زياد العاني
استعار النحات فاضل مسير من مخزونه العقائدي أعمالاً نحتية محملة بفيض من الدلالات والرموز الحسينية، مكنته من إعادة صياغة واقعة الطف وفق أسلوبه ورؤيته وما يحمله من ثقافة عقائدية وفنية.
تأثيرات الفنان (مسير) في الواقعة الحسينية لا تختلف عما قدمه العديد من المبدعين العراقيين وغيرهم، سواء أكانوا رسامين أو مسرحيين أو شعراء أو في أي اتجاه آخر، إلا أن مسيراً قدم تجربته على شكل مجسمات ثلاثية الأبعاد، بأسلوب المحاكاة الرمزية للأشكال، فهي لا تبتعد كثيراً في حسها التعبيري وشخوصها المدروسة بدقة، موصولة بالتخيل والمخيلة الجامحة التي يحملها الفنان، حيث تتضح في منحوتته الأولى رموز وعناصر ذات منحى فكري واضح المعالم يشكل جزءاً من واقعة الطف، التي يقول عنها الفنان (مسير): إن “هذا المشهد واحد من مشاهد اليوم العاشر من محرم، بعد استشهاد الإمام الحسين، ويمثل أهل بيته وحالة الحزن والأسى، مع جوادين، أحدهما كان للإمام العباس (ع)، والآخر لابي الأحرار على التلة الزينبية.”
الحقيقة أنه عمل فني بأبعاده الجمالية الفلسفية، أنجزه الفنان وهو محمل بشحنة عاطفية تعبيرية، وكأنه بمنظومته العقلية يستدعي نشاطه التخيلي بكثافة ليمنح العمل مسحة خاصة في رؤيته الفنية للواقعة الأليمة، وبالتالي إيصال فكرة العمل إلى المشاهد بوضوح.
إرث عقائدي
يؤكد الفنان (مسير) للمتلقي أن فن النحت، بكل المقاييس، واحد من الفنون التي تعتبر مرآة عاكسة لأحاسيس الإنسان وتقاليده وإرثه العقائدي ومنجزاته الحضارية والروحية، وأن التراث الديني للشعوب ليس استعارة صامتة، بل رؤية حدسية شاملة، وأن مكوناته ومفرداته التشكيلية لم تأت من العدم، ولا شك في أن التراث الإسلامي يحوي الكثير من الدلالات والرموز الدينية، وهي بمجملها ترتقي بالفكر والأعمال الفنية إلى مستوى الإبداع والمحافظة على روح التراث والتعامل معه بروح المعاصرة.
كما أنتج مسير عملاً نحتياً ثانياً متمثلا بشخصية الإمام العباس وهو مقطوع اليدين بعد سقوطه عن جوادة، والسهام منغرسة في جسده الطاهر من كل جنب. تراجيديا العمل متكاملة بإنشاء تصويري مفتوح يمكّن المتلقي من فهم الموضوع وفك شفرات رموزه الروحية التي انتقاها الفنان بعناية للتعبير عن الحدث، فقد عمد إلى إقامة علاقة بين ذاته وبين المتلقي للتفاعل الوجداني، عبر اتخاذ شخصية الإمام العباس والمشهد المؤلم وهول الواقعة والحزن الشديد، وهو بذلك يحقق الغاية الأساسية في الربط ما بين الفن وعقيدته الدينية، فالأثر الفني الذي تركه مسير يعبر عن جوهر حقيقة قائمة أكثر، إذ إنه يمثل محاكاة للصورة الواقعية التي تناقلتها الأجيال عبر قراءة قصة الواقعة وما تحمله من مشاهد مؤثرة في كل النفوس.
تجسيد الأفكار
لو دققنا النظر في عناصر أعمال الفنان مسير وتفاصيلها، لوجدنا أن الفنان حاول نقل المشاهد باستخدام تكنيك واقعي مميز، وخلق انسجام وتوافق بين الشكل والمضمون، فعلى الرغم من أن تفاصيل المجسمات قليلة، إلا أنها متداخلة في صياغة المعاني والدلالات التي تجسد الأفكار والرؤى والمشاعر، لتتملك الفنان وتجول في مخيلته وخاطره حول مظلومية سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام ومن معه في معركة كربلاء.
يذكر أن الفنان فاضل مسير أنتج هذين العملين من مادة الطين، التي تعد البناء الأولي للعمل النحتي، وهي بمثابة نماذج أولية تنتظر من يتبناها مادياً لتقام على نُصب كبيرة من مادة البرونز أو أية مادة بديلة، لتشغل مكاناً عاماً أو خاصاً في المؤسسات الدينية.
العمل الأول (جزء من واقعة الطف، بـأبعاد70× 50 × 60)سم، أما الثاني فهو (الإمام العباس مقطوع اليدين، بأبعاد 60×50×40)سم.