حيدر النعيمي/
منذ 67 عاماً وهي تبحر في عالم الفن، بدأت رحلتها بثبات وإقتدار ومازالت بذلك الألق والسطوع، يلتفّ حولها المحبون أينما حلت وأرتحلت، فكيف لا وهي من أسرت القلوب بأدوارها الدرامية المهمة، فمن ينسى “سماسم” في “ليالي الحلمية” و”عدولة” في “أرابيسك”، من ينسى النجمة الرائعة سهير المرشدي؟
زياراتها للعراق لم تنقطع وها هي تعود إليه بمناسبة انطلاق مهرجان السليمانية الدولي للفيلم. التقتها “الشبكة “ فكان هذا الحوار.
عراق الحضارة
ها أنتِ مرة أخرى في العراق، فأنتِ دائمة الحضور كلما سنحت الفرصة لكِ؟ قلنا للفنانة القديرة فأجابتْ: “نعم. لديّ علاقات طيبة مع العراق، فأنا عاشقة لبلد الرافدين، ونحن لدينا مشترك مهم جداً عندنا في مصر نهر النيل وعندكم نهرا دجلة والفرات، وبلاد الأنهر هي بلاد الحضارات، فالحضارة المصرية متاخمة للحضارة العراقية أرض سومر وبابل وآشور.
لكنْ هل العراق الحضاريّ هذا مشابه لعراق آخر يظهر من على شاشات التلفزيون؟ سألتها: هل العراق الذي تعرفينه بهذا الفهم العميق هو ما ترينه في الإعلام؟ فقالت:
“طبعا لا، هنالك دعاية مغرضة جداً تصوّر أن الحياة يسيطر عليها “داعش”، لكني حين رأيت العراق ينبض بالحياة اطمأنّ قلبي، وخصوصاً لما رأيت زملائي الفنانين العراقيين”.
أنا أتفرّج فقط!
الفنانة المرشديّ منقطعة عن الشاشة الصغيرة بعد أن قدّمت فيها أعمالاً خالدة. سألتها عن سرّ هذا الانقطاع الطويل؟ قالت:
“كلّ مرحلة تعبّر عن نفسها, فعندما يكون هنالك فنّ وإبداع حقيقي يكون هناك فن على كل المستويات، ولن يتطوّر الفنّ فحسب بل يشمل التطوّر المجتمع كلّه.
وأين أنت من كلّ هذا؟
تقول: أنا الآن أتفرج!
وما دامت الفنانة الكبيرة “تتفرّج” على ما يحدث كان لا بدّ لنا من سؤالها عمّا تتفرج عليه،ورأيها بما يعرض اليوم من أعمال درامية، فكان جوابها يحمل نبرة أسى:
“أشبّه ما يعرض اليوم بـ”الوجبات السريعة”، وأنا لا أنتمي لهذا الفن، أسميه الفن المخدر أو المرطب. أنا ضده تماماً. أنا مع الفن المنعش للذاكرة، الذي يحمي ذاكرة الأمة ويؤكد وجودك، لا أتكلم عن أفراد بل على قيمة. فأنا أنتبه لفنّ الإضافة لأن الفن متعة وثقافة، أنا مع القيمة الفكرية حيثما كانتْ وأنتمي إليها.
هل يستعاد الزمن؟
هل يمكن استعادة الزمن الجميل؟ سألتها إنْ كان ممكناً إعادة الأعمال الدرامية السابقة بأسلوب جديد مغاير، فكانت إجابتها حازمة:
“أنا ضدّ هذه الفكرة، ضد إعادة إنتاج الأعمال السابقة تماماً.
والسبب؟ تقول موضحة: “لأن ليالي الحلمية ـ مثلاً ـ بصمة بكافة المشاركين فيه؛ ومن الخطأ أن يكون هناك جزء سادس بدون وجود المخرج والمؤلف الأصليّ. أنا من المعارضين بشدة لهذا الأمر، فهل من المعقول أن يأتي أي أحد ويقول سأعمل الجزء الرابع بدل نجيب محفوظ الذي عمل ثلاثية “قصر الشوق، بين القصرين، السكرية”، هل من المعقول أن يعمل إضافة لنجيب محفوظ؟”.
ـ متى باعتقادك يحصل الفيلم العربي على الأوسكار؟
ـ عندما يكون الفنّ العربي أسخن من الواقع العربي!
ـ تقولين :”أوافق على نصّ إذا…”
ـ إذا أعجبني. مثل نصوص بشير الديك وأسامه أنور عكاشة ومحفوظ عبد الرحمن.
شرط تعجيزي
ـ هل هنالك عمل جديد في المدة المقبلة؟
– لو كانت هناك أعمال على شاكلة أدواري السابقة. لأنه من الصعب أن أوافق بسهولة بعدما عملت “سماسم” في ليالي الحلمية و”عدولة” في أرابيسك، وغيرها الكثير، وكذلك عملت في المسرح الشعري مع عبد الرحمن الشرقاوي وصلاح عبد الصبور وعملت مع كبار المخرجين مثل يوسف شاهين في “عودة الابن الضال” وبركان في “حكاية بنت اسمها مرمر” وصلاح أبو سيف في “الزوجة الثانية” أو “القاهرة ثلاثين”، عملت مع هؤلاء الأساتذة وهم من حببوني الفن إليّ وجعلوني اعتنقه. اعطني أساتذة مثل هؤلاء وسأعمل من جديد.
قلت: هذا شرط تعجيزي؟
فضحكتْ: نعم هذا شرط تعجيزي.
مهرجان السليمانية
ـ لنتحدث الآن عن مهرجان السليمانية الدولي للفيلم في دورته الأولى، كيف وجدته سهير المرشدي؟
– كدورة أولى كان المهرجان مبشّراً. هذه حقيقة، أقول للقائمين عليه ابشروا. وإن شاء الله سيكون لهم الاستمرارية. لاحظتُ الاجتهاد والانتشار والتنظيم العالي كما لفت انتباهي مسألة مهمة، وهو أن المهرجان يقام في داخل الحرم الجامعي، وهذا يعني أن الفن جزء أساس من الثقافة والتعليم، إذ التميّز يبدأ عندما يكون لك قيمة ويجب أن يبقى الفنان مثقفاً وصاحب رأي وقضية، ولذلك ترى أن الحضارات القديمة لها فنّ، فالمدّ الثقافي الفني وهو ما يكوّن الحضارات.
في خاتمة الحوار وجهتْ الفنانة الكبيرة تحية لجمهورها العراقيّ
وقالت “نحن العرب يجب أن نتواصل ونكون قلباً واحداً لنستطيع استعادة مجدنا وعروبتنا. أريد من الشارع العربي أن يكون طويلاً وممتداً مليئاً بالورود والأشجار ويكون أساسه الفن والثقافة”.