محسن إبراهيم /
المواهب التي تدور في فلك اللامألوف هي مواهب غير اعتيادية تبهرك بأدائها المتقن الرائع. فنان موهوب قادته الصدفة إلى ولوج هذا العالم، شغف بهذا الفن الذي طواه النسيان منذ سنين خلت. شاب في مقتبل العمر يبهرك حين تراه يعمل في ورشته, ما بين الخيط والمسمار تكمن موهبته الحقيقية.
بحرفية عالية استثمر إمكانياته ومواهبه, تتحرك أنامله لغزل أفكار رسمها في مخيلته, يغازل أدواته ساعات طوالاً ليبدع لوحات شخصية وفنية متجردة من كل قيود، تُضاف إلى سلسلة نجاحاته المستمرة في مجاله المتفرد الذي أهّله لأن يكون الوحيد في العراق مَن يجيد فن الفيلوغرافيا..
ما الفيلوغرافيا؟
فن الفيلوغرافيا، أو الرسم بالأسلاك والمسامير، هو فن يتم فيه رسم لوحة إبداعية باستخدام الخيوط والمسامير على لوح خشبي، يكمن سِرّه في الصبر لأنه يأخذ وقتاً في التشبيك والتنسيق وإعادة المحاولات غير الموفقة. في لوحات الفيلوغرافيا تُشد الأسلاك بقوة وثبات لتُعطي فناً جميلاً يلفت الأنظار، إذ تؤلف كتلة لها عناصرها المختلفة المشدودة إلى بعضها في تناغم دقيق وأسلوب مميز في لف الأسلاك الملونة من الأعلى والأسفل لتشكل انعكاسات تجذب المتلقي للتأمل في طريقة وصولها إلى هذا المستوى.
تبدأ الخطوات التي تمر بها لوحة الفيلوغرافيا بتحضير قالب الشكل المراد رسمه، الذي قد يكون لوحة خط عربي، أو شكلاً فنياً، ثم تُدق المسامير على حواف الشكل، بعد ذلك يجري الوصل بين المسامير باستخدام أسلاك نحاسية ملونة أو خيوط، بطريقة فنية، ما ينتج في النهاية لوحة ذات جاذبية عالية.
قصة نجاح
سعيد هويدي.. شاب كربلائي من مواليد 1994، حاصل على بكلوريوس التربية البدنية والعلوم الرياضة، يعمل أيضاً في المجال التطوعي ضمن (منظمة السعادة بالعطاء) الخيرية في كربلاء, اكتشافه لهذا الفن كان بالصدفة المحض، حين اشترك في دورة كشفية في إحدى الدول العربية، وعند انتهاء الدورة كُرم بهدية رمزية عبارة عن لوحة فيلوغرافية بسيطة، احتفظ سعيد بهذه اللوحة وتمعن فيها أشهراً عدة ، بدأ يتعلم ويدرس هذا الفن, أمسك هويدي الخيط بين أصابعه بإحكام، وشدّه بعناية بين (المسامير) التي دقها في لوح خشبي، حتى بلغ مرحلة من الإتقان استطاع فيها أن يفتتح ورشة فنية فيها كثير من اللوحات. يستغرق هذا الأسلوب، المسمى فن الخيوط أو (الفيلوغرافيا)، من سعيد وقتاً طويلاً ويتطلب تركيزاً شديداً، ولاسيما عند رسم الصور الشخصية (البورتريهات) التي يحبها.
منذ أعوام عدة بدأ هويدي رحلته مع الخيط والمسامير, وبعد 100 محاولة فاشلة استطاع أن ينجز لوحاته وتمكن من إتقان هذا الفن الذي يعد من الفنون النادرة في العالم، كما أن من يمارسه ويتقنه من الفنانين قليلون جداً، أما على مستوى العراق فيكاد يكون هو الوحيد من يتقن هذا الفن. في مشغله الصغير تنتشر أعماله وأفكاره التي يترجمها (هدايا) مميزة تحمل قيمها الخاصة, فما بين صورة الراحل أحمد راضي والنجم العالمي كرستيانو رونالدو، ينكب هويدي على إتمام مشروع جديد يستهوي رغبات مواطن قرر أن يحتفظ بصورته الخاصة مشغولة بالخيط والمسمار، نلاحظ من أعماله التي يتحدث كل عمل منها عن نفسه بطريقة وهندسة مختلفة، للوهلة الأولى نظن أننا أمام عالم جديد يتوخى الدقة والجمال والذوق الفني الرفيع، وهذا ما يراه ويصنعه بالتقنية الإبداعية الفنية التي تولد ثقافة جديدة وعشقاً وإتقاناً للعمل.
يقول سعيد عن هذا الفن إنه ظهر في السجون في العهد العثماني حين كان التسلية الوحيدة للسجناء لقضاء مدة عقوبتهم، وهذا النوع من الفنون يتطلب الصبر والتركيز.
وعن أعماله وتصاميمه الفنية الجميلة يقول هويدي: “إن هذا الفن أصبح مصدر رزق لي لأنه فن فريد من نوعه في العراق، ولأول مرة يظهر في كربلاء حيث حظي بإقبال واسع من المتابعين والناس.” كما يرى سعيد “أن في داخل كل إنسان خزيناً من القدرات والمواهب، لذا يجب استثمار قدراته وإمكانياته من أجل النجاح في الحياة. يذكر أن كل لوحة من هذا الفن تحتاج مئات المسامير، إذ تبدأ المرحلة الأولى برسم اللوحة بالمسامير ثم بعدها أبدأ بالتشبيك عبر الخيوط التي تختلف ألوانها وفق كل لوحة، ولا أتوقف عند رسم الوجوه بل أتعداها إلى الرسم بالكلمات والتعابير التي تضفي الخيوط عليها رونقاً مختلفاً.”
يتمنى سعيد هويدي أن يقيم معارض خارجية ونشر هذا الفن داخل العراق وخارجه.