نورا خالد/
ما يميز طقوس عاشوراء التي تستذكر فاجعة الطف واستشهاد الإمام الحسين (ع)، هي (الردات) الحسينية التي تؤدى بشكل ترتيلي ديني إنشادي حزين، تكون نصوصها الشعرية مرتبطة بذكرى الاستشهاد والصراع بين الحق والباطل، ورواية ماحدث في واقعة الطف بيوم عاشوراء الأليم بمسارات لحنية وإيقاعية وأدائية تحاكي في مجملها التراث والموروث الموسيقي العراقي.
تؤدى الردات الحسينية بجميع الأنغام والأطوار، إلا أن نغم (البيات) يعد نغماً أساسياً فيها، وتخرج من نغم البيات مجموعة أخرى من الأطوار، مثل طور تخميس بيات، وطور الدشت، وطور النعي البيات، وطور القطيفي الذي يؤدى بأن يكون صدر البيت بنغم (السيكا) وعجزه يقرأ بالبيات. أما النغم الثاني فهو (الحجاز)، إذ تؤدى الردات الحسينية بهذا النغم كنغم أساسي، ويخرج من نغم الحجاز العديد من الأطوار أيضاً، منها طور التخميس حجاز، وطور العاشوري، وطور العراقي حجاز.
مصدر ثراء
الناقد الموسيقي سامر المشعل يذكر أن “الردات الحسينية منشؤها الأول العراق، ثم انتقلت منه إلى الكويت والبحرين وإيران ودول أخرى، لكن يبقى طابعها وريادتها عراقيين، وتعد ثروة نغمية ثرية ومتنوعة.”
موضحاً أن “الجيل الأول من (الرواديد) هم: ياسين الرميثي، ورسول محيي الدين النجفي، والشيخ وطن، وحمزة الصغير، الذين عرفت أسماؤهم في الفرات الأوسط والجنوب. أما الجيل الجديد أمثال باسم الكربلائي وملا جليل ومرتضى حرب وحيدر البياتي، فقد اختلف أداؤهم وطبيعة تقديمهم القراءات الحسينية، إذ كانوا أكثر حداثة من الجيل السابق، فنرى أنهم بدأوا يدخلون المؤثرات الصوتية في تسجيلاتهم وكذلك (الرتم) الإيقاعية والتصوير بطريقة الفيديو كليب، لذا أخذت الردات الحسينية تنتشر بصورة أوسع من خلال الطقوس والمواكب الحسينية، ليبقى هذا النغم مصدر ثراء يمد المؤمنين بالعاطفة ويصور الواقعة بطريقة مؤثرة، إذ إنه جزء مهم من مراسم إحياء شعائر الإمام الحسين (ع) وثورته العظيمة.”
ولا تكتمل الردات الحسينية إلا مع الآلات الإيقاعية والهوائية المتمثلة بالدمام المضلّع والنقارة والطبلة والصنوج والترامبيت والهورن.
وحدة موضوع
للقصيدة الحسينية، كما يقول الشاعر الحسيني حسن الترابي لـ”الشبكة العراقية”، خصوصية ثابتة، هي “انتماؤها لأبي الأحرار وفكره وصموده أمام الظلم، وأهم ما يميزها وحدة الموضوع وتسلسل الأحداث، إذ تكون مرآة تعكس الحبكة الرصينة لدى الشاعر وانعكاس صورة النص على المتلقي، كذلك فإن من أهم مميزات النص الحسيني هو الإطار الذي يقدم من خلاله اللحن المتقن والشعر المحبك.”
يضيف الترابي أن “الردات الحسينية غالباً ما تكتسب نجاحها من درجة انفعال الرادود وما يستخدمه من رموز وحركات تجذب الحضور وتساعدهم في فهم وتصور تلك الواقعة، ليس ذلك فحسب، بل من خلال الإيقاع الذي كثيراً ما يحافظ على علاقة النص بالصورة.”
يعد الرادود النجفي (كاظم القابجي) من أبرز رواد الردات الحسينية في القرن العشرين، إذ كانت (رداته) أو (لطمياته) ثابتتين من حيث التلون الصوتي بإيقاع واحد تقريباً، دون طلوع أو نزول، تنعى سيد الشهداء الحسين، كما أنه ابتكر طوراً خاصا به يقرأ فقط في صباحات العاشر من محرم، وهو طور شديد الحزن عرف باسمه.
جدير بالذكر أن القصائد الحسينية كتبت بمختلف بحور الشعر الفصيح، وفي معظم الأوزان الشعرية الشعبية العراقية، ومن أشهر من كتب القصائد باللغة العربية الفصحى يبرز الشريف الرضي، ومحمد مهدي الجواهري، ومحمد حسين كاشف الغطاء. أما شعراء القصائد الشعبية فهم كثر، منهم جابر الكاظمي، وهاشم الموسوي، ومهدي الكاظمي، وحيدر الحلي، وعبد الخالق المحنا.