خضير الزيدي /
حقق الفنان كاظم نوير لاسمه مكانة بين الآخرين منذ أن بدأت خطواته في الرسم تتسارع نحو تحقيق الأهداف المرسومة لها في تعزيز خطاب الفن التشكيلي العراقي. ومن حسن حظ هذا الفنان انه لم يكتف بالرسم بل يشجعنا على الاهتمام بالدرس النظري.
ومن خلال متابعة “مجلة الشبكة” لمنجزه وأخباره الأخيرة عرفنا منه انه واحد من الثلاثة الفائزين بجائزة الشارقة للبحث النقدي..
عن الخطوات الأولى لمشروع كتابه الفائز وشعوره بعد سماع الخبر يجيبنا نوير عبر هذا الحوار:
** أود أن تصف لي شعورك وأنت تفوز بجائزة البحث النقد التشكيلي، كيف تلقيت خبر الجائزة؟
-بالتأكيد كان خبراً مفرحاً وسعيداً ويستحق الاحتفاء، كنت انتظره وأتوقعه ومتأكد منه، واعرف انه لم يبق إلا إعلان الجوائز بشكل رسمي. الخبر بعد إرسال البحوث تطلّب سنتين لتعلن النتائج، وهو وقت طويل للانتظار. ومثلما تعرف أن مثل هكذا مشاريع تتبناها مؤسسة ثقافية مرموقة في الشارقة بالتأكيد سيكون لها صدى واسع لما تتمتع به المنافسة من مجال حيوي جراء أهمية هكذا بحوث تعزز واقع التربية الفنية تطبيقا وتنظيرا.
** ما الذي أردت أن تبينه من بحثك النقدي لتجد العلاقة قائمة بين الفن وأسس التربية؟
-في البدء أود الإشارة الى أن موضوع البحث ليس يسيراً، فالباحث يقع في إشكالية التحولات الكبيرة في الفنون ومفهوم الفن ومفاهيم أخرى من مثل الجمال والجميل، عندما اتصل بي الناقد المرحوم محمد الهجول ودعاني للاشتراك في المسابقة على الرغم من عدم وجود وقت كاف، انتظرت لأفكر في الموضوع ملياً، فالموضوع ليس يسيراً وإشكالياً وغامضاً في بعض جوانبه، وفي اغلب الدول العربية لا توجد ستراتيجية واضحة في التربية الفنية، كون أهم الأسس المعتمدة هي مستوردة من حضارة وثقافة أخرى، في لحظة، وبعد اعتذاري من الصديق محمد الهجول وان الوقت ليس كافياً، قررت المضي في هذا المشروع الذي اخذ كل وقتي لأسابيع، فقررت الدخول في المفهوم وأسسه المعاصرة، وملاحقة كل جوانبه المختلفة بما يحقق الهدف الذي انطلق منه البحث، مع ملاحظة استعمال المنهج المناسب وبلغة علمية واضحة وبتطبيقات واضحة وفي اغلب المراحل الدراسية والعمرية. كان البحث يتحرك بين الفن والتربية، أو بين التربية والفن، ليحقق المرجو منه.
** يضم كتابك ثلاثة فصول مختلفة تتحدث عن تنمية المهارات والموهبة الفنية والقدرات الإبداعية.. بتصورك هل هذه الطروحات التنظيرية تنسجم مع معاهد العالم العربي؟
-بالطبع الجواب سيكون بنعم، كوني اعمل في هذا المجال لأكثر من عشرين عاماً، تدريسياً، وباحثاً، ومشرفاً، وهذه الطروحات تنسجم مع كل المستويات التربوية والعلمية، ويمكن تطبيقها بسهولة لأنها قابلة للتطبيق في بيئتنا العربية والثقافية، وهي أيضاً مفيدة للباحثين في هذا المجال والمشرفين ومعلمي وأساتذة الفنون، لأنها أخذت كل عناصر العملية التعليمية في مجال الفنون الجميلة، واعتقد أن كثيرا مما طرح في البحث هو جديد في مجال اختصاص التربية الفنية ومبني على بحوث علمية.
** من خلال عملك كأستاذ في كلية الفنون الجميلة هل ما تقدمه من تنظير ينسجم مع عقلية طلابك وأنا اقصد تنظيرك وطرحك من خلال الكتاب الفائز بالجائزة؟
-نعم، اغلب المواد التي تدرس في الكلية ممكن أن تستوعب المعلومات المطروحة في الدراسات الأولية أو العليا في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، لقد حاولت الإفادة من كثير من البحوث التي أجريت في مجال الاختصاص. يستطيع التدريسي في كلية الفنون الجميلة أو حتى مدرس أو معلم التربية الفنية في مراحل دراسة مختلفة الإفادة منها في تدريس طلبته وفهم مجموعة من العوامل التي تتحكم بعملية تعليم المادة التي يقوم بتدريسها أو الخبرات التي يريد إيصالها إلى طلبته.
**إذا كنا نعيش عصر الصورة حسب مقولة رولان بارت فكيف لنا نحن العرب أن نعزز قدرات الطالب ونرعى موهبته وننمي الوعي لديه.. ما المطلوب من الحكومات العربية وأساتذة الكليات والمعاهد أن يقدموه من وصايا وإرشادات؟
-علينا أن نفهم الموضوع الذي نريد إيصاله للطالب بعد أن نفهم سيكولوجيته وان نقدمه بكل إخلاص بعد معرفة أن القيم الجمالية لا تنمو بعيداً عن عوامل أخرى تتدخل في تكوين بنية المفهوم، فكل مفهوم جمالي هو مفهوم ثقافي، أي لا يمكن عزل النسق الثقافي عنه، فالمضمر فيه أهم من واجهته، فالحقيقة تكمن في تلك الأنساق التي تعطيه حقيقته وصلابته وفعاليته الثقافية والاجتماعية، علينا أن نعي أن هذا المفهوم سيغير كثيرا من العلاقات القارئة اجتماعياً وذوقياً وثقافياً… عندما تقدم الحكومات الأجواء المناسبة سينمو المفهوم بشكل حقيقي وليس بشكل خادع أو مزيف، وقد أشرت لذلك في ثنايا البحث، لكن لا بد من وجود متخصصين يتابعون الموضوع ويشرفون عليه لأنهم وحده المتخصصين في ذلك، فالموضوع في غاية الأهمية، وقد أشرت في الندوة التي أقيمت أثناء احتفالية توزيع الجوائز إلى تأسيس مركز بحوث متخصص في التربية الفنية لمتابعة البحث في هذا المجال وملاحقة المتغيرات التي تحدث تربوياً وثقافياً وفنياً، وقد قمت بكتابة أوراق مقترحة لهذا المركز ليكون الأول عربياً في هذا المجال الحيوي والمهم، كونه يؤسس لثقافة مستقبلية جديدة ستكون مؤثرة في الميادين كافة.
**أود أن تبين لي ما الاختلاف القائم تنظيرياً ونقدياً بين كتابك المعنون (بين الفن والتربية) بالقياس إلى كتاب الأستاذ يوسف الريحاني والناقد موسى الخميسي.
-البحث الذي قدمته يختلف كلياً عن ما قدمه الدكتور يوسف الريحاني والأستاذ موسى الخميسي، من حيث المنهج المعتد في البحث والموضوعات التي ناقشها، وإمكانية تطبيقها على مستويات تعليمية مختلفة، حيث وظفت النظريات التربوية والنفسية التي تبحث في الموضوع فضلاً عن امتداده لبعض التوجهات الفلسفية التي تناولت بالبحث بعض الموضوعات المتعلقة بها، لذلك يمكن تطبيقها من قبل المتخصصين في مجال التربية وعلم النفس فضلاً عن الأساتذة والمدرسين والمعلمين في مجال الفن والتربية الفنية.
** ألا تجد أن دائرة الثقافة والإعلام في دولة الإمارات العربية قد قدمت منجزاً معرفياً يجعلنا نشير إليه..أنت كأستاذ وفنان معروف كيف تقيم دورها الثقافي والإعلامي؟
-كنت قد أشرت في مداخلتي في الاحتفالية التي أقيمت بمناسبة الإعلان عن الجوائز وتوزيعها إن ما تقوم به دائرة الثقافة والإعلام هو نشاط متميز جدا وإبداعي وحقيقي وله تأثير كبير على الساحة الثقافية العربية، ولذلك اغلب المثقفين العرب يتابعون أنشطة هذه الدائرة باهتمام ويثقون بمنجزاتها الرصينة، أتمنى للقائمين على تلك المؤسسة النجاح والتميز الدائم، وننظر فعاليتها وأنشطتها المستمرة في المجالات الثقافية والفنية كافة وبمختلف الاختصاصات، وكأنها أخذت على عاتقها تطوير تلك المجالات في الدول العربية كافة…