تأثير العالم الإسلامي على الفن الغربي

ورود الموسوي /

المتحف البريطاني يفتح أبواب معرضه “المستوحى من الشرق :كيف أثّر العالم الإسلامي على الفن الغربي” والذي افتتح في العاشر من أكتوبر ويستمر حتى السادس والعشرين من يناير 2020 .وصف النقاد هذا المعرض بأنه محاولة جريئة للنظر الى الفن الشرقي باعتباره تبادلاً ثقافياً ومعرفياً ترك أثره على اللوحات والسيراميك وكتب السفر وكذلك الأزياء الغربية.

يحاول المعرض تقديم الفن الاستشراقي بحلّة جديدة بعيداً عن العنصرية التي كان يتسم بها وبعيداً عن الصورة النمطية التي وثّقها المستشرقون عن المسلمين فسعى المعرض لإبراز الهوية الثقافية الإسلامية والشرقية بتقديم الفن الاستشراقي كنوع من التبادل الثقافي والحوار المعرفي الذي طال بين الشرق والغرب حتى ترك أثره الواضح ليس على الذوق الفني في اللوحات بل على السيراميك وكتب السفر وكذلك بعض الرسوم التوضيحية.
الساحر والافعى
كما يهدف المعرض لإظهار الاستشراق كمحاولة جادة لفهم الثقافات الأخرى من خلال توثيقها ودراستها والتمازج معها وفهمها، وقد يكون نجح نوعاً ما بتحقيق ذلك، لكن اللوحة الأكثر شهرة والتي جاءت غلافاً للطبعة الأولى من كتاب “الاستشراق” للمفكر الكبير إدوارد سعيد (الساحر والأفعى) التي أثارت جدلاً كبيراً حول موضوع الاستشراق حيث تُظهرُ صبياً يافعاً متجرداً من ثيابه يمسك بيده أفعى يعرضها أمام مجموعة من الأثرياء أو الناس المرتادين للبازار للسوق لعرض بضاعته. اللوحة للفنان الفرنسي جين ليون جيرمي والتي رسمها عام 1879 حيث تصور حياة العبيد بشكل درامي به من الواقعية اليومية الشيء الكثير.
لكن المعرض لم يقف عند هذه اللوحة بل جاءت لوحات القرن التاسع عشر مليئةً بالتفاصيل الدقيقة كما في القسم الكلاسيكي حيث نرى لوحةً زيتية بعنوان (صلاة 1877) للفنان فريدريك آرثر بريدجمان حيث يوثق بها لحظة روحية عالية المضامين عند رجل مسنّ بكامل هيبته يقف بين يدي ربه ناظراً نحو السماء ويقف خلفه عابد آخر لكنّ تفاصيل اللوحة تدل على محاولة لفهم ما يدور داخل هذا الاطار حيث نرى العصا الملقاة على الأرض قرب العابد في الخلف بينما الرجل المسنّ يضع نعاله المطوي قرب سجادته.
الدين الحقيقي
ركز المعرض على إظهار الجانب الديني في حياة المسلمين بمحاولةٍ لصد الفكرة السائدة عنهم خاصة بعد الأحداث السيئة التي لحقت بالإسلام كدين وأصبحت النظرة السائدة عن الدين الإسلامي في الغرب بكونه دين عنف ولديه طقوس غريبة فيأتي المعرض ليعزز من صورة الإسلام والشرق بكونه ديناً ومنطقة روحية خصبة لا تمت للعنف بصلة وأن النظرة الأوروبية الخاطئة والمجحفة بحق المسلمين ومشرقهم لابد أن يعاد النظر فيها من خلال الفن ومن خلال ثقافتهم التي أثرت على الفن الغربي بشكل إيجابي.
وبعد قسم اللوحات الزيتية الكلاسيكية يأتي القسم الشرقي للخزف وهو الأكثر جذباً للزائرين حيث يُظهر المعرض تأثير الطراز الشرقي والإسلامي على اللوحات الخزفية وكيف تم استيراد تقنية التزجيج من الشرق الأوسط والصين واليابان.
كما تم تسليط الضوء على تقليد النقوش العربية “الحروفيات” التي لم تأتِ واضحة بل جاءت تقليداً لرسمة الحرف وتحولها لنقش بلا معنى وقد وثقت هذه الحقبة بحقبة المماليك في القرن الثالث عشر والرابع عشر في مصر وسوريا.

الاستغراب والتغريب
القسم الذي يُثير الجدل ما أن تسمع باسمه هو (الحريم) فقد تم التعاون مع متحف الفنون الإسلامية بماليزيا لإظهار ما يتناسب منه مع صورة المرأة المسلمة والشرقية وعدم إظهاره بصورة مبتذلة فتم تطوير الفكرة والعمل عليها بشكل بعيد عن العري أو النظرة الدونية للمرأة المسلمة.
أما التوقف ما قبل الختام فهو أمام محاولة لإظهار الديناميكية المماثلة من الشرق نحو الغرب. أي “الاستغراب أو التغرييب” حيث تسليط الضوء على خرائط المدن الفارسية المُصممة بأسلوب أوروبي لتبيان هذا النوع التأثيري أيضاً لكنها ستبدو للمتابع أنها مجرد أمثلة على كيفية بداية الشرق في تبني تقنيات البيروقراطيات الصناعية الأكثر تطوراً في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين عندما أصبح السفر إلى أوروبا أسهل من ذي قبل وحين أصبح العديد من العلماء المسلمين او الشرقيين يتعلمون في الجامعات الأوروبية.
أما القسم الأخير من رحلة المعرض فكان من حصة الفن المعاصر الذي يسعى إلى قلب المنظور بالإجابة على السؤال التالي:كيف أخذ فنانو العالم الإسلامي موضوع الاستشراق وتعاملوا معه؟ ولعل هذا القسم لم يكن جديراً بالإجابة لأنه لم يقدم سوى إعادة انتاج للأفكار النمطية القديمة وبثها من جديد، فالصور أظهرت النساء حصراً وهي لفنانات مسلمات أو عربيات، والصور مرة أخرى محدودة بأفكارها، إذ لم تخرج من إطار التركيز على البرقع, والحجاب وبعض التلميحات على موضوعات كالعنف ضد المرأة الذي يربطونه دائماً بالإسلام، وهي صورة نمطية بحاجة لإعادة صياغة وبحاجة لإيجاد بدائل اخرى ضد ذكورية المجتمع والبطريركية.