الكاميرا الخفية.. بين الابتذال والهدف

إياد السعيد /

تكمن أهمية برامج الكاميرا الخفية في مشاهدتها الواسعة وعديد الراغبين بمتابعتها، إذ لا يمكن فصلها عن البرامج المصنفة تحت مسمى (برامج منوعة) لأنها برامج متعة أولا، تحتل مساحة زمنية في الشاشة، وتحصل على أكبر عدد من المشاهدات إذا ما أنتجت بأفكار جذابة وجديدة، وراعت معايير المجتمع المستهدف وذائقته، وحملت رسالة توعوية جادة وإنسانية ترتقي بالمجتمع، سواء بانتقاد ظاهرة اجتماعية، أو حالات فردية.
رصانة وحصانة
لكن ما فاض كيلُه وبان على سطح الفضائيات، التي أنتجتها في مواسم رمضان، يوجب التوقف عنده ونقده مهنياً. أما أكاديمياً، فهناك دراسات يمكن للمنتجين أن يطلعوا عليها ليتعلّموا منها، فمثلاً هناك رسائل وأطاريح وحلقات نقاشية يمكن الاستفادة منها، بل حتى استشارات قانونية تزيد من رصانة وحصانة صانع الكاميرا الخفية، لكن للأسف لا نرى أياً من هذه الجوانب قد تحقق، فهي في العراق مجرد نكتة، أو كمين نصب وإهانة واستخفاف، ليس بالضحية فقط، وإنما حتى بالجمهور.
لذلك يتهم أغلب الجمهور منتجيها والضحايا بأنهم صنعوها باتفاق مسبق، لأنها قاسية لا يمكن تصديق عفويتها، بل مبتذلة أحياناً ومُهينة، وربما خادشة للحياء، ولاسيما في رمضان. لذا وددت أن أدلو بمعرفتي المهنية فقط، حسب مشاهداتي والخبرة التي حصلت عليها كمشاهد.
القاسم المشترك
ثمة ملاحظات عديدة، منها تقنية سأقفز فوقها لأناقشها مع القارئ الكريم مجتمعياً ونفسياً فقط، وجميعنا قد شاهد نماذج عديدة منها، وكان القاسم المشترك بينها رثاثة الفكرة ومحدودية الإنتاج وقصور العلمية، وقد نمنح صانعها استحقاق التبرير والعذر في السبب. وحسب تجربتي، وما أسمعه من مخرجين ومعدّين، أن مسؤول الفضائية يستخف بها ويستسهل إنتاجها ويلغي فقرة إعدادها ويكتفي بالمقدم فقط لتخفيض أجور وكلفة إنتاجها طبقاً لقاعدة درجنا عليها (اخذ مصور وجيب مادة)، وهذه هي السقطة المميتة فعلاً، إذ نرى الترهل وفظاظة الكلام وفوضى التحكم في مشاعر الضحايا ونابية الصراخ !!
مقترحات
هنالك مقترحات ووصايا لابد من الأخذ بها حين العزم على صناعة كاميرا خفية بمعايير توازي -على الأقل- ما ينتج في البلاد التي سبقتنا في هذا المجال، فلا يمكن أن تجد زاوية لنقد الكاميرا الخفية الكندية أو الأوروبية –عموماً- للأسباب التي سأوجزها أدناه ضمن ملاحظاتنا:
يجب أولاً أن يكون المستهدف طرفاً ثالثاً في المعادلة، أي أن أقصى ما نحصل عليه منه هو أن يضحك أو يستغرب أو يبتسم، لنحفظ كرامته أولاً، ونتجنب رد فعله الغاضب، وأيضاً نتحصن قانونياً أمام القضاء، بينما نجد أنه يكون هو الهدف بصورة مباشرة للنصب ومضحوكاً عليه، وبفجاجة، وهذا ناتج عن ضيق فكر صانع الحدث وقصر بصيرته المهنية، لأنه يرى فقط أمامه هدفاً يريد الإيقاع به بسبب الموروث الاجتماعي ربما، والنفسي الذي درج عليه في حياته، فربما كانت له تجربة نجحت مع أصدقاء، لذلك يريد تطبيقها على الشاشة، فلا فرق لديه بين العلاقات الخاصة والفضاء العام المفتوح على الأسرة والشرائح المختلفة. أنصح بأن يتولى المهنيون إرشاد المقدمين والمعدّين في أن يخرجوا من الدائرة الضيقة التي يتوسطها المقدم والهدف فقط، وأن يتعلموا ان هناك عالماً أوسع خارج الصندوق .
كذلك هناك نماذج عرضت، رغم أنها غير صالحة للعرض، تحوي السباب والشتيمة ومشاهد مقرفة لا يقرها القانون ولا العرف الاجتماعي، يرضى بها الضحية مقابل مبلغ من المال. لكن هل يرضى ذلك المجتمع؟ أين الذائقة العامة التي هي من ضمن معايير المهنة الإعلامية الأولى التي يجب مراعاتها في كل مادة معروضة؟ ربما نرفض مقص الرقيب الأمني بادعاء حرية التعبير، لكن ثمة رقيباً اجتماعياً وخُلُقياً يجب أن نحتكم إليه، فمجتمع العراق يختلف عن مجتمعات كثيرة ولكل بلد تقاليده ومعاييره.
حين تصل الذروة
رأينا أن الكم الكبير من برامج الكاميرا يبدأ بالإهانات اللفظية وأحياناً الضرب بالحذاء أمام المشاهدين! وهذا غير مقبول إطلاقاً.
افكار مستنسخة
الملاحظ على غالبية النماذج أنها مستنسخة ومكررة لمواسم عدة، ولم يحرك المنتج عقله في ابتكار أفكار جديدة، بل أصبح المشاهد يعلم ما سوف يحصل منذ بدء الحوار.
تعدّ الكاميرا الخفية الآن من البرامج (الحشوية) التي تملأ فراغ الشاشة بأدنى الكلف بسبب استسهال صناعتها.
بعد الإيقاع بالضحية يطلب منه المقدم السماح بعرض الحلقة فيوافق! لكن هل يوافق المجتمع؟ لماذا يصادر الضحية نفسه الرأي العام بأن ينشر هذا الابتذال؟ لذا فهو شريك مع الفريق، سواء أكان ذلك باتفاق أم بعدمه .
حقوق
والسؤال لمن أوقعت به الكاميرا الخفية ورفض عرضها، مشكوراً، هل تعلم أن لك الحق برفع شكوى ضد من أوقع بك لتعرضك للأذى الجسدي والنفسي؟ فأنت رفضت عرضها فقط، لكن ما تعرضت له من إهانة لم تعترض عليه!! والتساؤل مطروح أمام خبراء القانون أيضا: هل يحق له مقاضاتهم؟
لهذا اتساءل: لماذا لا تدرس الكاميرا الخفية ضمن مناهج المعاهد الإعلامية أكاديمياً؟ فهي الآن كالدراما والسينما والخبر .
وأتساءل أيضاً: لماذا لا نستعين بالخبراء، فهم أدرى من الشباب بما يريد المتفرج؛ لكن هل يوجد هذا العنصر الخبير في كل فضائية؟