عواد ناصر/
لم يكن الصبي النحيف، ابن بائع الحليب، شديد الطموح، أكثر من لاعب كرة بيسبول، ضمن فريق الجامعة، يحقق أفضل النتائج لفريقه.
لم يطل الزمن كثيراً أمام الطالب الجامعي، برغم شغفه بهذه اللعبة المثيرة ونجاحه كرياضي شاب، إذ سرعان ما أدرك أن ثمة ما هو أكثر أهمية له من تلك اللعبة التي ما عادت تلبي طموحاته، حتى قرر أن يهجرها إلى الأبد.
بقامته المديدة وشعره الأشقر وعينيه الزرقاوين كان يولد الانطباع الأولي لدى من يلتقيه بأنه يصلح ممثلاً لأدوار رومانسية في السينما، فما كان منه إلا أن يمضي جل أمسياته، رفقة أصدقائه الذين شاركوه الهواية، في مشاهدة الأفلام التي تعرض في دور السينما بمدينته، سانتامونيكا (كاليفورنيا) حيث نشأ وشب عن الطوق (ولد عام ١٩٣٧).
لم تكن هوليوود، عاصمة الصناعة السينمائية، في متناول أحلامِهِ، برغم أنه بدأ بالنظر إليها من بعيد، متفكراً لا يائساً، وبدلاً من وضع خططه الحماسية لغزو عاصمة النجوم والأضواء والسحر، قرر الهرب بعيداً: رحلة إلى عدد من العواصم الأوروبية، مبدداً الوقت بالتسكع والجلوس في المقاهي والحانات، أو التأمل أثناء استرخائه في الحدائق العامة، على أن مشاهدة ما يعرض من أشرطة سينمائية في دور العرض، هناك، كانت من بين أولوياته.
لم يجد الشاب، روبرت ريدفورد، ضالته في المدن الأوروبية التي زارها، فقرر العودة إلى الوطن الأم، أمريكا، وقصد نيويورك ليلتحق دارساً لفن الدراما في معهد “برات نيويورك” إدراكاً منه لضرورة تدعيم الموهبة بالدراسة الأكاديمية، ولكنه انخرط أيضاً، في الجو المسرحي ببرودواي، متابعاً العروض والنقاشات والمراجعات الصحفية للمسرحيات المعروضة، والتعرف على بعض الممثلين والمخرجين والمنتجين والنقاد، حتى تم له الاشتراك في عدد من المسرحيات وإن بأدوار ثانوية، لكنه جنى من خلالها سمعة طيبة بشأن قدراته الكوميدية، ما جلب له الأنظار وقرّبه من بؤر الضوء.
فرصته الأولى، سينمائياً، جاءت عبر فيلم “غنيمة حرب-War Hunt) عام ١٩٦٢، الذي لم يحقق النجاح المنشود في نظر منتجيه، بل في نظر الممثل الشاب، ريدفورد نفسه، لكن الفيلم كان بمثابة المفتاح الذي سيساعد هذا الممثل الطموح على فتح بعض الأقفال، وهذا ما حدث عندما تعرّف على المخرج الأمريكي سيدني بولاك، وهو من المخرجين المعروفين لا على صعيد السينما، حسب، بل في إخراج المسلسلات التلفزيونية أيضاً، فأخرج له عدداً من الأفلام، بمشاركة نجوم كبار مثل ناتالي وود والكاتب المسرحي الشهير تنيسي وليامز، صاحب مسرحية “عربة اسمها الرغبة” التي تحولت إلى شريط سينمي من أخراج إيليا كازان عام ١٩٥١.
على خلفية نجاحه الفني، إثر تعاونه مع سيدني بولاك، لعب ريدفورد دور البطولة، بمشاركة جين فوندا، في فيلم “حافي القدمين في المتنزه- Barefoot in the park” أُطلق عام ١٩٦٧، إخراج جين ساكس، وهو مقتبس من مسرحية أيضاً، بالعنوان نفسه كتبها نيل سيمون.
الفنان موقفاً
الفيلم يحكي قصة زوجة (جين فوندا) ضاقت ذرعاً بأسلوب حياة زوجها المحامي المحافظ بشكل متشدد، حتى أنه فقد تلقائيته إلى الحد الذي لا يستطيع فيه السير حافي القدمين في متنزه!
لم يرض ريدفورد عن صورة البطل في هذا الفيلم، إلا أن الثنائي فوندا وهو نجحا في تقديم فيلم لافت ومشوق، حسب الكثير من نقاد السينما، آنذاك.
في فيلم “المرشح” بمشاركة النجمة باربارا سترايسند، ثمة تطابق فكري (آيديولوجي) بين رسالة الفيلم وبطله ريدفورد، في الموقف المضاد للمكارثية، التي قادها المرشح الأمريكي (الجمهوري) جوزيف مكارثي، بداية خمسينات القرن المنصرم، عندما أعد قائمة سوداء بأسماء المثقفين والفنانين الأمريكان المتهمين بالنشاط الشيوعي ضد الدولة.
كما أن ريدفورد يعد من المدافعين عن البيئة والحريّة الفردية، كما دوره في فيلم “خارج أفريقيا-Out of Africa” عام ١٩٨٥، مع النجمة ميريل ستريب، وهكذا الأمر مع فيلم “كل رجال الرئيس-All the president’s men”.
جوائز وتكريم
اللافت أيضاً أن ريدفورد لم يحصل على أي جائزة مرموقة إلا عام ١٩٨١، أي بعد حوالي ثلاثين عاماً من كفاحه الفني، واللافت أكثر أنه نالها ليس كممثل بل كمخرج، بعد فيلمه “الناس العاديون-The ordinary people”، وهم فيلم مفعم بالعاطفة الإنسانية والدفء العائلي، عبر ذاك الشعور بالذنب الذي أبداه كونراد (جسده تيموثي هاتن) بعد غرق شقيقه، وشارك البطولة فيه ميري تايلور مور ودولاند ساذرلاند، ورغم أن الشريط يقع في خانة الأفلام التجارية إلا أنه حظي بترحيب النقاد، الأمر الذي دفع بريدفورد، مخرجاً، إلى شريطه الثاني “حرب غلال ميلاغرو- Milagro beanfield war” (١٩٨٧)، ويحكي قصة حرب حول غلال الفواكه والخضر والحبوب في مقاطعة ميلاغرو المكسيكية بسبب المياه، وحصل الفيلم على أربع أوسكارات،
حتى توالت نجاحات ريدفورد فنال عن فيلمه “أناس عاديون” الذي عده النقاد واحداً من أفضل الأفلام خلال عقد من السنوات، بينما فاز فيلمه اللاحق “خارج أفريقيا” بسبع جوائز أوسكار، ليطلق فيلماً جديداً، كمخرج أيضاً، عام ١٩٩٢، ثم رشح كأفضل ممثل لظهوره في فيلم “اللسعة-The sting” ونال جائزة الأكاديمية، مرة أخرى، لمجمل إنجاز حياته عام ٢٠٠٢ وفي عام ٢٠١٠ فاز بجائزة BAFTA، وهي من أرفع الجوائز التي تمنح للأعمال الفنية المتميزة.
في نيسان (أبريل) ٢٠١٤ ضمته مجلة “تايم” الأمريكية في عددها السنوي المئوي واحداً من أبرز الشخصيات تأثيراً في العالم.
(*) الفيلموغرافيا وما يتعلق بالتواريخ الأخرى للأفلام والجوائز من كتاب “The history of the movies” تحرير آن لويد، وإشراف الخبير ديفيد روبنسون، منشورات Macdonald & co ١٩٨٨.
جاء في “ويكيبيديا” أن روبرت ريدفورد مواليد ١٩٣٦ وهذا خطأ، إذ أنه مواليد ١٩٣٧، حسب المصدر أعلاه.