رولا حسن /
الطريق إلى البصرة لم يكن طويلاً.. لكن حلمي برؤية غابات النخيل التي تصطف على طرفي شط العرب تبدد، فلا نخيل ولا غابات، فقط ثمة شط ساحر ترتمي مويجاته الصغيرة برفق على صدر المدينة الرحب.
بداية ذهلني العدد الكبير للشعراء الوافدين إلى البصرة، عرب وعراقيون وأجانب، وذهلني أكثر كثافة الشعراء البصراويين حتى ليخيل للمرء أن كل من في المدينة شاعر.
ضم المهرجان، في دورته الثالثة والثلاثين، أكثر من ثلاثمئة شاعر وشاعرة من دول عربية وأجنبية حيث حمل هذا العام اسماً ورمزاً مهماً في الثقافة العراقية والبصراوية: انه الشاعر الراحل حسين عبد اللطيف، الذي يعد إحدى الحلقات المهمة في الشعر العراقي. وتأتي أهميته بحسب الكثير من النقاد والشعراء العراقيين ليس من كونه شاعراً مهماً، بل من سعيه الحثيث لأن يخرّج أجيالاً شعرية لها أصواتها المنفردة.
خليّة نحل
حول الشعراء المكان إلى خليّه نحل، حيث توزعت القراءات الشعرية للشعراء على سبع جلسات، ضمّت كل جلسة نحو عشرين شاعراً وشاعرة على التوازي، وأقيمت جلسات نقدية مهمة بحثت قضايا تهم المثقف العربي مثل علاقة المثقف بالسلطة والفعل الثقافي، شارك فيها كل من د. نادية هناوي ومحمد أبو خضير وعلي عباس خفيق وصادق الصكر وعلوان السلمان، وأخرى بعنوان (الهوية الوطنية والوعي الاجتماعي) شارك فيها ياسين النصير ود. علي حداد ود. جمعة مطلك وآخرون.. وثالثة بعنوان (الهوية الثقافية في منجز الكاتب إسماعيل فهد إسماعيل) شارك فيها محمد خضير وحسن المطوع وفهد الهندال من الكويت ود.عادل جبار ود.عبد علي حسن والدكتور ضياء الثامري.
أضافة الى جلسة أخرى بعنوان (القصيدة مشروعاً حداثوياً.. حسن عبد اللطيف نموذجاً) شارك فيها د.فهد محسن ونجاح عباس وزهير الجبوري والدكتور حسين فالح وشاكر حمد ومقداد مسعود.
مضامين فكرية
لم يتوقف المربد عند الشعر فقد كان التشكيل حاضراً بقوة عبر معارض تشكيليه احتفت بالتشكيليين العراقيين الذين هم الآن في صدارة المشهد العالمي التشكيلي.
وبحسب الفنان مهدي سبهان: أن الأعمال المشاركة في هذا المهرجان الكبير سجلت تحولاً على مستوى البناء التقني والمضامين الفكرية للصورة الذهنية غير المادية، القائمة على التنظيم الشكلي لحدوسهم الفكرية في الانتقاء الكيفي للمنجز باشتغالات معاصرة في بنيتها بوصفها إبلاغات فكرية بما يتفق مع دلالاتها التعبيرية مع التفاوت في تقنيات الإنجاز للنخب المشاركة ضمن وسيط مادي بعناصره الحسية وحركة عناصر التكوين التي منحت تلك النصوص سمة جمالية.
أما السينما فقد حضرت بخجل في مهرجان البصرة حيث اقتصر حضورها على فيلمين قصيرين الأول عرض في جلسة الافتتاح، وكان عن الشاعر حسين عبد اللطيف يلخص فيه تجربته الحياتية والشعرية، والثاني بعنوان (شيلد) قدمته تربية البصرة– النشاط المدرسي.
البصرة مدينة متخمة بالشعر
للوهلة الأولى اعتقدت أني سألتقي بشعراء عراقيين وعرب، لكن ما ذهلني نسبة عدد الشعراء البصريين الذين تزاحموا على منصات قراءة الشعر، وقرأوا نصوصاً جميلة إضافة إلى أن المدينة تضج بالملتقيات الأدبية والمنتديات التي تعنى بالشعر كملتقى قصيدة النثر الذي يقام على مدار ثلاثة أيام تقدم فيه دراسات نقدية متزامنة مع قراءات شعرية تسلط الضوء على أجيال الكتابة الجديدة. إضافة إلى ملتقى أديبات البصرة ورابطة مصطفى جمال الدين التي استضافت الشعراء السوريين في جلسة خاصة، وطبعاً ذلك على سبيل المثال لا الحصر.
المربد مجسّ الشعر
وجود هذا العدد الكبير من الشعراء على تنوع قصائدهم ولا سيما وجود 60 شاعراً عربياً، ليس تميزاً وإنما التميز الحقيقي هو تبدل الوجوه التي تنتمي إلى أجيال مختلفة، وأنماط شعرية مختلفة، هو ما يمنح المربد هوية المجس للقصيدة العربية من عام لآخر, فهو يقرأ ويحلل ويفرز الجيد من الرديء، ويطرح سؤاله الدائم: هل تطورت القصيدة العربية خلال عام, وما هي ملامحها وهل ظهرت أنساق جديدة، والكلام يعود للدكتور سلمان الكاصد مدير المهرجان.
حضور المرأة الشاعرة
لقد كان واضحاً اهتمام المربد بوجود المرأة، شاعرة وفنانة و..و. إلخ الأمر الذي جعل من تزامن المربد مع يوم المرأة العالمي بمثابة احتفاء بوجودها كإنسان قادرعلى الفعل والتغيير في كل المجالات.
وعلى منصة المربد احتفت المرأة الشاعرة بقصيدتها، حيث قدمت منجزها بكل حرية بغض النظر عن رد فعل المتلقي بالرغم من أن الحضور نخبوي بامتياز، والكلام يعود للشاعرة العراقية علياء المالكي، كما استطاعت أن تبرز قدرتها على استخدام أدواتها الشعرية وطبعاً مسألة الجودة يستوي فيها الشعراء والشاعرات حيث هناك تفاوت دائم في مستوى القصيدة والألقاء بحسب الشاعرة المغربية ثريا مجدولين.
تنوعت القصيدة وكثر الشعراء، وهذا الأمر صحي بامتياز لأنه يعطي الفرصة للشاعر أولاً في اختيار ما يقرأ كما يمنح المتلقي فرصة اختيار ما يحب أن يسمع.
والجميل في كل هذا رغبة الجميع في سماع الشعر وتلقيه.
طغيان القصيدة المنبرية
لقد كان واضحاً سيطرة القصيدة المنبرية والعمودية، خاصة ذات النبرة العالية والصوت الجهوري على منصات المربد بدءاً من جلسة الافتتاح إلى جلسة الختام، ولأن جمهور المربد هو جمهور نخبوي أيضاً غالبيته شعراء صعدت هذه القصيدة إلى السطح ونالت نصيبها من الهتاف والتصفيق، بينما خفتت قصيدة النثر بنبرتها الخافتة وصوتها الهادئ، وظهرت وكأنها خارج السرب، فهي لا تخضع لموسيقى التصفيق ولا موسيقى الإيقاعات القديمة، وإنما تحفل بموسيقى الاستجابة لإيقاع تجارب الحياة وتفاصيلها اليومية الذي يتجدد كل لحظة، كقصائد الشاعرعلي الثويني وجمال نصار على سبيل المثال.
وهنا أريد الإشارة فحسب إلى غياب قامات شعرية عربية حيث اختصرت في الشاعر البحريني قاسم حداد.
بينما غاب شعراء مهمون من لبنان وسورية ومصر ودول أخرى..