بعد أن طرقوا باب الشهرة اعتزلوا الفن..

محسن العكيلي

ربما هي الظروف الاجتماعية والسياسية، وربما ظروف أخرى لا يعلم بها الجمهور، التي أجبرت بعض الفنانين على اتخاذ قرار الاعتزال مبكراً، برغم الشهرة والنجومية اللتين حققوهما في بضع سنوات. بعضهم حصل على جوائز مهمة في المسرح والسينما والتلفزيون، وبعضهم الآخر كان متوقعاً له أن يكون رقماً صعباً في الغناء، إلا أن قرار الاعتزال كان خيارهم الأخير.

الصوت الدافئ
قحطان العطار، من أبرز نجوم الغناء العراقي في فترة السبعينيات، امتاز بأدائه الرومانسي الدافئ، قدم كثيراً من الأغاني التي أمست، فيما بعد، مكتبة غنائية ينهل منها الكثير من المطربين العراقيين.
حاز (العطار) شهرة واسعة، بالرغم من اكتظاظ الساحة الغنائية العراقية بالكثير من الأصوات، أمثال فؤاد سالم، وياس خضر، وحسين نعمة، وغيرهم، إلا أن أسلوبه المتفرد في الغناء جعله أسطورة حية يمتزج فيها الفن بالمبدأ.
سافر (العطار) في بداية شبابه إلى الولايات المتحدة، وعاد إلى العراق مطلع الثمانينيات في وقت كانت فيه الحرب العراقية الإيرانية مشتعلة، وبسبب مضايقات وملاحقات النظام المباد ترك العراق، الذي لم يمكث فيه سوى فترة قصيرة، مرة أخرى عائداً إلى منفاه، ليعيش هناك منعزلاً في غربته كنوع من الاحتجاج على ماعاناه الشعب العراقي من ويلات الحروب والحصار والاضطهاد، وكانت أغنية (كل سنه وانت طيب يا وطني الحبيب) آخر ما قدمه في مشواره الفني.
بلبل ميسان
سيناء، اسم يتذكره الكثيرون، تلك الفتاة الميسانية التي وجدت في الغناء ما ينسيها مرضها المزمن، الذي كان سبباً في جعلها الابنة المدللة. أضفى صوتها الشجي جواً من الفرح على بيت العائلة. واحدة من رغباتها كانت أن ينطلق صوتها خارج أسوار المنزل، فتوجهت إلى بغداد للمشاركة في برنامج (أصوات شابة)، الذي كان من إعداد الفنان فاروق هلال، لتترك انطباعاً جيداً لدى لجنة الاختبار، ولاسيما الفنان طالب القرغولي، بعد تقديمها أغنية (آن الأوان) للراحل رياض أحمد.
فتحت تلك الأغنية أبواب الشهرة أمام سيناء هادي، في فترة خلت منها الساحة الغنائية العراقية من الأصوات النسائية، لتبدأ مشوارها الفني بتعاونها مع كبار الكتّاب والملحنين، وكانت أغنية (ظلمتوه بالوصف لمن وصفتوه) كلمات الشاعر حمزة الحلفي وألحان الفنان جمعة العربي، سبب شهرتها على الصعيدين المحلي والعربي.
وفي ظل أجواء الحصار في تسعينيات القرن الماضي، وجدت (سيناء) أن الغناء بات صعباً في تلك الظروف العصيبة، إضافة إلى تدهور وضعها الصحي بسبب مرض القلب، لذلك اعتزلت الغناء ورحلت بصمت تاركة عشرات الأغاني وشهرة واسعة.
نورس العراق
نورس العراق، هكذا كان يلقبها الوسط الفني بعد فوزها بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان قرطاج الدولي، عن دورها في مسرحية (قصة حب معاصرة)، إخراج الفنان الراحل هاني هاني، وتأليف الكاتب فلاح شاكر، وشاركها البطولة الفنان جواد الشكرجي. إنها الفنانة سهير إياد، ملكة قلوب المشاهدين في أواخر ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي. فقد عدّت (إياد) من أهم الفنانات والممثلات العراقيات بعد تألقها في الأعمال الدرامية، ومن بينها مسلسل (المسافر) الذي أدت فيه دور البطولة إلى جانب الفنان كاظم الساهر. غادرت سهير إياد الوسط الفني وهي في أوج شهرتها ونجوميتها، لتستقر في العاصمة الأردنية (عمان)، متفرغةً لحياتها الزوجية وأولادها.
الطب بعد الفن
من منا لم يتفاعل مع قصة الحب المأساوية بين غسق وسجاد في مسلسل (هيستيريا)، الذي أجادت فيه الفنانة تمارا محمود تجسيد شخصية غسق. كما شاركت في بطولة عدد من المسلسلات التلفازية خلال حقبة التسعينيات، منها مسلسلات (عالم الست وهيبة، رجال الظل، حلبة القانون، غرباء، هيستيريا).
في العام 2000 سافرت (محمود) إلى أميركا بعمل فني مع فرقة عراقية، وبسبب خلافات مع الإنتاج تركته، لتستقر في أميركا وتواصل دراستها، وهناك التقت بشخص عراقي يعمل موسيقياً، وتزوجته وأنجبت منه طفلين، أكملت بعدها دراستها لتصبح (مساعد جرّاح).
نادية
أمل سنان سعيد، كانت أول من جمع المهنتين في العراق، عارضة أزياء، وممثلة سينمائية وتلفزيونية، لفتت أنظار مخرجي السينما والتلفزيون، فكانت أول فتاة من كركوك تجسد دور البطولة في أشهر مسلسل عراقي منتصف ثمانينيات القرن الماضي حمل اسم (نادية)، تأليف معاذ يوسف، وإخراج صلاح كرم.
حقق المسلسل شعبية كبيرة آنذاك، لأسباب عدة، أهمها كان الظهور الأول والقوي للفنانة أمل سنان كبطلة للمسلسل الذي شاركها بطولته الممثل والمخرج حسن حسني، كما أنها فازت عنه بجائزة أفضل ممثلة، كانت هي الأولى لفنانة تركمانية من كركوك أسند إليها، فيما بعد، دور البطولة في فيلم (ستة على ستة) للمخرجة خيرية المنصور.
تركت الفنانة أمل سنان الفن، وهاجرت من العراق، مستقرةً في منفاها الاختياري، رافضةً عروضاً كثيرة وكبيرة للعودة إلى الشاشتين، التلفزيونية والسينمائية.