حوار : محسن إبراهيم – لوحة للفنان حيدر الياسري /
من أحياء البصرة الفيحاء غرف حب التمثيل والمسرح. دفعه شغفه بالفن أن يغادر البصرة متجهاً الى بغداد ليلتحق بكلية الفنون الجميلة. تتلمذ على يد أعمدة المسرح العراقي ليخط له فيما بعد طريقاً عبده بالنجاح. كتب ومثل وأخرج أكثر من ثلاثين عملاً مسرحياً، كما قدم العديد من الأعمال السينمائية والمسلسلات التلفزيونية، وشارك في العديد من المهرجانات المسرحية العربية والدولية.
الفنان محمود أبو العباس وحوار لا يخلو من الصراحة.
*كيف ولماذا اتجهت بوصلتك الى المسرح والتمثيل؟
-لاشك في أن التمثيل هو أحد أدوات التعبير لدى الإنسان، وفعل التمثيل هو فعل تلقائي يومي لدى الإنسان يتشكل وفق المواقف والسلوكيات، لذلك حين يكون الإنسان بارعاً في هذه التشكلات فإنه يحاول أن يقدم صورة مغايرة لشخصيته تدهش الآخر أو مجموعة من الناس. لذلك فإن المسرح والتمثيل يمتلكان سطوة وطقوساً عالية وشعوراً بالقيادة تجاه الآخر، وحين تتجه البوصلة الى المسرح فهذا يعني أنك تتجه الى الحياة لتأخذ منها كل شيء، وتحاول أن تعيد صياغة هذه الأشياء بطريقة مدهشة تبعث على التساؤل وتستفز المتلقي.
*الدراسة الأكاديمية أم الخبرة والممارسة، من منهما يصنع الفنان؟
-الاثنان معاً، هناك الكثير من الممثلين الذين يعتنون بأدواتهم التمثيلية بناء على الممارسة والخبرة، لكن هناك بعض التفاصيل في الدراسة العامة تحاول أن تفتح ذهنية الممثل في أن يقدم شيئاً مغايراً. أعتقد أن جميع من يعتقد أن التمثيل هو ممارسة فقط، يحتاجون الى مراجعة. لأن الدراسة الأكاديمية تهذب الكثير، وحين تذهب الى التمثيل تكون أشبه بشجرة مترامية الأغصان، وتأتي لتشذيبها كي تظهر بشكل جميل، أما الخبرة فقد يختلط علينا الأمر ما بين الخبرة والممارسة لأن الاعتماد أصبح على التمثيل، ولاسيما في الدراما التلفزيونية وعلى (الترند) في وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا ليس اختباراً حقيقياً لقدرات الممثل. قدرات الممثل الحقيقية تظهر حين يقف على خشبة المسرح ويقدم ما لا يستطيع الآخر تقديمه.
*عشرون عاماً من الاغتراب، ما الذي أضافته تلك التجربة لك؟
-بالطبع كانت إضافة كبيرة بالنسبة لي، إذ كان هناك تفرغ ومحاولات للتجديد ومشاهدات كثيرة لأنماط وأساليب كثيرة لأنك تحتك بالثقافة العالمية. صحيح أن هذه التجربة أخذت عشرين سنة من عمري، لكن ما أنجزته خلال وجودي في الإمارات كان من الصعب إنجازه في مكان آخر، ألّفت 14 كتاباً وعملت في 13 فرقة مسرحية، فضلاً عن اشتغالي في تنمية المهارات الأدائية عند الأطفال، كما قدمت أعمالاً في الموندراما، بعدها سافرت الى أميركا وإيطاليا وزرت الكثير من البلدان، كل هذا كان بالنسبة لي خبرات متراكمة. أما تجربة الإمارات فقد كانت فسحة مهمة لمراجعة النفس بعيداً عن شظف العيش واللهاث خلف الأعمال التي لاتسمن ولا تغني من جوع.
*تعاقبت على خشبة المسرح أجيال من ممثلين ومخرجين ومؤلفين، وأنت أحدهم، ما الذي نحتاجه اليوم لخلق جيل جديد؟
-الذي نحتاج إليه هو التأمل والبحث الدقيق في عملية استنطاق الداخل وخلق أجواء تستطيع فيها أن تقدم شيئاً يتسق مع تاريخ حافل من المنجز الإبداعي المسرحي في العراق, أساتذتنا الذين أسسوا: إبراهيم جلال وجعفر السعدي وسامي عبد الحميد وبدري حسون فريد وعوني كرومي وفاضل خليل والكثير من الأسماء، كل هؤلاء كانوا يعبّرون عن تجربة مهمة في المسرح، حاولوا أن يصبوا كل خبراتهم فينا خلال دراستنا في أكاديمية الفنون الجميلة، والجيل الحالي يحتاج الى مراجعة، لأن هناك خلطاً في الأوراق وتداخلاً في الاختصاصات. في المؤسسة الأكاديمية يقوم متخصص النقد بتدريس التمثيل، وهذا أمر صعب جداً، لأن من لم يصعد على خشبة المسرح ويقدم عرضاً مسرحياً لا يمكن له أن يوصل الفكرة بشكل صحيح. الآن لدى الشباب استنساخ في تجاربهم وتقارب في أعمالهم وهم بحاجة الى الكثير من التغيير.
*الدراما التلفزيونية طغت على المسرح، أين أنتم من الدراما؟
-لا نملك الآن شيئاً مهماً في الدراما التلفزيونية، وكل ما يقدم هو عملية استنساخ لمسلسلات تركية وأعمال عالمية، أعتقد بعد أن غادر صباح عطوان وعبد الوهاب الدايني وعادل كاظم، لم نحظَ بكتاب على مستوى عال جداً سوى من حامد المالكي وأحمد هاتف وباسل شبيب، الذين قدموا أعمالاً جميلة. المسرح شبه متوقف لأن طبيعة الحياة تغيرت، ونحن نمط من البشر نحب التقليد والأشياء الجاهزة، لا نستطيع أن نتعب أذهاننا في الذهاب الى عروض مسرحية، النخبة فقط هم من يذهبون لحضور عرض مسرحي، وأعتقد أننا بحاجة الى مراجعة كل ما يقدم، ولاسيما الدراما التي مازالت تراوح في مكانها. نحن نشارك في الأعمال الدرامية، لكنها مشاركة من أجل لقمة العيش.
*ستار كوسج والدعلج، شخصيتان علقتا في ذاكرة الجمهور، برأيك لمَ نفتقد اليوم ما يرسخ في الذاكرة؟
-النصوص التي كانت تقدم سابقاً كانت على تماس واضح مع المتلقي، كل الأعمال التي قدمت كانت من واقع الحياة، شخصيات مسلسل (ذئاب الليل) موجودة في ملفات وزارة الداخلية، وعندما كتبها صباح عطوان حاول أن يقدم دراما تلفزيونية غير معتاد عليها الجمهور العراقي، لذلك تفاعل الجمهور مع هذه الشخصيات. هذه الأعمال بقيت راسخة في ذاكرة الجمهور لأنها كانت أعمالاً صادقة وأكثر صدقاً مما يقدم الآن من أعمال مستنسخة. أعود لأقول إن هناك مشكلة كبيرة في عملية الإنتاج والقائمين عليها لأنهم أسهموا مساهمة فعالة في تأخر الدراما العراقية.
*هناك عمل جديد يجمعك بالفنان مقداد عبد الرضا؟
-نعم، هو مسلسل (الماروت)، من تأليف رسل جواد، هذه الكاتبة كتبت عملاً جيداً يحتوي على أحداث جميلة، سأكون فيه مع الفنان مقداد عبد الرضا والفنان جلال كامل والفنانة آسيا كمال ومجموعة من الممثلين. العمل من إخراج مهدي طالب، الذي أعول عليه كثيراً في إدارة العمل بطريقة ستكون بمستوى يليق بالدراما العراقية، وهي عودة الى لجنة دعم الدراما في شبكة الإعلام العراقي.
*برزت في الآونة الاخيرة ظاهرة المهرجانات السينمائية، هل تستطيع تلك المهرجانات أن تصنع سينما عراقية؟
-غالبية تلك المهرجانات أصبحت دكاكين للاستجداء، كل من هبّ ودبّ يجمع مجموعة من الأفلام ويقدمها, بدليل أن كل الأفلام المشاركة هي أفلام قصيرة أو وثائقية أو أنميشن، إلا بعض التجارب ممن هم مؤمنون بهذه الأعمال، ومدعومة من بعض المؤسسات الرصينة، استثني تلك التجارب التي لا تسعى الى التكسب من المهرجانات.
*ما الذي سوف أجده إن فتحت صندوق أسرار محمود أبو العباس؟
-لاجديد في صندوق أسراري، كل ما هو موجود قلته في حوارات سابقة، تلفزيونية كانت أم صحفية، لا أخاف في قول الحق لومة لائم، وأتحدث بصراحة تامة، بعيداً عن المجاملات، ولا أطلب من أحد أن يجاملني إن أخطأت. أمنياتي أن نخرج من هذه الدنيا ونحن مسرورين بمشاهدة صالات العرض في كل أنحاء العراق تزهو بالأعمال المسرحية والسينمائية، وأن نعود الى الطفل لأنه الخاسر الأول والوحيد في تجربة الحياة المقبلة، لأننا نقود أطفالنا الى مستقبل مجهول، أتمنى ان يكون هناك اهتمام بثقافة الطفل.