رجاء الشجيري /
الفنون والحداثة، متلازمة تعزز الإبداع السمعي والبصري لأقصى مديات الجمال، والسينما إحدى نوافذ الفنون المهمة، التي قدمت لنا التكنولوجيا فيها تقنيات أفلام الأنيميشن، وذلك بخلق أحداثها وأبطالها ونقلها من الورق إلى شاشة السينما مروراً بـ(مطبخ الحاسوب).
إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة، بل يحتاج تنفيذاً بتقنيات عالية جداً مادياً، ناهيك عن أدوات البرمجة. لذا كانت مقتصرة هنا لدينا على شباب قلّة جداً يصل عددهم إلى اثنين أو ثلاثة في العراق كله. “مجلة الشبكة” حضرت عرض فيلم للمخرج حسنين الهاني بعنوان (هناك أجمل) لتنطلق في حوار عن مديات هذه الصناعة السينمائية لدينا وعن كيفية تعزيز جهود شبابنا ودعمهم في تقديم هذا الفن ورفده.
أصل الأنيميشن
(المانجـا) هي اللفظ الذي يطلقه اليابانيون على القصص المصورة، إذ أن أغلب الأنيمات هي عـبـــارة عن مــانجــا في الأصل، وعندمــا يجدونها قد لقيت إقبالاً كبيـراً يحولونها إلى (أنيمي).
بدأ الفنانون اليابانيون بتطوير تقنيات الرسوم المتحركة التي انتشرت في فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة بداية القرن العشرين. إلا أن اليابانيين كانت لهم الريادة، برعوا فيها وتفننوا دون سواهم بفرادة عالية، وأبرز ملامح لها كانت في أعمال (أوسامو تيزوكا) في الستينيات. وبعد التطور الهائل في المجال التقني وعالم التكنلوجيا الحديثة والأجهزة المتطورة في صناعة هذا الفن السينمائي في العالم أصبحت إيرادات هذا الفن مئات الملايين من الدولارات في الفيلم الواحد، وأعلى الإيرادات التي تحققت في عالم الأنيمي كانت لفيلم (المخطوفة) للمخرج الياباني الأبرز في عالم الأنيميشن (هاياو ميازاكي) عام 2001 من إنتاج شركة (ستوديو جيبلي) بقيمة 365,481,131مليون دولار، إذ حقق أكبر إيرادات في السينما اليابانية, كذلك فيلم (أفتار) الذي يعد أعلى الأفلام بتكلفته الإنتاجية بقيمة 230 مليون دولار وحقق إيرادات كبيرة بقيمة 2,7 مليار دولار.
المركز الوطني لصناعة أفلام الأنيميشن
الناقد والكاتب د.صالح الصحن كانت له متابعته للشباب في محاولاتهم لخوض هذه الصناعة الجديدة بكل تقنياتها وصعوبة تنفيذها واشتغالها، كما كانت له دعوته في تجمعهم ورعايتهم إذ يقول: في قراءتنا للمشهد الثقافي والفني وفي تماس مباشر مع الشباب وطموحاتهم ونزعاتهم في العمل الإبداعي، ظهر مؤخراً عدد من الشباب المبدعين ممن يجيدون الاشتغال على برامج وأفلام الأنيميشن وتصميم الأشكال والشخصيات والحركات والفضاءات، وبمستوى جدير بالرعاية والاهتمام، وبما أنهم متفرقون ومتباعدون، لا يربطهم أي فضاء أو مكتب أو دائرة أو مكان، لذا أرى من المفيد جداً أن أقدم مقترحاً بتأسيس (المركز الوطني لصناعة أفلام الأنيميشن) وأدعو إلى تأسيس موقع إلكتروني لهذا المركز لجمع الشباب وقدراتهم في المجال تحت مسمى معين ولغرض إشاعة الثقافة الفنية لهذا النوع من الاشتغال، مع نشر أحدث ما توصلت إليه التقنية العالمية في إنتاج عروض الأنيميشن لغرض مواكبة العصر، الأمر الذي يتطلب منا، نحن المؤسسات المتخصصة، دعم هذا المركز بالإمكانات المتاحة وتفعيل دوره كي يكون منتجاً للجمال والقصص والأفكار والقضايا بهوية عراقية تحمل رسائل جمالية إلى العالم.. هذا المركز نقطة انطلاق إبداعي جديدة تستحق الاهتمام والرعاية.
فرع في كلية الفنون الجميلة…
المخرج الشاب باقر الربيعي يسأل: كيف ستكون هناك تجمعات لدعم الشباب في صناعة أفلام الأنيميشن في حين أن العاملين في المجال اثنان أو ثلاثة فقط ممن يجيدونه!؟ يقول: في العراق يفتقر هذا الفن إلى المعدات الحقيقية لصناعة الأفلام بالرغم من أن التلفزيون العراقي صنع فيلماً بعنوان (الأميرة والنهر) في عام 1982، أما التصميم والرسم فأنجزا في ألمانيا، فضلاً عن عدم وجود تخصص في الأكاديميات والمعاهد لصناعة الأنيميشن من الناحيتين التقنية والفنية, وبالرغم من وجود صناع حقيقيين لهذا الفن في العراق، على قلتهم، فإن هناك من تعلم هذه الصناعة بإمكانيته الذاتية عن طريق الدروس التعليمية أو عن طريق الدورات الفنية التي تقام خارج العراق وبتكلفة خيالية, أما من ناحية إدخال فن الأنيميشن في التلفزيون، فقد كانت البداية في قناة كربلاء الفضائية التي اهتمت بهذا الفن اهتماماً كبيراً، على سبيل المثال في برنامج (الرحّال) عام 2012 استخدمت تقنية (الموشن كابجر) لأول مرة في العراق بقيادة مدير قسم الأنيميشن عدي عبد الكاظم، وجرى إدخال شخصية كارتونية ثلاثية الأبعاد ومجسمة بشكل واقعي ومباشر مع المشاهدين وكانت من التجارب المهمة والصعبة من ناحية الإخراج، وقُدم البرنامج لأربعة مواسم ناجحة وحاز على مشاهدات عالية حينها, أما الآن فلا توجد صناعة واضحة لأفلام حقيقية تنافس الأفلام الأجنبية من ناحية الدقة والرسوم الفنية العالية والتحريك سوى فنانين مهمين ولكن معدودين وبتجارب وإنتاج شخصي, ولتطوير هذا الفن يجب احتضان هؤلاء الفنانين وتأسيس فرع في قسم السينما بكلية الفنون الجميلة يدرس الأنيميشن لأهميته الكبيرة في صناعة السينما, ومن غير المعقول أن نصنع تجمعاً أو رابطة لهذا الفن مالم يكن هناك أساس قوي وركيزة أساسية لفن الرسوم المتحركة في الجامعات والمعاهد الفنية.
صُناع (هناك أجمل)
مخرج الفيلم حسنين الهاني تحدث لـ”الشبكة” عن كواليس فيلمه وفكرته وظروف ولادته قائلاً:
انبثقت فكرة فيلم (هناك أجمل) بيني وبين المخرج مهند ناصر وكتب السيناريو الكاتب سعد هدابي على وفق فكرة وخيال سريالي عال، وقد كان التصوير وفق ما نحتاجه من مشاهد يحتاج إلى التنقل بين أربع محافظات ما يستلزم أن تتجاوز ميزانية الفيلم ٤٠ ألف دولار، لذلك رقدت فكرة الفيلم لأشهر وسنوات. ثم تحركت الفكرة مرة أخرى مع تغيير في النص مع بقاء الفكرة الأصل، وبرزت أيضاً عراقيل أجّلته، إلى أن بثت الحياة في الفيلم مع المخرج والمصمم أنس الموسوي وغيّرنا رسم الشخصيات وبدأت أرسم (ستوري بورد) كل لقطة صورة وهو ما يستلزم ١٢ ساعة عمل في اليوم من قبل أنس مع حوار يومي في تطبيق واتساب لمدة ٣ ساعات تقريباً، وبسبب ظروف كورونا وحظر التجوال جرى التنفيذ عن بعد برسم لقطة وإرسالها إلى أنس الذي كان بارعاً في التنفيذ بكل المقاييس.
يضيف الهاني: كان أنس يلوّن ويحرك ويقطّع وينجز كل التفاصيل في صناعة الفيلم وحده، بينما في قناة كربلاء مثلاً كان هناك خمسة أشخاص على الأقل يتشاركون العمل، والحمد لله تم إيصال إحساسي ورؤيتي الإخراجية وإحساس البطل أيضاً في فيلم الأنيميشن مع لمسات الموسيقي البارع أيضاً عارف فؤاد الذي صنع موسيقى تحاكي المادة والصورة الفيلمية.
أما المخرج والمصمم أنس الموسوي فقد كان صاحب شركة (البوابة الذهبية) للإنتاج الفني وله عشرة أفلام أنيميشن: خمسة منها من إخراجه وخمسة أنتجها لمخرجين آخرين.
يقول الموسوي عن الفيلم: (هناك أجمل) كان عاشر أعمالي من حيث الصناعة وعاشر نتاجات شركة (البوابة الذهبية للإنتاج الفني) وأطول فيلم أنيميشن منذ فيلم (الأميرة والنهر) لفيصل الياسري عام 1982 بواقع 11 دقيقة تقريباً.
استغرق العمل في (هناك أجمل) سبعة أعوام.. أما ما يخص تنفيذ الرسوم وتحريكها في شركتي فاستغرق العمل 4 أشهر.
يضيف: أنا منهمك حالياً في أهم عمل من أعمالنا وأطول فيلم من حيث الوقت إذ قد يبلغ طوله20 دقيقة وهو فيلم ( كلكامش العظيم) الذي سيكتمل، إن شاء الله، بعد خمسة أشهر تقريباً، وقد شرعنا في العمل منذ 6 أشهر، وعليه فالزمن الكلي سيكزن قرابة العام.