هند الصفار/
لعبت الدراما التاريخية دوراً مهماً في تعريف الناس بالتاريخ، وتضمنت معلومات تاريخية ربما استند إليها المشاهدون في حفظ إرثهم الحضاري. ليس هذا فقط بل إن الدراما أثرت بشكل كبير في الناس، ولاسيما ما تعلق منها بالدين، وأبسطها مثلاً اختيار أسماء لأبنائهم من شخصيات المسلسلات والأفلام، كمسلسل نبي الله يوسف، والمختار، ولا إله إلا الله، وعلى هامش السيرة، ومحمد رسول الله، وجواد الأئمة، وغريب طوس، ووا إسلاماه، وصلاح الدين الأيوبي، وهارون الرشيد، وغيرها الكثير.
ولم تقتصر الدراما التاريخية على التاريخ الإسلامي أو الديني، بل إن هناك دراما وثقت وأرخت لأحداث تاريخية، قريبة كانت أو بعيدة، مثل الحروب والأحداث السياسية الأخرى، وكلها تقدم معلومات تمس تاريخ المجتمعات، فهل كانت فعلاً مؤتمنة على المعلومة التاريخية؟
يتحدث الدكتور (أحمد الخميسي)، كاتب ومترجم مصري، عن مسؤولية المعلومة في الدراما التاريخية: “لدينا مشكلة دائماً ما بين الدقة التاريخية وما بين وجهة النظر، فعندما نعود إلى التاريخ لتحويله إلى مادة فنية، فإننا نبحث عما يشد أزرنا في الواقع الراهن وتغيير واقعنا نحو الأفضل، فعندما كتب نجيب محفوظ ثلاثيته، فإنه أسقط فعلياً أحداثاً تاريخية على واقعه، إذ قال (أدركت أني أكتب عن اللحظة الراهنة، وليس عن التاريخ، فاتجهت إلى معالجة قضايا الواقع الراهن.)” ويضيف: “علينا حين نكتب دراما تاريخية أن نتوخى الدقة في كل التفاصيل وألا نقع في أخطاء بوجهات النظر، ولا في نقل المعلومة، فنحن نعاني من مأزق الدقة في الحالتين.” كما تحدث عن دور الرقابة في تحديد مسار الدراما التاريخية، “فهي التي تسمح أو لا تسمح في استعادة هذا الجزء من التاريخ أو ذاك، لأن بعضها ربما يستثير الشعوب لمعارضة هذا الحكم أو ذاك. ولا أستطيع أن أدعي أننا في المنطقة العربية لدينا مسلسلات درامية تاريخية ذات مستوى رفيع، ربما هناك عمل أو آخر، وربما ما قدمته الدراما السورية كان أفضل مما قدمته الدراما المصرية التاريخية.”
أما الحيادية فهي غير موجودة -حسب وجهة نظر الخميسي- لأن المبدعين يتناولون التاريخ ليعبروا عن وجهة نظرهم، والحيادية هي نقل التاريخ كما هو، ولهذا لا توجد في الدراما التاريخية حيادية، فلابد من أن الكاتب أو الفنان لديه رسالة محددة يريد إيصالها إلى الجمهور من خلال العمل التاريخي، ولهذا فإن الميول هي التي تتحكم في صنع الدراما وتتخذ التاريخ وسيلة لها، والنتيجة تكون عملاً درامياً تاريخياً ليس حيادياً ولاتاريخياً حقاً.”
أما السيناريست المصري (أحمد جودة) فقد تحدث عن المصادر التي يعتمدها كسيناريست في كتابة عمل تاريخي درامي حيث قال: “أسعى للحصول على كل المراجع التاريخية المعتمدة والمتاحة، ومهم جداً أن تكون منوعة أيضاً وتحمل كل وجهات النظر المؤيدة والمعارضة، وفي النهاية تتكون المعالجة الدرامية. ” يضيف جودة :”تجدر الإشارة هنا إلى أن الأولوية تكون للضرورات الدرامية، ويجب أن يعي المتفرج أنه يشاهد فناً، لا محاضرة أكاديمية، ولا يعتمد على المسلسل الذي هدفه المتعة ليكون مصدره المعلوماتي ولا يحاكمه من زاوية الدقة التاريخية.”
أما عن وجهة نظر الكاتب في كل عمل درامي يقوم به، فقد تحدث جودة بقوله: “إن الفن وظيفته أن يحمل وجهة نظر مبدعه، ولا يوجد فن محايد وإلا سيكون فارغاً، أي بمعنى اختر أي حدث في التاريخ وستجد انقساماً في الآراء عند تناوله، لكن المهم أن يكون السيناريست صادقاً مع نفسه ولا يكتب إلا ما يرتاح له ضميره.”
ويؤكد جودة أن “الرقابة على الأعمال التاريخية وغيرها موجودة، لكن الأعمال هذه أصبحت قليلة بسبب ارتفاع الكلفة الإنتاجية بسبب تهيئة ظروف وبيئة ومناخات الحقبة الزمنية التي يتناولها، إضافة إلى تراجع شعبية مثل هكذا أعمال حالياً.”
وفي متابعة لبعض الأعمال التاريخية وجدنا مثلاً مسلسل (غريب طوس) الذي يتحدث عن حياة الإمام علي بن موسى الرضا (ع)، وهو إنتاج إيراني، ومسلسل (باب المراد) الذي يتحدث عن الإمام محمد الجواد (ع)، وهو إنتاج بحراني، ولأن الفترة تقريبا ذاتها، وهي فترة حكم المأمون فإننا نجد أن شخصية المأمون في العمل الأول تختلف عن شخصيته في العمل الثاني، وهذا يصادق معلومة أن الرسم الدرامي يتبع أهواء الجهات المنتجة ومنفذي العمل. وهذا ما أكده الفنان العراقي حسين عجاج، الذي قدم عدداً من الشخصيات التاريخية في أعمال متعددة، منها شخصية (ابن الرشيد) في مسلسل (باب المراد)، وهي شخصية لم نقرأ عنها في التاريخ، الذي يكون مقرباً من المأمون ويموت بعمر مبكر، وشخصية (صخر) في مسلسل (إمام الفقهاء) -وهو إنتاج كويتي بحراني مشترك-، ويكون ملازماً للإمام موسى بن جعفر، فقد قال إن “العمل الدرامي يفرض أحيانا حتى إضافة شخصيات وهمية وتحوير مصيرها الدرامي حسب وجهة نظر منفذي العمل من الإنتاج والكاتب والمخرج، كما حصل في شخصية (صخر)، إذ إنها شخصية وهمية، وكان مقرراً لها أن تموت، إلا أن المنتج أصر على إبقائها وإضافة مشاهد لها إلى نهاية الحلقات.” ويرى عجاج أن “المخرج يمكن أن يغير بحرفية، وعنده ينتهي دور الكاتب والممثل والفنيين، لأن رؤيته للعمل هي التي تنفذ وإن كان المخرج هو الذي يترجم ما كتبه المؤلف ويحوله إلى حركة وإحساس.”
“إن الخط الدرامي الذي لا يؤثر على سير الشخصية التاريخية هو مباح درامياً.” هكذا يرى حسين عجاج، كما أنه يتمنى أن تكون هناك أعمال تاريخية حقيقية ترمز إلى الإرث الحضاري العربي والعراقي تحديداً.
“التاريخ لا يمكن تحويله إلى دراما بصيغته المكتوبة فقط، لأنه يخلو من تفاصيل كثيرة يحتاجها العمل الدرامي، ولهذا أباح العاملون في مجال إنتاج الأعمال التاريخية لأنفسهم التلاعب بالمعلومات التاريخية، وربما تحويرها بما يتناسب والهدف من تنفيذ العمل الدرامي هذا ما أكده العاملون في مجال الدراما الذين التقينا بهم وأجمعوا عليه.
حتى أن تنفيذ فلم (مهمة في إيلات) –مثلاً-، الذي يتحدث عن تفجير ناقلتين إسرائيليتين من قبل فريق الضفادع المصري، فقد أكد منفذو العملية الحقيقيين، في لقاءات متلفزة، أن الأحداث لم تكن كذلك، بل إن الفلم دمج ثلاث عمليات قتالية في مهمة واحدة، وأنتج الفلم على أساسها. وهكذا الكثير من الأعمال الدرامية التي توثق الأحداث التاريخية بمختلف توجهاتها.
وتبقى الدراما التاريخية مثار جدل واسع، ولكن بالتأكيد لن تكون مصدراً موثوقاً للمعلومات التاريخية، وعلى المتابع أن يتوخى الحذر في اعتماد المعلومة وأن يبحث في المصادر التاريخية المعتمدة حصراً لمعرفة الخبر التاريخي والمعلومة المهمة.