الفنان مازن محمد مصطفى: الوقـــوف علـــى خشبـــة المسرح أشبه بالسحر

حوار: محسن إبراهيم /

منذ تسعينيات القرن الماضي بدأ اسم مازن محمد مصطفى يشغل حيزاً كبيراً في الدراما العراقية، حين شارك في أعمال تركت بصمة واضحة في مسيرة الدراما. كانت الخطوة الأولى في مسلسل (غرباء) لتتوالى بعدها الأعمال.
مصطفى المولود في مدينة البصرة، الحاصل على شهادة الدبلوم في معهد الفنون الجميلة، وشهادة البكالوريوس في كلية الفنون الجميلة، شارك في أكثر من 30 عملاً درامياً، فضلاً عن أكثر من 17 مسرحية، وحاز العديد من الجوائز. عن مجمل حياته الفنية كان لنا معه هذا الحوار:
*كانت البداية جيدة في مسلسل (غرباء)، نصاً وإخراجاً وتمثيلاً، عمل خارج عن المألوف، لمَ لم تستمر هذه التجربة؟
– تجربة مسلسل (غرباء)، الذي هو من تأليف أحمد هاتف وإخراج هشام خالد، كانت جريئة وغريبة، فهو أول مسلسل يتناول مشكلات طلبة القسم الداخلي، لذلك كان وقعه واضحاً على الطلبة خصوصاً، إذ كان مؤثراً، ولاسيما أنه احتوى على قصص تحدٍّ وحب ومشاعر وشجار والدفاع عن الصديق، بحق وبغير حق، من قبل الشخصية التي كنت أجسدها، التي كانت تحمل مواصفات البطل الشعبي الذي يدافع عن أصدقائه. السؤال هنا لمَ لم تستمر هذه التجربة؟ أعتقد بسبب هجرة بعض أبطال العمل، لكننا مازلنا متواصلين لحد الآن. كنا نتمنى أن تستمر هذه التجربة لأن العمل أفرز نجوماً ووجوهاً جديدة مازالت مستمرة في الوسط الفني.
*أين يكمن الخلل، هل في النص أم في الإخراج أم في العملية الإنتاجية برمتها؟
– لا أعتقد أننا نعاني من أزمة نص، إذ أن الدراما العراقية أفرزت شباباً يكتبون نصوصاً ممتازة جداً تضاهي النصوص العربية، وحتى أن ما يكتب قد عبر حدود المحلية من خلال المواضيع المطروحة. لكن الخلل يكمن في العملية الإنتاجية، فمعظم القنوات لا تضع ميزانية مناسبة لإنتاج العمل، وليست هناك خطة تسويقية، مع أن هناك بعض القنوات –بالعكس- تحترم جمهورها وشاشتها وتقدم أعمالاً ذات ميزانية جيدة. الفترة الماضية أفرزت مجموعة من المخرجين الشباب الرائعين، في المحصلة أن الخلل يكمن في عملية الإنتاج.
*ما رأيك في ما يقدم الآن من دراما؟
– ما يقدم الآن من دراما ينقسم إلى قسمين: قسم منها يتمتع بكل مواصفات الدراما الجيدة، والقسم الآخر يثير أجندات خاصة، وهناك بعض المسلسلات لا تتلاءم مع سلوك المجتمع العراقي والعائلة العراقية، إذ تحتوي على الكثير من التجاوزات. المجتمع العراقي يختلف عن بقية المجتمعات، فهو يحتوي محاذير ومرجعيات كثيرة، منها المجتمعية والعشائرية والدينية، كل هذه الأمور صنعت من الفرد العراقي شخصاً مختلفاً، فمن غير المقبول أن تقدم في دراما تلفزيونية مشهداً يسيء إلى سلوك وأخلاق العائلة العراقية. فضلاً عن الأشياء الأخرى التي لا أستطيع البوح بها خوفاً من رفع الدعاوى القضائية ضدي. بعض القنوات الفضائية قاطعتني لأني تكلمت عن هذه الأمور بأسلوب تحليلي.
*مسرح بلا جمهور، أم جمهور بلا مسرح، ممَّ يعاني المسرح العراقي؟
-المسرح العراقي مسرح رصين جداً، وبشهادة المهرجانات التي نشارك فيها والجوائز التي نحصل عليها، إذ حتى حين توجد أزمة نص، فلابأس من استخدام النص العالمي وتطابقه مع الواقع العراقي مثلما يعمل به في الكثير من الدول العربية. انحسار الجمهور عن المسرح هو ليس بسبب النصوص، لكنه عن المسرح التجاري الذي أصبح ما يقدمه مؤخراً هو ضحك على العائلة العراقية وعلى سلوكها وعلى أخلاقها. الحكاية تتكرر في كل عرض: رجل ريفي يصبح أضحوكة أمام الناس، وهذا خطاً كبير جداً. السبب الآخر في انحسار الجمهور هو (السوشيل ميديا) التي باتت تعوض كل شيء، فضلاً عن وجود قاعات العرض السينمائي في العديد من المولات، وأسعار تذكرتها أرخص بكثير من تذكرة المسرح. أما انحسار الجمهور عن المسرح الجاد فهو ليس وليد اليوم، المسرح الجاد يتابعه المعنيون فقط، أحياناً تتمرن على مسرحية لمدة ثمانية أشهر، لكنها تعرض لمدة ثلاثة أيام ثم تركن جانباً.
*هل تشعر بحرية أكبر وأنت على خشبة المسرح؟
– بالتأكيد أشعر بحرية أكبر على خشبة المسرح، وفي اعتقادي أن التمثيل على خشبة المسرح هو ضرب من ضروب السحر، والممثل يجب أن يكون ساحراً على المسرح، ويجب أن يقدم شيئاً مهماً للعائلة العراقية، لأنها هي التي تتوجه لمشاهدتك على خشبة المسرح، عكس التلفزيون الذي تفرض فيه نفسك على المشاهد. لذلك تجد أن في المسرح حرية تامة، مع أنك تكون وجهاً لوجه أمام الجمهور، وحتى الأخطاء يمكن أن تعالج بسرعة البديهية.
*تكريمكم في مهرجان شرم الشيخ هو دليل على تألق الفنان العراقي.. ما الذي يحول دون إشراك الفنان العراقي في أعمال عربية؟
– أنا كرمت عن مجمل مسيرتي الفنية، وفي هذا المهرجان هناك تقليد سنوي لتكريم فنانين من العراق، وهذه السنة كنت أنا من حاز على التكريم، فضلاً عن عرض فيلم قصير يتحدث عن أعمالي ومشاركاتي. أما عن عدم إشراك الفنان العراقي في الأعمال العربية، فأعتقد أن ذلك بسبب اللهجة، في مصر –بالذات- يجب أن تتحدث باللهجة المصرية, لذلك فإن المنتج المصري لا يضطر إلى إشراك فنان غير مصري لا يتقن اللهجة المصرية. شاركت في مسلسل (دفعة بيروت)، أنا والفنان ذو الفقار خضر، لكن الأدوار التي جسدناها كانت لشخصيات عراقية داخل المسلسل، كانت التجربة ناجحة جداً، إذ لفتنا أنظار كل من شارك في العمل, أما في الأعمال التاريخية التي تقدم باللغة الفصحى، فهناك الكثير من المشاركات لفنانين عراقيين.
*في رأيك.. هل استطاعت الدراما العراقية أن تصور الأحداث التي مر بها العراق ؟
– بعض الأعمال الدرامية حاولت أن تترجم بعض الأحداث في العراق، مثل مسلسلي (حفر الباطن) و(ثلاثية سبايكر) اللذين أنتجا من قبل شبكة الإعلام العراقي. لكن هذا ليس كافياً، إذ يفترض أن نشاهد الكثير من الأعمال التي تطرح قضايانا المصيرية، فمن المعيب أن الدراما الخليجية تعمل دراما عن عصابات داعش، فيما نحن لم نقدم سوى عمل واحد هو (دولة الخلافة)، وكان المسلسل دون الطموح.
*نفتقد إلى مؤسسة تختص بصناعة النجم، برأيك ماهي مقومات النجم في العراق؟
-بالتأكيد، نحن نفتقد إلى مثل هكذا مؤسسات، لأن المؤسسة الإعلامية -تحديداً- إن كانت المرئية أو المكتوبة، هي التي تصنع النجم وتقدمه بشكل يليق به إلى الجمهور. أما مقومات النجم فإن أهمها أن يكون مؤثراً جداً بالمتلقي، لكي تكون لدى المتلقي رغبة في تقليد هذا النجم، لأنه مؤثر من جميع النواحي، الشكل والملبس والكاريزما. المقوم الثاني هو أن يكون متواضعاً وذا وعي وثقافة بحيث يستطيع أن يتحدث بلباقة في الحوارات الصحفية، مرئية كانت أم مقروءة.
*بمناسبة الفنان النجم.. هل أن لجوء بعض الفنانين إلى تقديم البرامج أو الإعلانات هو من أجل التواصل أو طلباً للرزق؟
-بعض من النجوم والفنانين لجأوا إلى تقديم البرامج، وهذه الحالة عند بعضهم هي من حالات اختبار الذات، اي بمعنى هل أنه يستطيع أن يقدم برنامجاً كما يقدم مشهداً مسرحياً او تلفزيونياً ويحاور ضيوفاً عدة؟ وهنا يتحتم عليه أن يمتلك ثقافة عالية جداً لكي يستطيع أن يجاري الحديث وينتقي الأسئلة من خلال الأجوبة, والبعض الآخر كان ولوجه هذا المجال طلباً للرزق، فممكن لإعلان واحد أن يغنيك عن أجر خمس حلقات او أكثر في المسلسل.
*فنان الأمس واليوم.. هل ثمة اختلاف بين تلك الأجيال؟
-الاختلاف كبير جداً بين فنان الأمس وفنان اليوم, فنان اليوم هو من جيل الكومبيوتر، كل شيء متوفر له، يستطيع أن يثقف نفسه بسهولة عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي. سابقا كان هناك فقر في الحصول على المعلومة، أو الكتاب، أو المواضيع. كنا نبحث كثيراً، وكانت الطباعة ورقية عكس ما هو موجود الآن وما متاح من كتب على شبكة الإنترنت, وهنا أصبح هناك اختلاف في الوعي والمعالجة ووجهات النظر، نحن جيل تتلمذنا على أيدي أساتذة أكفاء علمونا الأخلاق قبل الفن، وهذا الأمر ضروري جداً للفنان.
*في الختام.. هل هناك ما يختلج في النفس؟
– ما يختلج في النفس تكلمنا عنه مراراً وتكراراً، في وسائل الإعلام كافة، هو أن على الحكومة أن تتبنى الفنان العراقي كي يزدهر ويقدم ما يليق بالعراق، وأن تهتم بدعم المنتج الحلي من دراما وسينما، ولاسيما أننا أقدم تلفزيون في المنطقة، لكننا مع الأسف في ذيل القائمة العربية في الدراما.