حوار: محسن إبراهيم – تصوير: حسين طالب/
منذ بواكير عمره الأولى، كان الفن هاجسه الأول وشغفه الأكبر. تشكل وعيه الفني مبكراً حين عاصر كبار الفنانين وتتلمذ على يد أساتذة مميزين، شغفه بالفن هو ما دفعه للاستمرار، إذ واكب المناخات الفنية في العراق والشام وأروربا، وما بين وطن وغربة قدم الكثير في مجالات السينما والمسرح والتلفزيون.
الفنان حسن هادي حل ضيفاً على مجلة “الشبكة العراقية، فكان معه هذا الحوار:
* كيف ومتى تشكل وعيك الفني؟
– البشر -بطبيعة الحال- يقسمون إلى فئتين: أصحاب الموهبة، أو من تتراكم لديهم الخبرات، وهذا ينسحب على جميع المجالات، بالنسبة لي كانت الموهبة هي المفتاح لاختصاصي في هذا المجال، وكان الفضل الكبير لخالي المنتج الأستاذ مهدي عبد الصاحب، وبالتالي حصل هناك ترتيب كان للقدر فيه الدور الأكبر أن أدخل في هذا المجال، وكان شغفي الكبير هو المحرك للاستمرار، بحيث انتقلت من السينما إلى الإذاعة واستمررت كمقدم للبرامج ومساعد مخرج وممثل، هنا كانت الموهبة، ثم ترسخ الوعي الفني بعد دخولي إلى معهد الفنون الجميلة.
*الملاحظ أن الإذاعة هي الركيزة الأساسية للفنان..
-إذا نظرنا إلى الرموز الفنية الكبرى، ليس في العراق فحسب، وإنما على نطاق الوطن العربي، وحين أقول ذلك هناك استشهاد، وهو مخرجنا الكبير الراحل مهند الأنصاري الذي كان من رواد الإخراج الإذاعي، وتخيل أن جميع رموز الدراما العربية: عبد الله غيث، وسميحة أيوب، ونور الدمرداش، وآخرين، كانوا ممثلين في الأعمال الإذاعية. في الإذاعة -فيما سبق- كانت تتوفر جميع الإمكانيات من أساتذة صوت وإلقاء ولغة، وبالتالي فإن الاذاعة تعطيك خزيناً معرفياً كبيراً من خلال وجود المختصين، الذين تجري من خلالهم عملية البناء الصحيح للفنان، وكانت هناك نظرية ثابتة لدى المختصين وهي: “إياك أن تعتقد أن المستمع لا يراك، وإن أيقنت خلاف ذلك قد يفشل العمل.” وبالتالي فإن الإذاعة هي من تبني الممثل والمخرج والمؤلف الحقيقيين، والكثير من مبدعي الدراما التلفزيونية كانوا يكتبون للإذاعة، والدليل الكاتب صباح عطوان، صاحب سلسلة “حذارِ من اليأس” الإذاعية، فضلاً عن “يوم آخر” في السينما، وآخرها “ذئاب الليل” تلفزيونياً.
*على ذكر “ذئاب الليل”.. لماذا يربط المشاهد العراقي الممثل بشخصية واحدة؟ مثلاً نائل وأبو علج وأبو جحيل؟
– جميع المراحل التي مرت على العراق هي مراحل دراماتيكية، فيها بطل دراماتيكي. في الوقت الحاضر الوضع السياسي لم يكن مستقراً حالنا حال الدول الأخرى، حتى أن من الممكن أن نثبت أننا لسنا أبطال الشخصية الواحدة، لو كانت هناك قاعدة حقيقية للإنتاج، كما كانت في انتاج “ذئاب الليل”، لكانت هناك ليست فقط شخصية نائل، بل سوف تبرز أيضاً شخصية أكرم في مسلسل “حفر الباطن” التي لم تخدم بشكل جيد، لأن هناك ظروفاً ساعدت على اندثارها، أما بسبب سوء التسويق أو بسبب محاربة العمل لأنه يمثل جهة على حساب جهة أخرى.
*عاصرت أكثر من جيل، هل اختلف المناخ العام للعمل الدرامي؟
– نعم اختلف كثيراً، أنا واكبت أيضاً المناخ والتحولات التي حدثت في المنطقة المتاخمة في الخليج والشام، تلك المناطق تطور فيها الاشتغال بطريقة حرفية مهنية، وبالتالي كانت هناك استمرارية في الدراما، كذلك واكبت الجيل السبعيني فصعوداً، حين كانت هناك مهنية عالية، إذ أن من المستحيل أن تكون مخرجاً درامياً أو مونتيراً أو في إدارة الإنتاج إن لم تكن قد (دعكت) بطريقة صحيحة، كي تخرج لنا عملاً أو منجزاً فنياً يستحق المشاهدة، من هذا المنطلق كانت هناك أعمال كبيرة شارك فيها نجوم عرب مثل “المتنبي” و”حرب البسوسس” و”الكبرياء تليق بالفرسان”. الآن الظروف تغيرت والمناخ الفني لصناعة الدراما تغير، ولو كان هناك تواصل مع ما سبق لكان هناك حديث آخر للدراما العراقية.
*هل من الممكن القول إن الفنان العراقي الحقيقي يعيش اليوم غربة على جميع الأصعدة؟
– الظروف ليست صحية أساساً، من ناحية الإنتاج الجميع يفكر في الربح المادي دون التركيز على ما يشاهده المتفرج، في بعض الأحيان باتت الدراما تعطي انعكاساً سلبياً، هناك أعمال حرمت البنت من الدراسة في الجامعة بسب مسلسل ما قد أعطى للمشاهد صورة سلبية عما يحدث في الجامعات العراقية، وبالتالي باتت العائلة تخاف على بناتها، مع العلم بأن هذا الشيء خاطئ، فلا جامعاتنا ولا بناتنا بهذا السوء، علمونا أن المنجز الفني في التلفزيون يعني أنك ضيف على العائلة العراقية، وحينما تكون ضيفاً وقد أجبرت العائلة على ضيافتك، فإن عليك أن تحترم تلك الضيافة، ولهذا الآن العملية خاطئة وغير صحية ومبنية على الغش، بل أستطيع أن أقول إنها مؤامرة تستهدف العائلة العراقية من خلال الدراما.
*الفنان هو مرآة لمجتمعه.. هل تؤثر مواقفه السياسية على مسيرته الفنية؟
-الفنان حالياً -مع الأسف- هو منتمٍ لجهات سياسية أو حزبية، وهناك القلة القليلة ممن لا ينتمون إلى جهة، بينما كنا في العصر الشمولي الدكتاتوري نهرب من الانتماء، ولهذا كنا نقدم عروضاً مسرحية ودرامية كانت تحتوي على رسائل مبطنة من خلال تلك العروض، فحين ينتمي الفنان إلى جهة سياسية عليه أن يبتعد عن الفن، لأن الفنان حينها سيحاول أن يجمل العيوب لتلك الجهة، وحينها ستندثر الحقيقية، سر الوجود هو الحقيقية، وحين تتبنى هذا الموقف عليك أن ترتكز إلى مقومات حقيقية وصلبة، ومن الممكن أن تخسر حياتك في سبيل هذا الموقف، لكن عليك أن تكون على قدر المسؤولية لإظهار هذه الحقيقة وتنتصر على من يريد أن يصنع الخوف في داخلك.
*تغربت في وقت مبكر.. هل كانت الغربة حافزاً؟
-الغربة مؤلمة بكل مزاياها وأنا ندمي كبير لمغادرتي العراق، لكن في ذات الوقت أضافت الغربة شيئاً لصهر شخصيتي الفنية، كان لدي شركاء في المنتج المسرحي خصوصاً، وكانوا رائعين جداً، هم توماس، الذي يعتبر من كبار شعراء السويد، الفائز بجائزة نوبل للآداب للعام 2011، الذي كان شريكي في متن النص الأدبي لأعمالي المسرحية، يشاركه أيضاً الشاعر عدنان الصائغ، كنا نشكل ثلاثياً في تقديم أعمال تتركز إلى كيفية القبول فيما بيننا كمهاجرين، قدمنا ما يقارب الـ 10 أعمال أعتقد أنها من الأعمال المهمة، لأنها كانت تحتوي على مبحث مسرحة القصيدة، ولهذا كان الحافز حاضراً دائماً، المعاناة الحقيقية كانت في معرفة من سيشاهدني، والفئة المستهدفة في أعمالي هي من؟ وأنا ممثل لا تليق بمشاهدتي غير العيون العراقية.
*بعد هذا المشوار الطويل.. هل تشعر بنوع من الرضا أم مازال هناك الكثير في جعبتك؟
-لو رضيت فإن علي أن أترك العمل وأنزوي، أنا حتى الآن لم أقدم أي شيء وهنالك في جعبتي الكثير، بل إن هناك استحداثاً لشيء لم أمتهنه سابقاً، وهو الإخراج التلفزيوني والسينمائي، وأنا الآن منكب على مجموعة من الأعمال سأكون فيها حسن هادي المخرج، إذ يعتريني هم تقويم العمل الدرامي أو السينمائي من خلال وجودي كمخرج لقيادة هذه العملية، وإن شاء الله سأوفق، لأن ما احمله هو شيء جديد أحاول فيه أن أبرهن للآخرين أن ما تمتهنونه يا من تقودون العملية الدرامية الآن هو خاطئ، ولا يمت بصلة للدراما العراقية التي نعرفها.