نجوى عبد الله/
هي المرة الثالثة التي يحلّ فيها الفنان التونسيّ غازي الزغبانيّ ضيفاً في بغداد، هذه المرة جاء مشاركاً في مهرجان المسرح التجريبيّ. حرصه على تلبية كل دعوة تأتيه من بغداد يردّه إلى ما تحمله بغداد من ثقل رمزيّ في ذاكرته وذاكرة التونسيين عموماً.
انطلاقة الفنان عربياً كانت في مهرجان دمشق المسرحي عام 2009 حيث حقق غازي الزغباني حضوراً مميزاً بمسرحيته (وزن الريشة) بأداء منفرد، ومازال هذا الفنان الشابّ يواصل حضوره الفني في المهرجانات العربية.
سألته عن تجربة مشاركته في أيام بغداد للمسرح التجريبيّ وما تعنيه له بغداد فقال إن “زيارتي لبغداد في أيام المسرح التجريبي زيارة خاصة جداً لأن أعمالي تتماشى والجانب التجريبي الفني من ناحية ولأن بغداد بالنسبة لنا في تونس لديها مكانة رمزية كبيرة فأقل ما يمكن أن نقدمه هو زيارتها وتلبية الدعوة بكل حب”.
أعرف شوارع بغداد وأكلاتها
يضيف الفنان “زرتُ بغداد ثلاث سنوات متتالية وصرت أعرف عديد الشوارع فيها وحتى أماكنها الشعبية وأكلاتها وكنت أتذكر خشية الأصدقاء العراقيين وحرصهم على سلامتنا نحن الضيوف ولكني كنت ولازلت أحب المشي في شوارع بغداد ومشاركة الأشقاء العراقيين في الشارع برغم الإرهاب الذي يجب مقاومته بالحياة ونتحداه بالفن”.
(وهل يمكن للثقافة أن تنتصر على الإرهاب) سألته فأجاب: “بل لا يمكن الانتصار على الإرهاب إلا بالثقافة والفنّ” مؤكداً “الثقافة لا بدّ أن تنتصر في يوم ما على الإرهاب ولا يمكن أن تتحدى الإرهاب واجتثاثه من جذوره إلا بالثقافة والفن لأن الإرهاب يخشى الفكر ولا يخشى الرصاص ويمكن أن نعيش في تونس هذه الحرب وإن لم تكن بنفس شدتها في العراق ونحن في تونس نشيد بتحدي العراقيين للإرهاب وندعوهم إلى نشر ثقافة التحدي وتوعية الناس إلى ضرورة الثقافة كي تحمي الشباب وتحصنهم ضد التطرف”.
كان لنا سؤال عن رأيه بالمسرح العراقيّ، خصوصاً اننا نعرف أن للعراق دوراً مميزاً في مسيرة الحركة المسرحية العربية فقال الفنان الزغباني “واكبت عديد العروض المسرحية العراقية منذ أواخر التسعينات ولاحظت فترة تراجع مفهومة ومبررة بالظروف التي عاشتها البلاد ولكني لاحظت أيضاً في السنوات الأخيرة موجة جديدة من المخرجين الشباب وتجارب شابة مهمة، وهذا يحسب للمسرح العراقي الذي ننتظر عودته إلى سالف إشعاعه”.
وزن الريشة
استذكرتُ معه مسرحيته “وزن الريشة” التي قدمها في دمشق عام 2009 وسألته ماذا كانت تلك المسرحية هي بداية انطلاقه عربياً فقال: “قبل وزن الريشة قدمت العديد من الأعمال التي شاركت بها في أوروبا خاصة، لكن أتفق معك بأن وزن الريشة لاقتْ استحساناً كبيراً وحققت انتشاراً عربياً فكانت موجودة في العديد من المهرجانات ببغداد وعمّان ودمشق والجزائر علاوة على مشاركاتي بها في فرنسا وإيطاليا وألمانيا”.
للفنان غازي الزغباني تجربة في كوريا الجنوبية، وقد حدثنا عن هذه التجربة قائلاً “سنة 2007 أخرجت عملين موسيقيين في كوريا وكانت فترة إقامتي بمدينة سيئول فترة أكثر من ناجحة فنياً وإنسانياً لأنّ الفنان في حاجة إلى الاكتشاف والانفتاح على الثقافات الأخرى”.
أعرف أن الفنان الزغباني أسهم في تأسيس فضاء الأرتيستو فهل كان هذا الفضاء بمجهودك الشخصي؟ وهل مازالت مستمراً في تحقيق نجاحه أم هو يواجه صعوبات في استمراره، سألته فأجاب أن “فضاء الأرتيستو فضاء أسسته سنة 2010 في فترة حساسة من تاريخ تونس تزامنت مع ثورة 2011 وبرغم بعض الصعوبات والمشاكل فهو يشهد تطوراً من سنة إلى أخرى وبرنامجه وطموحاته كبيرة”.
عمل عربيّ مشترك
وبالحديث عن الطموح تبادر إلى ذهني سؤال عن الطموح الشخصيّ للفنان، إلى أي مدى يمكن أن يصلب وهل لطموح الزغباني سقف يقف عنده؟ فقال “أحاول أن أوفق بين السينما والمسرح خاصة والمشاركة في المهرجانات التي أراها فرصة مهمة للقاء فنانين من مختلف الأقطار، ويمكن أن أقول أن السنة تمر بسرعة وأحيانا نضطر للتضحية بمشروع على حساب آخر”.
ـلم يحن الأوان لتقديم عمل فنيّ عربيّ مشترك؟
ـ فكرة المشاركة في عمل مسرحي يضم عديد الفنانين العرب، فكرة وحلم يراودني منذ فترة وإن شاء الله قريباً سأبدأ في التفكير في بعض المشاريع المشتركة لأن همومنا وهواجسنا واحدة.
قلت له لننتقل إلى الحياة الشخصية وما يمكن أن تشكله من تأثير على إبداع الفنان. لنتحدث عن الزواج والأسرة والأطفال هل يمكن أن تكون لها آثار سلبية على عمل الفنان، خاصة أنا أعرف أن تجربة زواجك الأولى لم تكن ناجحة. فقال: “الفنان بحاجة إلى استقرار نفسي ويمكن في بعض الحالات أن تؤثر العائلة على نشاطات الفنان سواء سلباً أم إيجاباً وأنا أحاول أن أكون متواجداً بشكل إيجابي في حياة ابنتي مرام واعتبرها دافعاً لي في بعض الأحيان كما أن الفشل الحياتي في حدّ ذاته تجربة ويمكن استثماره فنياً”.
العراق سيبقى رمزاً وصرحاً ثقافياً
عن مشاريعه الجديدة قال الزغباني لـ”الشبكة”:
أستعد حاليا لإخراج مسرحية روميو وجوليت التي سنقدمها لأول مرة في أيام قرطاج المسرحية في شهر نوفمبر، وأستعد لتصوير شريط سينمائي بعنوان (بختة) في شهر كانون الثاني من سنة 2017″.
لا يرى الزغباني أن الوضع الأمني يشكل عائقاً أمام إقامة مهرجانات فنية سواء في العراق أم في تونس فهو يؤكد إن “أحسن وأنجع طريقة لمقاومة الإرهاب هي الفن والحياة وأعتبر أن من أنجح ما حققته تونس هو نجاح تداعياتها الثقافية التي لم تتوقف برغم بعض الفترات العصيبة وهذا مهم جداً وفيه رسالة تحدّ ورفض للظلامية والتخلف والارهاب”.
ختاماً، سألته إن كانت لديه رسالة يوجهها للعراق ولزملائه المسرحيين العراقيين فقال “أتوجه بدعوة كبيرة للأمل والحياة. لأن العراق سيبقى دائماً صرحاً ورمزاً وأتمنى لزملائي الفنانين العراقيين كلّ التوفيق في الرقيّ بالمسرح والثقافة في العراق عموماً. وأتمنى كل الاستقرار والسلام لكلّ الشعب العراقي الشقيق”.