زياد جسام /
مودّة العلاق معمارية وتشكيلية، تخرَّجت في جامعة بغداد وحصلت على درجة الماجستير في الهندسة المعمارية، مارست فن العمارة واحترفته أكثر من ثلاثة عقود، هي من أوائل المعماريات في العراق، حصلت على كثير من الجوائز المحلية والعربية والعالمية، ارغمتها الظروف على مغادرة العراق عام 2004.
غادرت العراق الذي لم يغادرها واستمر حاضراً في روحها ولوحاتها التي اصبحت ملاذها بعد ان هجرت مع هجرتها العمارة وركزت على الرسم الذي تعده مستوى عالياً من الاحتياجات الإنسانية كونه رسالة جادة ونبيلة، وهكذا انطلقت في رحلتها بهذا العالم الملون، وكرست وقتها للعب على لحن جميل آخر في سيمفونية الحياة.. حاورناها عبر الانترنت وهي في محل إقامتها بالولايات المتحدة..
– نبدأ من آخر ما وصل اليه فنك وإبداعك، وهو اختيار أعمالك لوضعها في دار الاوبرا.. حدثينا عن هذا كيف تم وما وقعه عليك؟
* المنجز الأخير لي هو فوز لوحتي بالمرتبة الأولى، إذ كانت تحمل عنوان “الليل يا ليلى” في مسابقة للأعمال الفنية في الولايات المتحدة الامريكية، على الانترنت، بشهر كانون الاول عام 2020، وهذه اللوحة تحدٍ للوحدة والغربة لتتفجر في الأعماق ابتهالات لجلال الكون وجماله..
أما اللوحة التي اختيرت من المواقع الفنية العالمية لتكون بوستر “ملصق” لأوبرا “فيردي” في هولاندا، كانت في عام 2017، وكانت تحمل عنوان “يا أجمل الأرض”..
إن اختيار أعمالي في نشاطات مميزة كهذه التي تحدثت عنها، يرتقي بالإنسان ويوضح الرسالة النبيلة للعمل الفني المنجز، وهذا ما يجعلني أشعر بأهمية ما أفعله وأعدّه حدثاً مهماً.
– بدأت مشوارك الابداعي مهندسة معمارية ثم تحولتِ إلى رسامة تُعنى باللوحة ورموزها وألوانها.. حدثينا عن ذلك التحول؟
*مارست مهنتي مهندسة معمارية بشغف وحب، لأنها حياة متجددة، وسجل صادق للحياة الانسانية، التي عاشت أمس، وتعيش الآن، التي تحيا في المستقبل. وفي العمارة مارست معظم أنواع الفنون، لأن العمارة هي الأم، وهي المسرح الآمن لإقامة كل الفنون،.. وكان الرسم حاضراً دوماً في مسيرتي المعمارية، عندما اتخذنا القرار الصعب، وهو إغلاق مكتبنا الخاص أنا وصديقتي قبل أن تكون شريكتي المهندسة المعمارية آمال القره غولي، للظروف الصعبة بعد الاحتلال الأمريكي، غادرنا العراق، وهناك منحت وقتي للرسم، لنمنح الحياة لحناً جديداً، يصب في سفر الوجود..
– أعمالك التشكيلية تقع ضمن منطقة التعبيرية الواقعية هل تعمدتِ اختيار هذه المدرسة الفنية أم إن الصدفة هي التي جعلتها تنتمي لذلك؟
*عندما بدأت الرسم كنت أضع لكل لوحة عنواناً.. فاخترت موضوعين، الأول “يا أجمل الأرض” وهي أرض الخير والحب والتاريخ والمعرفة، أرض الجمال، أرض السحر، الارض الموجودة في أعماقنا، أو التي نتمناها، أو قد لا توجد ولكنه الامل في المستحيل..
أما الموضوع الثاني “الحياة”.. فهي مسرح كبير لكل إنسان فيه دور ورسالة يؤديها، وقد تضطره الحياة بلبس قناع واحد أو أكثر، باختياره، أو رغماً عنه، ولكنَّها حياتنا، يجب أن نعمل على أن ننشر ثقافة الحب والعدل والسلام للإنسانية..
لهذا كان أسلوبي في الرسم تعبيرياً ويخضع للفكرة التي تبنى عليها اللوحة..
– هل حققتِ طموحك في الفن التشكيلي؟ وما أهم لوحاتك التي أنجزتِها؟
*الطموح صعب الوصول اليه، ولكننا نجتهد، فإن توفقنا فهذا فضل من الله، وإن لم نوفق، فحسبنا أننا اجتهدنا.. أهمية اللوحة بفكرتها، أحياناً، أوثّق أسطورة، لجمال القيم الإنسانية التي تحكيها، أو الحكمة التي في أحداثها..
من الأعمال التي وثّقت الجمال في التعامل التي أعدّها مهمة لوحه “كوكختي” لأن فيها الحب والوفاء وحسن اليقين ولوحة “لعابه الصبر” التي تحمل رسالة إنسانية، الحكمة، الصبر، حماية الاسرار، ولوحة “البساط السحري” اذا الأيام فارقتنا فلتجمعنا رحلة أسطورية لا زمان فيها ولا مكان، ولوحة “العنقاء” حكمتها الوفاء للوطن، لأنّها حيثما تكون، ترجع إلى وطنها، لتحيا من جديد مقاومة للصعاب كي تبدأ الحياة مرة أخرى، وأيضاً لوحة “القيثارة” معاً نعزف للإنسانية ألحان الحب والخير، وهناك لوحة” المصباح السحري” إذ يحقق الخيال ما لم يحققه الواقع، فلنحلم حتى لا ينقطع الرجاء. ولديّ لوحة بعنوان “اللانهاية” إذ يجب أن نحمل القناديل في كل الأوقات، حتى ننير الجانب المظلم من حياتنا، لأن الزمن يمضي ويأخذ كل الاشياء الجيدة وغيرها إلى اللانهاية، آملين أن نجد حياة أفضل، ملأى بالحب والعدل والسلام.. ومن هنا تأتي أهمية اللوحة وخصوصيتها، بالقيمة الفكرية التي تنير الحياة.
– باختصار شديد، ماذا تعني لك الحياة؟
*في رحلتي الحياتية، اجتهدت كي أصغي إلى همس الطبيعة وسمفونية أنغامها الخالدة، وهي مبنية على نواميس قوامها التوافق والانسجام، ومن جمال الطبيعة وحكمتها تعلمت كيف أجد الضوء في العتمة، وكيف ينور الدرب باشعة العدل والحب والسلام، وأحببت أن أشارك هذه المشاعر وغيرها، لذلك اخترت لغة صامتة للتواصل، لغة الألوان لتخاطب النفس والوجدان، لغة يفهمها الجميع، لذا أحببت أن نستمتع معاً بأعذب ألحان موسيقى الحب والخير المُسخّرة لخدمة الانسانية والمنبعثة من سمفونية الوجود.
– لو خيّروكِ الآن بين العودة إلى العراق أو البقاء في اميركا؛ ماذا ستختارين؟
*لن يطيب لي العيش بغير أرض العراق، ترابه كحل عيوني، ولن يكون له بديل أبداً.