ميسان / نصير الشيخ
أربعة وخمسون لوحة زيتية شكلت فضاءً جمالياً للمعرض السنوي الرابع لجمعية الفنانين التشكيليين العراقيين، فرع ميسان. الذي احتوى تنويعات أسلوبية شكلت مساحة اشتغال كل فنان مشارك.
أربعة عشر فناناً وسبع فنانات، حضروا بتشكيلاتهم البصرية التي عكست رؤاهم وأفكارهم وتطلعاتهم، في تنفيذ هذا العدد الكبير من اللوحات.
قراءة عوالم اللوحات المرسومة بالزيت تشير إلى الواقعية أسلوباً مختاراً لأكثرية الفنانين، مؤكدين انتماءهم للبيئة المحلية، وعلى وفق أن العمل الفني هو تجسيد لما يراه الفنان، لابصيغة النقل الفوري كدرس مدرسي، وإنما بقدرة الرسام على إضافة نوعية لعمله الفني، وبما يمنح اللوحة روحاً جديدة وقدرة على التلقي.
طبيعة ميسانية
المعرض حظي بدعم من قبل جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين، المركز العام، ممثلاً بحضور الفنانين حسن إبراهيم، وسمير مرزا، إذ تحدث الأول عن المعرض في يوم افتتاحه قائلاً: “المعرض هواستكمال للمعارض السابقة، حيث تصاعد المستوى الفني لدى مشاهدتي المعروض من اللوحات. التجارب الشابة اعتبرها إضافة نوعية للحياة الثقافية لمدينة العمارة، لأنها تزيد من زخم الجمال، ومن ثم تطرح تجربتها مستقبلاً بطريقة احترافية.” شاكراً زملاءه على التنظيم الذي وصفه بالرائع.
وتبقى الطبيعة الميسانية مساحة خصبة تلهم الفنانين المشاركين، وتمدهم بالصور والمشاهد، التي تتحول بالفعل الإبداعي لديهم إلى لوحات تكتمل برؤاهم ساعة التنفيذ، وبمهارة تتشكل منها مشاهد بصرية تجد مداها لدى المتلقين، ومن ثم تمارس دورها في الارتقاء بالذائقة لدى طيف واسع من الجمهور.
تنوع أسلوبي
زوايا نظرالفنانين المشاركين وجدت مداها في هذا المعرض، حيث الأهوار وبيئتها المانحة وطبيعتها الثرة، والأسواق الشعبية وتشعباتها، وحركة المارين منها وفيها، والتقاط حركة الباعة نساء ورجالاً، وبما يعكس زاوية نظر الفنان في تصويرمقدار التعب، أو ضنك المعيشة، أو قهر السنين على وجوههم.
التنوع الأسلوبي في تناول الموضوعات وفّر حرية للمشاركين من حيث الاختيار، وطبيعة العمل، وبما يعكس الجانب المهاري والتقني والقدرة اللونية لكل فنان وفنانة، مؤكداً التطور الملحوظ في الأعمال المعروضة.
اللوحات المشاركة في المعرض عكست الدرس الأكاديمي مع مهارة الهواة في تلاقح يشار له بالنجاح، فقد جاءت لوحات دعاء الطائي، وسجى حسين، وفرح حسين، وأفراح هتلر، وإيمان النجدي، حافلة بتعبيرية شفيفة، من حيث الاعتناء باللون، وتوزيع مساحاته وتدرجاته.
مستويات عالية
عن حضوره المعرض، ممثلاً عن جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين، المركز العام، أدلى الفنان سمير ميرزا بانطباعاته قائلاً: “لمسنا جهداً كبيراً، وحضوراً مميزاً للفن في المدينة. واليوم تأكد هذا السعي في مقر جمعية ميسان، والحضور اللافت للشباب، عبر تطور إمكانياتهم للوصول الى مستويات أعلى.” مبيّناً أن الجانب الفني للمعرض غلبت الواقعية فيه على معظم اللوحات المشاركة، وهذه ميزة أشرت – بحسبه – تأثير البيئة الميسانية بصفتها الواقعية على مخيلة وتنفيذ الفنان، حيث وجد المشاركون فرصة إثبات وجودهم عبر الإجادة في رسم اللوحة.
فيما أكدت الفنانة صبا العكيلي تفردها عن المجموعة عبر لوحتين ازدهتا بطاقة لونية مبهرة، إذ شكل اللون الأصفر قدرة في جذب المتلقي أو المشاهد، حيث التشكلات الهندسية بخطوطها التي صنعت لنا موضوعاً عن غزة وصرخة الدماء فيها، والثانية (أعراب على خيول)، بأسلوب أقرب إلى التكعيبية في محاولة لكسر السائد.
أبعاد تصويرية
في الجانب التقني، شكلت معادلة الضوء والظل حوارية جادة في عدد كبير من اللوحات، كونها كشفت عن أبعاد تصويرية للمكان كحيز ووجود، أو بمدى انعكاسهما على وجوه الشخوص المرسومة. وتصدرت لوحات الفنان زاهد الساعدي هذه المعادلة، عبر اشتغالهِ المميز بواقعيتة المفرطة، وهو يلتقط بعين الحاذق حيواتٍ عراقية، سواء كانت أمكنة قديمة تهجع في أزقتها، أو شخوصاً متطامنة مع حياتها البسيطة وأعمالها الشحيحة، أو رصده المتحول إلى مشهد بصري ناطق بالفعل الإنساني، كما في لوحاته عن الأسواق الشعبية.
معاييرُ جمالية
المعرض بدورته الرابعة عكس جدية الجمعية ومشرفيها في اختيار الأعمال المشاركة، وبجودة عالية، ومعايير جمالية تليق بالتشكيل العراقي.
عن هذا قال الفنان فارس اللامي: “هذا المعرض إضافة نوعية عكست أساليب عدة في اشتغالات الفنانين المشاركين في مجال الرسم، بمنحهم حرية التناول في اختيار الموضوعات، وبالتالي إبراز قدراتهم التعبيرية في تقديم كل ماهو جديد، فكانت اللوحة لديهم مساحة تأمل وعطاء وبوح لوني.”
عوالمُ بريئة
الفنان عبد الزهرة وحيد، تناول أجواء البادية، وحيوات الساكنين فيها، مركّزاً على حركة الخيول ورشاقتها، بطاقة لونية مشبعة بالأصفر. في حين قدم لنا الفنان أحمد فياض مقطعية متفردة عن الصناعات الشعبية، بتركيز عالٍ على الشخصيات التي تمتهن المهن الشعبية التي ربما هي قيد الاندثار، ليلتقط الفنان أحمد قاسم مشهداً بصرياً لحياة متحركة من بيئتنا الشعبية وحواريها، يرافقه الفنان كريم محمد، وهو يرصد حركية الحياة العراقية، تارة في السوق الشعبي، وتارة في حياة ساكني الأهوار، بلونيةٍ وتكنيك متفردين. ليجد الفنان الشاب نورالدين زاوية اشتغال بصري آخر، تمثل في لوحتين مشبعتين بتعبير رائع، وهو يرصد الطفولة في سكونها، طفولة تلتجئ الى مكان يمثل عالمها البريء.
واقعية تعبيرية
تبقى اللمسات الجمالية بحسها الأنثوي قاسماً مشتركاً لدى الفنانات المشاركات وهن: أفراح هتلر، وإيمان النجدي، وفاطمة تحسين، ودعاء الطائي، وسجى حسين، وفرح حسين، تمثل حضوراً مبهراً من حيث الاعتناء بالخطوط واختيار اللون، وتجسيد المشهد الواقعي بتعبيرية عالية. تجاورها التنويعات الفنية في لوحات أحمد كاظم، وحيدر العقيلي، وقتيبة حسين، وفلاح الكعبي، ووصفي حسين، وجاسم محمد، وحسن رحيم، وآخرين، بوصفها مساحة تجسيد للواقعية ومساحة اشتغال مستمر.