الفنان إياد الطائي: السلوك النخبوي في المسرح بدأ يحتضر

حوار : محسن إبراهيم
تصوير: علي الغرباوي/
بدأ رحلةَ التمثيل من على خشبة المسرح المدرسي الذي فتح له أبوابه إلى الاحتراف، حيثُ نالَ حينها جائزة أفضل ممثل منذ الإطلالة الأولى في مهرجان مسرح الشباب، وكما تألق على خشبة المسرح تألق أمام كاميرا التلفزيون والسينما، ليجسد أدواراً تلفزيونية متنوعة أداها بإتقان واقتدار، بقيت راسخة في أذهان الجمهور. الفنان إياد الطائي كان ضيفاً على مجلة الشبكة العراقية..
*لتكن البداية من مارثون (حيرة).. ألا تشعر بأن المشاهد العراقي عجول بعض الشيء؟
-فعلاً.. وهذا ما كنت أستشعره من خلال الرسائل التي تصلني، والسؤال الدائم بعد عودتي من تركيا هو متى ينتهي المسلسل وما هي أحداث النهاية؟ المشاهد العراقي لم يتعود على مثل هذه المسلسلات الطويلة على الرغم من أنه يتابع المسلسلات المكسيكية والتركية، وبالمناسبة فإن مسلسل (حيرة) في البداية كان يفترض أن يتكون من ألف حلقة تقريباً، لكن بعد الاختصار أصبح 180 حلقة، وتصور أن المشاهد العراقي يتابع ألف حلقة!
*كان هناك الكثير من النقد حول المسلسل.. ولاسيما في تفصيلة الأزياء؟
-نعم، وكان السؤال الدائم لمَ لا يغير إياد الطائي في ألوان بدلاته؟ وهذا الأمر يعود إلى تقسيم العمل لمراحل عدة، ولكل منها لون ما، لديهم تفاصيل خاصة بالأزياء، ولكل ممثل هناك من يتابع هذا الأمر ويرسم لك مخططاً على طوال حلقات المسلسل، وكل حلقة ما تتطلب من لون ملابس معين، ومثلما تابع المشاهد فإن اللون الأسود قد طغى حين فقدنا الابن.
*هل تتذكر الاختبار الأول لك في الإذاعة والتلفزيون؟
-أتذكر ذلك جيداً، وكان في الإذاعة، حيث قدمت للعمل كمذيع للأخبار، وكنت حينها طالباً في أكاديمية الفنون الجميلة، المرحوم غازي فيصل كان رئيس اللجنة، بعد قراءتي الخبر المطلوب فرح الجميع، وحصلت على درجات جيدة، إلا الراحل غازي فيصل، الذي رفض وبشدة، وحين سؤالي عن سبب الرفض قال لي: لمَ قلت (أن ولم تقل إن)، شرحت له الأمر، لكنه لم يقتنع، وبسبب (أن وإن) لم أقبل ولم يشفع لي شكلي وأدائي، لأن المعايير حينها كانت تختلف، هذه المعايير التي كانت تطبق في جميع الأنشطة الفنية هي من جعلتنا نتطور ونتعلم.
*ما بين عمل وآخر أجد أنك تتقمص شخصية جنوبية..
-أتذكر العمل الأول لي حين أسند لي دور شخصية جنوبية، راهن البعض حينها على فشلي في أداء هذه الشخصية كوني (بغدادي) ومسألة اللهجة ستحمل من الصعوبة بعض الشيء، لكن هناك شيئاً ربما لا يعرفه الآخرون، هو أني خلال خدمتي العسكرية اختلطت بالكثير من الأصدقاء من مختلف محافظات العراق، وتعلمت معظم اللهجات العراقية، الجنوبية والشمالية والغربية، وحين أسندت لي هذه الشخصية لم أتردد لحظة واحدة لأني كنت متسلحاً بشكل جيد باللهجة، والأمر الآخر هو أن المشاهد سيتابعني جيداً لأنه لم يشاهدني في ما سبق بمثل هذه الشخصية.
*هل أن تعدد الشخصيات هو دليل الممثل الناجح؟
*الممثل يجب أن يتمتع بمرونة داخلية قبل أن تكون له مرونة خارجية، في كلية الفنون الجميلة كان المران هو كيف أنك تطّوع الجسد من حركات وتقاسيم الوجه، وبالتالي فإن الممثل هو من يمرن نفسه وكيف يطّوع نفسه ليكون قابلاً لتقمص الشخصية، أنا آخذ وعاء الشخصية وأحاول -قدر الإمكان- أن استوعب حجمها وكل تفاصيلها، وبالتالي فإن نجاح الممثل يكون في قدرته على اختراق الشخصية.
*في الغالب أن الفنان هو انعكاس لآراء وقضايا المجتمع.. هل يدفع الفنان ضريبة تلك الآراء؟
-نعم، وأكبر دليل هو البرنامج الذي عرض على إحدى الفضائيات وقدمت من خلاله شخصية (تايه مظلوم العراقي)، الذي يتقمص شخصيات عدة من المجتمع ويقدم نقداً لبعض الحالات التي نخرت مجتمعنا، إذ انطلقنا من منطلق أن الدولة، أو الحكومة، ليست هي الملام الوحيد، وإنما المواطن هو أيضاً شريك في هذا الموضوع، ومن هذا المنطلق فإن المسؤول هو مواطن أولاً وأخيراً، وما حصل في حلقة (الضابط) الذي تكلم عن الفساد في المؤسسة إنما هو يمثل نفسه لا مؤسسته، وهذا ينسحب على جميع مفاصل الحياة العملية، وما تحدثت عنه لم يكن رأياً شخصياً، وانما هو رأي حتى الحكومة، بعد أن تحدثت في حينها عن موضوع الفضائيين، وهذا ما أثار حفيظة بعضهم، مع أن هناك الكثير من الضباط العراقيين أيدوا ما ذكرته، حتى وصل الأمر إلى رفع دعوى قضائية ضدي، لكن لله الحمد كان القضاء العراقي عادلاً وأنصفني في هذه القضية.
*وسط هذا الزحام الفني الدرامي، ولاسيما في شهر رمضان، هل ترى أن التركيز ينصب على النوع أم الكم؟
-عدا كوني ممثلاً، فإني معروف في الوسط الفني بأني أعمل في إدارة الإنتاج، التي تتطلب أن تعرف جميع الفنيين في العمل، من مصورين وفنيين، لكن مادتي الرئيسة هي الممثل، وهنا لابد، بل من الضرورة، أن تجدد وتنوع، على سبيل المثال حين أشرك سامي قفطان وسمر محمد وعواطف السلمان، لابد من أن نشرك بعض الأسماء الشابة، متى وأين تجري عملية الاختيار، الموسم الرمضاني هو مكان الاختيار المناسب، أراقب الأعمال جميعها وأسجل ملاحظاتي. هناك من ينجح وهناك من يفشل، فليس كل من يظهر في الشاشة يعتبر ممثلاً، في الموسم الرمضاني السابق ممكن أن نجد هناك من هم على عدد أصابع اليد الواحدة ممكن أن نقول عنهم إنهم ممثلون، أما الآخرون فأنصحهم أن يتجهوا إلى أعمال أخرى.
*كثر الحديث مؤخراً عن أن الدراما العراقية تتعرض إلى مؤامرة..
-ممكن نعم وممكن لا، نعم، أن في فترة التسعينيات بعد حرب الخليج كانت هناك قطيعة بيننا وبين دول الخليج التي كانت سوقاً جيدة للدراما العراقية، بعد الحرب انتهى هذا الموضوع وتوقفت الدراما عن التطور، وبدل أن نشهد ثورة وانطلاقة جديدة تقهقرت وتراجعت شيئاً فشيئاً، حتى أن تراكم الخبرة بدأ بالانتهاء، اشتغلنا في أعمال محلية بحتة لاتهم المشاهد العربي، وفي بعض الأحيان لاتهم حتى المشاهد المحلي، أعمال مغرقة بالمحلية والمشكلات الداخلية، ذكرتها لأكثر من مرة، يجب أن نعمل على موضوع إنساني يهم المواطن العربي، بل حتى العالمي، ممكن أن يكون هذا الموضوع مشتركاً مع جميع البلدان، وحتى بعد التغيير ظهرت هناك قنوات عملت أيضاً ضمن أجنداتها الخاصة. خلال السنتين الأخيرتين بدأ الانفراج في موضوع الدراما، الاحتكاك مع العرب والأجانب من شأنه أن يطور العمل، ليس على مستوى التمثيل فقط وإنما على مستوى التقنيات، مشكلتنا أننا تعودنا على الإيقاع المسرحي، وهذا الإيقاع يختلف كلياً عن الإيقاع التلفزيوني، لذا يجب الخروج من هذه الشرنقة، أنا أعتبر نفسي ممثلاً شاطراً لأني أعرف كيف أتنقل بين الإيقاعات في التلفزيون أشتغل شيئاً، وفي المسرح والسينما شيئاً آخر.
*على ذكر المسرح والايقاع المسرحي.. ممَّ يعاني مسرحنا الآن؟
-المعاناة الأكثر أهمية تكمن في الإنتاج، والابتعاد عن النصوص العالمية والذهاب باتجاه آخر، السلوك النخبوي في المسرح بدأ بالاحتضار، وأبعد الجمهور عن المسرح، نحن بحاجة إلى مسرح يعيد الجمهور إلى خشبته، كانت للمسرح في السابق طقوس خاصة من قبل الجمهور، لذلك علينا الخروج من هذا الموضوع النخبوي الذي ينتج مسرحيات للأصدقاء فقط، عروض تحتوي على تشفير وأمور معقدة ينفر الجمهور منها، لنشاهد كيف يشتغل المسرح العربي المصري ومسرح المغرب العربي وحتى المسرح العالمي، إنهم يقدمون رسائل واضحة وأعمالاً شعبية، وهناك أعمال تستحق الوقوف عندها، إذ يجب ألا نغرق في المحلية مثلما فعلنا في الدراما التلفزيونية.