حوار/ محسن ابراهيم/
تصوير / حسين طالب/
من جيل قدّم الفن الملتزم وأغنى خارطة الإبداع العراقي بالكثير من الأعمال التي رسخت في ذاكرة الجمهور. أسهم في إرساء الذائقة الفنية لدى المشاهد، موسيقي وممثل قدم مجموعة من الأعمال، منها (هستيريا، ورجال الظل، وبقايا حب)، فضلاً عن مسرحيات عدة منها (الهجرة إلى الحب)،
عادل عثمان حلّ ضيفاً على مجلة “الشبكة العراقية” حيث كان لنا معه هذا الحوار:
*أنتم جيل قدم الكثير للدراما العراقية.. هل كان الابتعاد عن الساحة الفنية بإرادة أم بدونها؟
-بالتأكيد أن الابتعاد كان بدون إرادة، وذلك بسب الظروف التي حكمت الفترة الماضية في العراق، التي كانت -بصراحة- ظروفاً معقدة، من ضمنها شحة الأعمال الدرامية، أو بمعنى أصح أن الدراما لم تكن كما كانت في السابق بكل تفاصيلها، لذا بتنا مبتعدين بسبب تلك الظروف، مع أننا عملنا أعمالاً جميلة عدة في سوريا، التي هي أيضاً تعرضت إلى ظروف مشابهة وابتعدنا من جديد. الآن وضحت معالم العمر علينا، وحين يريد المخرجون إسناد دور إلى عادل عثمان سوف يكون هذا الدور ثانوياً، ومن النادر أن نجد أدوار بطولة لأحد من فناني ذلك الجيل. الاتجاه العام الآن هو أدوار الشباب، وحين تريد أن تسند دور الأب كبطولة، فإن ذلك الأمر يحتاج إلى كاتب متمكن ذي رؤية خاصة بهذا الجانب، ومن الممكن أن يحصل، ونحن بانتظار الممكن.
هبوط في الإخراج
*هل اختلفت الأجواء العامة في الدراما الآن عن فترتي السبعينيات والثمانينيات؟
-في رأيي أن كل شيء اختلف، كنا سابقاً قد دخلنا إلى عالم الدراما من باب الحرص على هذا العالم، وأن نقدم شيئاً للناس، وكنا نخجل إذا ما قدمنا عملاً غير ناجح، وكان هناك تمييز بين السيئ والجيد. الآن أصبح الوضع مختلفاً جداً، والاتجاه مشتت. لهذا نشاهد اليوم هبوطاً في الإخراج والنص والتمثيل. كنا أكثر حرصاً وانتماء وحباً لعملنا، كانت هناك حميمية بيننا وبين العمل، الآن أشعر أن الممثل يلقي حواره ويخرج دون أن تكون هناك اشتغالات من المخرج والممثل نفسه على الشخصية، سابقاً كانت البروفات تجري على قدم وساق من أجل أن يظهر العمل بصورة لائقة للجمهور.
*هل تعتقد أن مواقع التواصل الاجتماعي، أو ما يسمى بمشاهير اليوتيوب، أسهموا في هذا الاختلاف؟
-هذا أكيد، في السابق كنا ننحت في الصخر ونسبح عكس التيار في سبيل الوصول إلى مرحلة معينة أو خطوة متقدمة، الآن لا تحتاج هذا الأمر، فبمجرد أن يكون لك معجبون عدة على قناتك في اليوتيوب، ستكون بطل الشاشة بلا منازع، وهذا الامر خاطئ جداً، إذ لابد من أن يكون الفنان ذا مواصفات خاصة من نواحي الثقافة الفنية أو الأكاديمية والتجربة المكتسبة من خلال الاحتكاك بمن هم أكثر تجربة منك.
سنوات الغربة
*تغربت لسنين طوال.. هل تؤثر بيئة الغربة على مسيرة الفنان؟
– كانت الغربة أحد المؤثرات في الابتعاد عن الدراما، أنا تغربت في دولة الإمارات نحو عشرين سنة، وكنت في ذهاب وإياب، ولاسيما إلى سوريا من أجل إنجاز بعض الأعمال الدرامية، هذا البعد كان له تأثير كبير في عملي، أما بخصوص البيئة، فإنا لا أعتقد أن لها علاقة، لأنك أينما تكون تبقى فناناً والعمل هو من يحكمك.
مازالت عاشقاً للموسيقى
*أنت موسيقي بارع.. من ترك الآخر أنت أم الموسيقى؟
-الموسيقى لم تتركني ولم أتركها، ربما ابتعدت عنها كمهنة، أما كتمرين أو عزف فمازلت متواصلاً معها، وفي البيت مازالت آلاتي الموسيقية موجودة ومعظم وقتي أقضيه في الموسيقى.
*الملاحظ على جيلكم أنه مبدعٌ في أكثر من مجال..
-كل العملية الإبداعية، سواء في التمثيل أو الموسيقى أو الرسم تكمن في دواخلنا منذ الصغر، وحين نريد أن نكون في مجال هذه العملية الإبداعية فإن هذه الأشياء تنمو في دواخلنا، ونقدمها للساحة، أنا أنمي في داخلي حب الموسيقى، وحتى قبل أن أتجه للتمثيل كانت الموسيقى ترافق دراستي الأكاديمية، وقد رافقتني مع التمثيل في خطين متوازيين، كما أن هناك الكثير من جيلنا ممن يعشقون التشكيل وبقية الفنون الأخرى.
*ما الذي تحتاجه الدراما العراقية؟
-الدراما بحاجة إلى دراما! في رأيي أن الدراما تبدأ من الكاتب، وهو التسلسل المنطقي والطبيعي أن يكتب الكاتب نصاً ما، وهو الأساس في العمل الدرامي، وهذا النص يعرض على المخرج، الذي يضع له رؤية خاصة، ومن ثم الأعمال الأخرى، مثل التصوير والديكور والأمور الثانوية، بعدها يأتي دور الإنتاج الذي هو الحلقة الضرورية الأخرى في العمل الدرامي. من وجهة نظري أن الكاتب والمخرج والمنتج هم أعمدة العمل الدرامي، ومن خلالهم يتصاعد هذا البناء. مشكلتنا أن كتّاب الدراما لدينا هم كتّاب قصة وليسوا كتّاب دراما، إذ إن النص الدرامي يختلف كلياً عن القصة، لأنه عبارة عن صورة ربما يسندها الحوار، أما أن تحول القصة إلى نص درامي، هنا سيكون لدينا سيناريو آخر وحوار آخر ومفردات أخرى. لذلك فإن الدراما بحاجة إلى دراما.. لأن غالبية المقومات الآن غير موجودة.
رجل الأمن
*أين تجد حريتك في العمل الدرامي، في التلفزيون أم في السينما أم في المسرح؟
*بصراحة في كل مكان، فنحن لسنا بأصحاب اختصاص، ومن المفروض على الفنان أن يكون ممثلاً سينمائياً أو مسرحياً أو تلفزيونياً أو إذاعياً، وفعلا كنا نمتلك ممثلين إذاعيين من أروع ما يكون، لكنه حين يتجه إلى التلفزيون لا يجيد أداء الأدوار والعكس صحيح، هذا الاختصاص لا يتوفر لدينا، نحن مشينا في جميع الطرق، مثلنا في المسرح والتلفزيون والسينما والإذاعة.. أنا شخصياً أجد نفسي في التلفزيون.
*لماذا يسند غالبية المخرجين لك دور رجل الأمن؟
– أنا بالتأكيد لا أطلب مثل هذا الدور، لكن ربما شكلي يوحي للآخرين، ولاسيما المخرجين، أو الكتّاب، أن أكون ملائماً لهذا الدور، وهذا يعد مشكلة للفنان، إذ يترسخ ذلك الدور في أذهان الجمهور والمخرجين، ومن الصعوبة أن تخرج من عباءته، على الرغم من أنني اشتغلت الكثير من الشخصيات وعشرات الأعمال التي لا علاقة لها برجل الأمن، لكن الشخصيات التي جسدت فيها شخصية رجل الأمن ربما تكون أربعة أعمال، لكنها كانت مؤثرة وبارزة، لذلك بقيت عالقة في الأذهان.
*هل مازال الفنان صاحب رسالة؟
-الفنان مثل أي كائن في الحياة، لكنه موجّه أو قائد لهذا المجتمع، فهو المعلم والدكتور والمهندس المؤثر في كل مجالات الحياة، لأنه يحمل فكراً، ويريد أن يوجه هذا الفكر لبناء المجتمع، وهمّنا الأول والأخير أن نغير ما في المجتمع من أخطاء، ونسيّره نحو الأفضل، وتحويل كل ما هو سلبي إلى إيجابي، وهذه هي مهمة الفنان الملتزم. المشكلة أن هناك من هو في موقع المسؤولية لكنه لا يعرف أن الموسيقى تربي الذوق، ولا يعرف أن الدراما هي مدرسة للمجتمع، ولا يعرف أن الرسم ينمي الخيال والذائقة العامة لدى الإنسان، كانت تلك هي النظرة إلى الفن في السابق، لكنها حالياً نظرة ثانوية، إذ أن بعضنا يعتبر أن الفن هو مادة للتسلية فقط.