكست على أدائنا في الأعمال الفنية.