أحمد مختار/
واحد من أقدم المعالم الموسيقية إن لم يكن أقدمها على الاطلاق في شارع الرشيد الذي افتتح عام 1916 وأحتفلت أمانة بغداد بذكراه المئوية، هو “تسجيلات جقماقجي” . وتعد هذه التسجيلات من أهم مصادر التراث الموسيقي والغنائي العراقي الموثق صوتياً وأشهر شركة تسجيلات عراقية
حيث كانت اغلب شركات التسجيل الموسيقية التي سبقتها أجنبية، خصوصاً الأوروبية مثل “بيضفون” وبوليفون” و”كراميفون”.
مصلح بنادق
تأسست شركة الجقماقجي في بدايات القرن العشرين واستمرت حتى وقت قريب في مكانها الواقع في بداية شارع الرشيد، أسسها الحاج فتحي چقماقچي، إذ انطلقت الفكرة من هوايته الشخصية في جمع الاسطوانات مع إن الشاب فتحي لم يكن موسيقياً أو مطرباً، بل مجرد مصلح أسلحة بنادق بدائية قديمة مصنوعة في اسطنبول كان يستخدمها الجيش العثماني آنذاك. ومن هنا جاء لقب “الجقماقجي” الذي حصل عليه من اسطنبول ملازماً له حتى وفاته، إذ جاءت التسمية من صوت البندقية عند حشوها خلال عملية التصليح وتجربتها قبل تسليمها الى الزبون، و”جقماقجي” ككلمة جاءت من اللغة التركية وتحولت الى الدارجة العراقية وكانت تطلق على من يعمل في تصليح البنادق في الأسواق وليس في الجيش فقط.
بين القاهرة وبغداد
تأسست الشركة بشكل رسمي في العام 1918 في بغداد بأسم شركة الحاج فتحي جقماقجي وأولاده وفي بدايتها كان الاهتمام منصباً على استيراد المواد والأجهزة الكهربائية ومن ضمنها “الحاكي الكرامافون” والاسطوانات حتى تطور الأمر الى تسجيل أغاني المطربين العراقيين والعرب وقد تعلم اولاد الحاج فتحي اسرار المهنة فأصبحوا كثيري السفر الى القاهرة لعقد الاتفاقات مع المطربين والمطربات لتسجيل اغنياتهم في استوديوهات مؤجرة ثم ترسل الى الخارج لطبعها على اسطوانات وتكون الحقوق محفوظة لشركة چقماقچي.
في ذلك الوقت كانت الأغنيات تسجل على الاسطوانات الحجرية التي تعمل على الكرامافون اليدوي، فعمد الجقماقجي الى تأسيس استوديو تسجيل خاص بالشركة التي أسسها وبدأ بتسـجيل حفــلات المطربين الخاصة في وقت لم يكن هنالك اي استوديو تسجيل في العراق عدا استوديو الاذاعة اللاسلكية، حيث كانوا يستضيفون المطرب والفرقة الموسيقية والكورس معاً ويتم التسجيل ومن ثم ترسل نسخة التسجيل الى معامل صناعة الاسطوانات الحجرية في اليونان ليتم استنساخها حسب العدد المطلوب لتعاد بعدها الى العراق فتتولى الشركة تسويقها و توزيعها.
داخل حسن وحضيري
راجت عملية تداول الاسطوانات أكثر في الأسواق بعد أن أصبحت تصنع من مادة البلاستيك فتوسع عمل الشركة داخل وخارج العراق وزادت شهرتها، ومن أبرز المطربين الذين سجلت اغنياتهم على اسطوانات الشركة، هم داخل حسن، ومسعود العمارتلي، وحضيري أبو عزيز، وناظم الغزالي ووحيدة خليل وبقية المطربين والمطربات.
الذكرى المئوية
وقبل اسابيع صادفت الذكرى المئوية لتأسيس شارع الرشيد الذي شيد مع تأسيس الدولة العراقية الحديثة فقررت أمانة بغداد الاحتفال بافتتاح الشارع بعد أن كان مغلقاً ومهملاً وقد دمرت أبنيته الاثرية بسبب الحروب والإرهاب ولكن كانت الافتتاحية بحفل لفرقة غناء من الهواة وببرنامج غنائي ليس له علاقة بالمناسبة.