محسن العكيلي /
انفرد سعد جاسم الزبيدي عما كان يفكر به والده الفنان الراحل جاسم الزبيدي بقوة الملاحظة واستقراء عميقين في إطار الإعداد والتنفيذ للفكرة ذاتها ليصل أخيرا إلى نتائج متقدمة، بحيث يضع المشاهد أمام حيرة وصعوبة، حين يبغي التمييز بين أسلوبين، حتى ليكاد يغدو صعبا على عين الخبير أيضا أن يفرّق بين أعماله وأعمال والده الذي سبقه بعشرات السنين.
“وفي ظني أنَّها ميزة يندر أن تجدها عند غيره من الأقران. إن سعد يندفع بهذا التوهج الذهني والإبداعي كلّه لإثبات انتمائه إلى طبقة الفوتوغرافيين المجدّدين الذين يسعون إلى تقديم فن فوتوغرافي راق ومؤثر”، هذا ما قاله الراحل فؤاد شاكر في تجربة ضيفنا الفوتوغرافي سعد جاسم الزبيدي لم أجد أفضل من هذه المقدمة لتكون مدخلا لحوارنا.
بدايتي مع مؤسّسة رمزي
*ترعرعت بين جيل من عمالقة التصوير، كيف ومتى عرفت العدسة؟
– دخلت في عالم التصوير الفوتوغرافي بالمصادفة دون التخطيط لذلك على الرغم من أنَّ والدي الراحل جاسم الزبيدي كان فوتوغرافيا معروفا وكان بيتنا مليئاً بأعماله الفوتوغرافية، كانت بداياتي مع الرسم والموسيقى، وكنت في أيام الإجازات الصيفية المدرسية أعمل في مؤسّسة رمزي للطباعة؛ للفنان الفوتوغرافي الراحل ناظم رمزي في قسم الطباعة، ذلك كان في منتصف السبعينات، ثم أصبحت في دوام كامل أعمل بعد ساعات الدوام الدراسي في معهد الفنون حتى عام 1985.
انتقلت من قسم الطباعة إلى قسم التصوير الفوتوغرافي، وكانت تلك بداياتي الأولى للدخول في عالم الفوتوغراف، إذ تتلمذت على يد الفنان الرائد التشكيلي والفوتوغرافي الراحل عيسى حنا والفنان الراحل ناظم رمزي.
أعمال متجدّدة
*لا بدّ من أنّ القرب من الراحل ناظم رمزي كون لديك خزينا معرفيا كبيرا؟
– كانت أعمال الراحل ناظم رمزي تملأ جدران القسم الفني في المؤسسة وكنت كل يوم اتطلع لأعماله بتمعن كبير وكنت أجد تلك الأعمال الفوتوغرافية تتجدّد كل يوم حين أشاهدها وكأني أشاهد لأول مرة، خلق ذلك في ذهني تراكم المعرفي والبصري والجمالي، أيضا مزجت تلك المعرفة البصرية من خلال رجوعي إلى أرشيف والدي الفوتوغرافي والبحث عن أوجه الاختلاف بين المصورين الذين أغنوا معرفتي الحسية البصرية بكلا أسلوبيهما الفوتوغرافي.
*عملك في جريدة الجمهورية وسط زخم الأسماء الكبيرة ما الذي أضافه اليك؟
– لا أخفيك سراً لقد انتابني الذعر في كيفية المحافظة على أن أكون ابنا صالحا لسيرة والده ليحل محله كمصور صحفي في تلك الجريدة. كان الراحل فؤاد شاكر يصطحبني في جولات تصويرية في أحياء بغداد وكنت أراقبه عن كثب كيف يتعامل مع الناس في الشارع ليلتقط صورة واحدة تحمل كل معايير الخبر والحدث الصحفي فضلا عن الجانب التقني الفني والجمالي، وكنت انبهر بما تشاهده عيناي من زوايا وتوزيع الضوء مع التكوين البصري للمشاهد التي التقطها الراحل فؤاد شاكر، كل الفنانين الفوتوغرافيين الكبار الذين صادفتهم بحياتي كانوا أصحاب فضل علي مع والدي الراحل، إذ رسخوا بداخلي الحب الكبير للفوتوغراف.
توثيق لحياة الناس
*ربما ترك الراحل جاسم الزبيدي أثراً في مسيرتك، هل حاولت أن تنتهج بعداً آخر في التصوير ؟
– لقد ترك والدي لي إرثا ثقيلا وطريقا محملا بالمصاعب هو الحفاظ على مسيرته الإنسانية والعملية من خلال خطواتي التي أخط بها خلفه. وجّه لوالدي في أحد اللقاءات الصحفية التي أجريت معه في حياته سؤال عن أولاده الصبيان وأن ينحو نحو التصوير الفوتوغرافي ويتبعوا خطى والدهم، أجاب والدي، لا أريد لأولادي أن يحملوا هما كما حملته أنا، إذ كان إنسانا يشعر بمعاناة كل من مر بهم ولم يكن بيده الحل ليجعل هؤلاء الناس سعداء ليعيشوا بكرامة واستقرار وسلام سوى كامرته التي كان من خلالها يوثق حياة هؤلاء الناس ليقدمها للعالم، لربما الصورة تكون هي الحل الكبير لإنقاذ تلك الشعوب المضطهدة، بعدها أدركت أهمية أن تكون إنسانا قبل أن تكون مصورا أو فنانا، لأن جميع الحرف هي مهنية لكن أن تكون نافعا ومؤثرا في الحياة، فذلك هو المعنى الحقيقي للإنسانية.
*الصدفة قادت الكثير لالتقاط لقطة مذهلة بينما خطّط آخرون لالتقاط صورهم، أيّهما تفضل الصدفة أم التخطيط؟
– ذلك يعود إلى نوع الموضوع الذي تود أن تتناوله في الفوتوغراف الحياتي، بالنسبة لي اتناول الموضوع وأدرس أبعاده الحياتية وتأثيراته على الواقع المعاش للناس والظروف التي تحيط بهم، عند تواجدي في الشارع أو تلك الاماكن التي أود أن أنجز بها عملي، الدقائق الأولى استخدم عينيّ لمشاهدة الواقع الذي حولي وأربطه مع الفكرة المتبلورة في عقلي ثم أبدأ البحث في زوايا المكان والناس الذين يعيشون هناك للحصول على المقربات من الفكرة او ما تتشابه مع الموضوع الذي أود أن التقطه من خلال عدسة الكاميرا، أحيانا كثيرة تحصل على هدايا بصرية وذلك يعود إلى المصادفة الحياتية من واقع المكان، وتلك المصادفة تصبح الإضافة القيمة الكبيرة لتغني فكرة الموضوع المتناول. من وجهة نظري لا توجد هناك مصادفة في التصوير لطالما كانت عيون وذهن المصور متقدة وإصبعه على زناد الالتقاط ليحقق ما لا يتوقعه المشاهد الفوتوغرافي.
*بين الظل والضوء هناك خط فاصل للإبداع كيف كان انتقالك بينهما؟
– مازلت اتعلم وأبحث وأشاهد تجارب الفنانين الآخرين من كل العالم، إذ من الصعب جدّاً أن تأخذ خطاً ثابتاً لتقف عنده، لأن العملية الإبداعية تتطلّب جهداً في توسيع الادراك الحسي والبصري والمعرفي كي تبقى متّقداً بأفكار جديدة تواكب الزمن الذي نعيشه طالما ما زلت على قيد الحياة.
* تعتقد أن الأسود والأبيض يعطي بعداً خاصاً عند تصوير اللقطة؟
– لكل موضوع له أدواته في التعبير وتوصيل الأفكار من خلال التقنيات التي اكتسبتها من تجارب تعلمتها في حياتك المهنية، قد يكون الاسود والابيض هما اللونان الكلاسيكيان في عالم الفوتوغراف وهما اللونان اللذان لا يشتتان المشاهد عن رؤية الموضوع المتناول في الصورة، إذ إنهما يعكسان الضوء بشكل محدد ليدخل إلى عين المتلقي بشكل فياض ومريح لتترسخ في ذهن المشاهد.
*أطفال في زمن الحصار لقطة فوتوغرافية نشرت في الكثير من المواقع، لكنها نسبت إلى الراحل ناظم رمزي هل تشابه الرؤية هو السبب؟
– نعم ذلك يشرفني كثيراً أن تنسب أحد أعمالي الفوتوغرافية للراحل ناظم رمزي حتى لو كان سهوا، أنا اعتقد أن التراكم البصري في ذهني منذ كنت أعمل في مؤسسة رمزي ومشاهداتي العميقة لأعمال الراحل ناظم رمزي ولدت رؤية بصرية فنية غير متوقعة في ذهني، ربما قد تكون بالفطرة أن يتقابل أسلوبي وأسلوبه في التصوير دون أن أعلم بذلك.