رولا حسن /
سهير سرميني، مخرجة سورية لها بصمتها الأنثوية الخاصة في الإخراج السينمائي والتلفزيوني، خريجة كلية العمارة بجامعة دمشق. عملت رئيسة شعبة المخرجين في التلفزيون السوري للفترة ما بين 2001 -2006، كلّفت بمهام مدير الفضائية السورية، كما عملت مديرة للقناة الأولى في التلفزيون السوري. في جعبتها الكثير من الأفلام السينمائية منها: “لكلّ ليلاه”، “غرفة افتراضية على السطح”، و”عرائس السكر”، وأعمال تلفزيونية أهمها “النداء الأخير للحب”، وتعمل حالياً على إخراج دراما تلفزيونية بعنوان “رائحة الروح”.
حول مشوارها الفني كان لنا معها هذا الحوار:
** أنت من عائلة عريقة بالفن، درستِ الهندسة المعمارية لكنك تركتها جانباً، واتجهت إلى عالم الإخراج، تحت أية قناعة اخترتِ ذلك؟
-دراستي للهندسة ساعدتني كثيراً، فالهندسة المعمارية هي أيضاً فن وإبداع، فهي تعلم كيفية رؤية الفراغ، والمنظور الهندسي، الأمر الذي أفادني في معرفة كيف يمكن للعين أن ترى، أي زوايا الرؤية التي تكون مفيدة في الصورة السينمائية، وهو ما سهّل توجهي إلى الفن الإبداعي، أي الإخراج الذي وجدت نفسي فيه إضافة لوجودي في عالم مليء بالألوان حيث مرسم والدي، وحيث تربيت وكبرت.. لكن هذا كله لم يبقَ شيئاً نظرياً وإنما ترجمته عملياً، فقد تدربت على الإخراج أكاديمياً في التلفزيونين الفرنسي والألماني على أيدي مخرجين مهمين، من ثم أكملت تدريبي في التلفزيون السوري الذي اعتبره مدرستي الأولى حيث أن كل ما تعلمته خارج سوريا طبّقته أثناء عملي في التلفزيون السوري، واستفدت من مخرجين سوريين عملت معهم ابتداء من البرامج إلى الاسكتش الغنائي إلى أفلام الكرتون الهادفة إلى الأفلام القصيرة ومن ثم الطويلة، وعملت أيضا في الإخراج التلفزيوني، وفي جعبتي الكثير من الجوائز داخل سوريا وخارجها.
** كيف تتعاملين مع الإخراج وما هي برأيك مقومات المخرج الناجح؟
-أتعامل مع الإخراج كمخرجة ملمّة بأدواتي، وأصر على توفر هذه الأدوات. فمن مقومات الناجح، برأيي، أن تكون أدواته متوفرة بين يديه وأن تكون مواكِبة لكل ما هو متطور في عالم الإخراج. وأؤكد هنا أنه لا يكفي توفر الأدوات التقنية وإنما على المخرج أن يكون متمكناً من هذه الأدوات، فعلى المستويين الدرامي والسينمائي من المهم جداً اختيار النص الجيد، فالصورة المتقنة وحدها لا تكفي إذا لم يكن هناك نص جيد، لذا على المخرج أن يعمل بصورة جيدة على نص جيد لينتج عملاً مهماً يذكر له في النهاية.
** كيف تتعاملين مع الممثلين في أي عمل تقدمينه؟
-العمل مع الممثلين مهم جداً، فالمخرج يتعامل مع ممثلين من كافة المستويات، فهناك النجوم المتمكنون من أدواتهم، وهناك ممثلون وسط، وأشخاص كومبارس، لذا على المخرج أن يقدر المستوى الذي يتعامل معه، فبعد أن يقرأ الممثل النص يناقشه مع المخرج ويأخذ منه التوجيهات… وعلى المخرج هنا أن يأخذ اقتراحات الممثل بعين الاعتبار، وأنا من الأشخاص الذين يتقبلون الاقتراحات، ويولونها كثيراً من الاهتمام.
** أعمال البيئة الشاميّة تحتل حيزاً عريضاً من جمهور المشاهدين وهي الأعمال الأكثر تسويقاً، هل تفكر سهير سرميني بإخراج أعمال مشابهة؟
-أعمال البيئة الشاميّة لم تستهوِني يوماً كمشاهدة… فكيف أفكر بإخراجها. هذا أمر لم أفكر به أبداً، فأنا أهتم بالعمل الاجتماعي الهادف الذي يحمل رسالة. من الممكن أن أفكر بالأعمال التاريخية لكوني أستطيع الاستفادة من التاريخ في إسقاطه على زمن راهن لتوصيل مقولة أريدها.
** يحكى كثيراً في الأوساط الدرامية السورية عن ظاهرة الشُلليّة، هل تعتقدين أنها ظاهرة قد تقدم شيئاً إيجابياً؟
-شخصياً أعتبر الشُللية في بعض الأحيان ظاهرة صحية، ليس لغاية سوى توليفة الكاست الفني، فأي عمل يحتاج إلى انسجام بين فريقه وهكذا حال العمل الفني، فهو يحتاج إلى توليفة خاصة بين المخرج والممثل ومدير الإضاءة والإنتاج والمونتير….إلخ، وهذا الانسجام مهم جداً بالنسبة للمخرج حيث يحصل تفاهم من نوع خاص يسهل العمل في المرات القادمة، فهذا التنسيق يسهم في نجاح العمل حيث يتم التعامل مع كل منهم فيما يخصه.
** تهتمين بالقضايا الإنسانية، على شموليتها، حيث يتبدى ذلك واضحاً عندك بالخصوص وضع المرأة. هل ينبع ذلك من إيمانك بدور السينما كونها أشمل وأغنى؟
-العمل الإنساني الهادف مهم جداً على الصعيد الإنساني، لا سيما في السينما. فأنا أصر على أن تكون هناك رسالة أوصلها، ففي فيلمي الأخير “عرائس السكر” مثلاً بطلته طفلة لديها متلازمة داون، ومن خلال حكايتها في الفيلم حاولت أن أقدم رسالة أن هذه الفئة من الأطفال لديهم قدرات معينة لا يجب إهمالها، وإذا نمّينا هذه القدرات يصبح هذا الشخص فاعلاً في المجتمع ويشعر بقيمته كإنسان، إضافة إلى ذلك توجهت برسالة أن على المعنيين أن هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى رعاية خاصة فهم بحاجة إلى مكان يتوفر فيه كل ما ينمي قدراتهم.
** هل تعتقدين بدور السينما بالإسهام في تطوير المجتمع وتغييره، ليسهم هذا التطوير للمجتمع بدوره في تطويرها؟
-الفن رسالة إلى المجتمع وصورة عنه في ذات الوقت، كما أنه أكثر الخرائط دقة لتعيين مواجعه وآلامه… وأعتقد هنا أن السينما هي الأكثر قدرة على ذلك لتعدد مؤثراتها البصرية، وهي أكثر جدوى من محاضرة أو ندوة، في السينما نستطيع إيصال الفكرة عن طريق حكاية وهذه الطريقة هي أكثر سلاسة وتقبلاً لدى مختلف فئات المجتمع على اختلاف مستوياتهم الثقافية.
** في حديث لك مع جريدة الأخبار اللبنانية قلتِ إنك:”تتجهين في أعمالك نحو دراما مجتمعية خاصة تبتعد عن المقولات الكبرى لتصدير شكل جديد للمجتمع السوري”، كيف ترجمت ذلك في أعمالك؟
-بالنسبة لي أفضل التركيز على التفاصيل الصغيرة في المجتمع، لأن بين ثناياها تختبئ آلام الناس وأوجاعهم وهمومهم، وذلك بدا واضحاً في فيلمي “عرائس السكر” الذي طرح مشكلة ذوي الاحتياجات الخاصة، وفي فيلمي “غرفة افتراضية على السطح” تناولت العلاقات بين الجنسين عبر التواصل الاجتماعي، لا سيما تحت وطأة الحرب…الخ. كما أنني بصدد إخراج عمل يطرح قضية المرأة في المجتمع السوري وقانون الأحوال الشخصية، وذلك بعيداً عن أية مقولة كبرى لأني مؤمنة بأن الغوص في حكايات الناس وآلامهم هو الأجدى لحل مشكلات المجتمع والنهوض به..
** في فيلمك “غرفة افتراضية على السطح” تعكسين وبجرأة، بحسب بطلة الفيلم نادين تحسين بك “جانباً مهماً من حياة النساء لم تسبق الإضاءة عليه” هلا تحدثيننا عن ذلك؟
-في “غرفة افتراضية على السطح” كان هناك طرح من نوع خاص حول مسألة العنوسة في المجتمع السوري، والعلاقات عن طريق الشبكة الافتراضية، فبعد عمر معين تتجاوز فيه الفتاة في المجتمع السوري سن الزواج، تصبح هناك مشكلة في إيجاد الشريك الذي سيقاسمها حياتها ويهبها الأمان. وهي تعتقد أن الرجل وحده هو من يستطيع أن يهبها هذا الأمان، ومن خلال هذه الفكرة تظهر واضحة كمية الغش والخداع التي يمكن أن يقوم بها كل من المرأة والرجل ليقنع الآخر به عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وما يمكن أن ينتج عن ذلك من مشاكل نفسية وإحباطات. فالعلاقات عن طرق التواصل الاجتماعي مليئة بالخداع، ويظهر واضحاً في الفيلم كم تسيء إذا لم يتم توظيفها بشكل صحيح. تقوم بدور البطولة الفنانة السورية نادين تحسين بك، حيث تبرع في تقديم التناقضات التي تعيشها في مجتمع غزته الميديا، وازدحم بالغش والخداع..وهناك مقولة مهمة يطرحها الفيلم إضافة إلى كل هذا وهي أن أي إنسان فينا لم يختر مكان ولادته او طائفته أو دينه، لذا علينا التعامل مع بعضنا كبشر بالنهاية.
** ما هي علاقتك بالنص وكيف تتعاملين معه؟
-النص أمر أساس في كل أعمالي وهو اللبنة الأساسية التي أشيّد عليها العمل، وأنا لا أخرج عملا ما لم يكن نصه جيداً من حيث الفكرة والطرح والرسالة التي يوصلها إلى المشاهد، فمهما كان العمل جيداً إخراجياً إذا لم تكن فكرته جيدة فهو لن يقدم شيئاً للمشاهد، وفي السينما أفضل العمل على فكرة أحبها، وأريد أن أوصل من خلالها فكرة للناس، وهذا يبدو واضحاً في أعمالي “غرفة افتراضية على السطح”، “الإنذار الأخير للحب” وهي خماسية تلفزيونية تظهر تأثير الحرب على المجتمع السوري.
** في أفلامك تأخذ المرأة دور البطولة دوماً كما في”لكل ليلاه” و”غرفة افتراضية على السطح”، و”عرائس السكر”، هل اختيارك هذا ينبع من قناعتك بأنها الكائن الأكثر قدرة على عكس خراب المجتمع وتشظّيه؟
-طبعاً، للمرأة حيز كبير في أعمالي، لقد عملت مع كاتبات سواء في الدراما أو التلفزيون، فأنا أحب أن أعمل على التفاصيل الصغيرة، والمرأة هي القادرة على التقاط تلك التفاصيل بشكل جيد، إضافة إلى أن بطلات أعمالي هنّ نساء، وفي كل مرة بتفصيل أنثوي مختلف، إضافة الى أنه في هذه الحرب المرأة كانت الأكثر تضرراً، وهي من تحمّلت العبء الكبير وعاشت ظروف الحياة الصعبة، لذا يجب العمل على إيضاح دورها في ظل الحرب وناءت بالعبء الاقتصادي القاسي، إضافة إلى أعبائها الأخرى، لذا يجب العمل على إظهار دورها في المجتمع، فهي أم الشهيد أو أخته أو زوجته وهي أيضا أم المخطوف أو أخته أو زوجته وهي من تتحمل العبء في حال كان الزوج أو الأخ أو ألاب غائباً في ساحة القتال.
** ست سنوات من الحرب لم تستطع أن تظهر كواجهة أمامية أو كبؤرة أساسية في أعمالك لكنك اشتغلت على مخلفاتها وآثارها على المجتمع السوري، ما سبب اعتمادك هذه الستراتيجية؟
-أردت أن أوصل صورة الحرب الحقيقية، فهي ليست في صوت المدافع والرصاص والدم والقتل، إنما الحرب الحقيقية هي التي حدثت في داخل الناس، والموت والخراب الحقيقيان حدثا داخلهم وهو ما أردت الإضاءة فيه..الاضاءة على صوت الناس والخراب الذي أصاب حياتهم على كل الصّعد المادية والنفسية والإنسانية كما في خماسية “الإنذار الأخير للحب” حيث تحدثت عن علاقات الأسَر ببعضها في المجتمع السوري قبل الحرب وبعده، فقبل الحرب كنا أحبّة وأصدقاء، وبعد الحرب أصبحنا أعداء، وكذلك الأمر في فيلم “غرفة افتراضية على السطح” حيث أكدت على مقولة إنه إذا لم نكن يداً واحدة في سوريا فإننا لن نصل بسوريا إلى برّ الأمان.