محمد إسماعيل – بغداد/
شفافيته الاخراجية المحترفة دقت دفّ الإلهام والرؤيا على إيقاعِ الموسيقى العالمية، وكأن اوتارها مسّ من جنون المُخيّلة الخلابة. ينتهج بإصرار مدرسة الكوميديا السوداء، التي تسخر من المآسي بافتراض معالجة الأخطاء بطريقة إيجابية من دون تشهير، باعتبارها قريبة من المجتمع وتتلمس أوجاعه بطريقتها الغضّة.
كيف لا وهو المخرج والمونتير (سامر حكمت)، الذي أطلّ على الفن من نافذة والده رئيس قسم السينما والتلفزيون في كلية الفنون الجميلة (د.حكمت البيضاني)، منطلقاً الى أثير القنوات الفضائية. ، حيث كان ينظم الدراما كـخرزات مسبحة متشابكة بخيوط الموسيقى. عشق الروح التي استنفد سنوات طوال في تعلم أولياتها في معهد الدراسات الموسيقية، مغادراً بعدها الى محطة التقطيع الصوري ليعمل مونتيراً بارعاً بامتياز.
المخرج العراقي ضعيف
يروي سامر بشغف لـ “الشبكة العراقية” قصة مشوقة بدأها بالوعي على جو فني وسط تسجيلات أبيه، وشغفه بالموسيقى التي تركها عند المنتصف لرؤيته مشهداً لم يسره؛ فتعلم المونتاج وتطبيقاته، مكتسباً بذلك ثقة الوالد التي تأخرت، الى أن مَنْتَجَ تصويراً فيديوياً لمناسبة عائلية؛ بمستوى يقترب من الاحترافية؛ فاعترف د. حكمت مقراً به مونتيراً. علماً بأن نجاحه في تنفيذ أغنية “لا تزرع قنبلة بالشارع” 2004 للفنان حسام الرسام، رسخته بإعلانات ضد الإرهاب، لافتاً النظر هنا بكلامه:
“إقامتي في ستديوهات حكمت فرع مصر فتحت أمامي آفاقاً احترافية منتجتُ خلالها البرنامج المنوع (وزارة ما تمت) تقديم الراحل د. عزت أبو عوف، ومسلسل (سقوط الخلافة) بطولة عباس النوري وإخراج محمد عزيزية، عائداً بعدها الى بغداد لأحترف الإخراج؛ استناداً الى التراكمات المتحققة، وقد انتابني شعور بضعف المخرجين العراقيين قياساً بالساحة المصرية القائمة على تقاليد عمل ورصانة ما زلنا نفتقر لها..”
النص كارثة الكوارث
أمَّا عن اشتغاله في “زرق ورق” و”سيلفي” بطولة ناصر القصبي، فيواصل الحديث قائلاً: “عندما قررت احتراف الإخراج، دعمني الوالد وشقيقي مصطفى، باعتباري داخل تجربة نوعية مع فنان بمستوى إياد راضي، وبشجاعة التزمت العمل من دون ضعف، بالارتكاز الى تعميق حسنات الآخرين وتجنب أخطائهم، لأنني أدرك تماماً أن النص هو نقطة ضعف الدراما العراقية؛ لذلك تواصلت مع كتّاب عرب في “شلع قلع” بجزءيه”..
واقعنا في (كمامات وطن)
يتابع سامر الحديث عن سرّ سماعه الموسيقى العالمية أثناء قراءة أي عمل.. معللاً: “لأنها بصراحة تلهمني نصف إيقاع الرؤيا الإخراجية..”
مشيراً الى أهم أعماله مثل (كمامات وطن)، و”رسائل عراقية مخلصة تعبر عما في داخلي من نقد تقويمي وليس تنكيلاً بالبلد، لقد استقيت الأفكار مما يحدث في الشارع وكلفت بها كتاباً محترفين، انتهجت فيها مدرسة الكوميديا السوداء، التي تسخر من المآسي مفترضة معالجة الأخطاء بطريقة إيجابية من دون تشهير، وهي قريبة من المجتمع بحيث ما زلنا نشاهد هذا النوع من النتاجات السبعينية والثمانينية.”
سامر يعتبر نفسه مخرجاً وحامل رسالة إنسانية تغلف أعماله الفنية، التي يسعى من خلالها الى رضا الناس وشعورهم بتفهمه واقعهم ومشاركتهم الفرح والحزن، إذ يقول:
“في كل عمل أبدأ من جديد، أعمِّق مواضع الجودة وأتخلص من نقاط الضعف، فطموحي لا يقف عند المحلية، بل إنه مفتوح على الزمن، ريثما أتم رسالتي بفيلم عالمي، لكن تشنج الممثل يحول دون الانطلاق من الساحة العراقية، إنه يفتقر الى الاسترخاء أمام الكاميرا، وهذا متأتٍ من غياب منظومة العمل الفني الراسخ، لذلك نحتاج الى تواصل يحفز قدرات الممثل، وتسويق يحقق له شهرة عربية ويوصل صورة السلام في العراق.”
أرفض مهرجانات الاسترزاق
الفن في نظره خطاب جمالي أجدى من السياسة، بدليل أن المسلسلات التركية عرّفت بالسياحة في تركيا، وهوليوود قدمت أنموذج القوة الأمريكية، ما يوجب الدعم الحكومي الذي يمكّن الشركات من العمل الأفضل على حساب الربح الذي يشلّ الفن ويسحقه حالياً، وتوفير نقد موازٍ للإنتاج الفني يعرّف المشتغلين الميدانيين بأبعاد ما قدموا، والكف عن المهرجانات الاسترزاقية؛ لذلك لم يحضر أي مهرجان لأنه -كما يعتقد- ليس من هواة جوائز المجاملة المدفوعة الثمن.
يقول عن آخر أعماله: “مسلسل (كاتم) من تأليف أحمد هاتف، وتمثيل غالب جواد وزهراء سامي، وأفكر حالياً بعمل يناقش واقع الأسرة العراقية (تحت القانون) تأليف الكاتب السوري معن شعباني، سأشرع فيه عقب رمضان..”