فرقة الساهر الموسيقية التــــــــــــــي اعتلت صهوة المجد

عادل مكي/
تشكل الفرقة الموسيقية المرافقة للفنان كاظم الساهر علامة فارقة في تاريخ الإبداع العراقي، فهي تضم في ثناياها أفضل وأمهر العازفين الذين يستحقون منا أن نرفع لهم قبعة الإعجاب، فهم كانوا -ومازالوا- رقماً عربياً صعباً في خريطة الإبداع الموسيقي العربي،
ربما بعد الفرقة (الماسية)، تلك الفرقة المصرية التي رافقت أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ، وأدّت أصعب الألحان لسادة التلحين، أمثال السنباطي وعبد الوهاب وكمال الطويل وبليغ حمدي، فهي في الحسابات الرياضية الموسيقية تعد أمهر فرقة موسيقية عرفها العالم العربي، لأنها كانت تضم غالبية أساتذة الموسيقى العربية.
ولادة صعبة
كان من الصعوبة أن تأتي فرقة عراقية جلّ أعضائها من شباب أصحاب مواهب موسيقية متفردة وكبيرة، من خريجي معهد الموسيقى العراقية، لذلك كانوا يتمتعون بمواصفات عالية في قراءة النوتة الموسيقية باحتراف عالٍ، فقد تتلمذوا على يد أساتذة أكفاء، أمثال منير وجميل بشير، وروحي الخماش، وشعوبي إبراهيم، وسالم عبد الكريم، وجلال الحنفي، وأسماء كبيرة أخرى أسهمت في صناعة موسيقيين عراقيين أكفاء شاركوا في محافل فنية عديدة داخل العراق وخارجه، دون أن يلتفت إليهم أحد، رغم مواهبهم الكبيرة.
الساهر يحتضن المواهب
عمل الفنان كاظم الساهر على احتضان هؤلاء المبدعين، وأسس منهم فرقته، وأسهم بالتعريف بهم منذ بداية ظهوره على الساحة الغنائية، بعدد محدود منهم لا يتجاوز أصابع اليد، أمثال الفنان عازف القانون حسن فالح، وعازف الكي بورد فاضل فالح، وعازف الكمان قصي عبد الجبار، وعازفي الطبلة حازم جاسم وبابكين، وعازف الرق محمد لفته.
وراهن الساهر عليهم كثيراً بعد أن أضاف مجموعة أخرى لهم، أمثال عازفي الكمان نوري الجبوري وقيس جمعة، وهيثم كنار عازف الجيتار، وحميد البدري على الساكسفون، وقيس سعد على الأكورديون، وعلي طالب وعبد الحسن علي على الكمان، وحسين عباس عازف التشيلو .. كذلك أضاف إليهم صفاء غريب للإيقاع، ومحمد خميس على الرق، وسالم السامرائي على الناي. كما رافقه منذ البداية أصحابه المقربون الذين كانوا معه في فرقة المسرح العسكري، وكلهم من ذوي الأصوات الهادرة الجميلة، الذين كانوا ومازالوا أصحابه الأوفياء، فكان معهم نعم الصديق والأخ، وهم: صلاح حميد، ومحمود شاكر، ومالك محسن، وشعبان صباح.. كلهم كورال. لقد كان كاظم الساهر يعرف كيف يوظف تلك الطاقات.
فريق واحد
لقد آمن الساهر بهم وبفنهم، وكان يرى أنه مع تلك الوجوه الشبابية الفتية سيحقق النجاح الذي يخطط له بروح الفريق الواحد، وذلك بانضباط عال ومران مستمر. يربت على أكتافهم ويمرح معهم ويشاركهم في كل صغيرة وكبيرة، يستمع إليهم كثيراً ويسأل عن أخبار عائلاتهم، وعن أطفالهم، يحل مشكلاتهم، لأنه يعرف أنه جزء منهم وهم جزء منه. لقد أدرك الساهر أن أعضاء فرقته هم أساس نجاحه، إذ إنهم الجزء المهم والمكمل لنجاحه، لذا لم يبخل عليهم بشيء، فأعطوه ما يريد، وحلّق بهم بعيداً نحو مرافئ الجمال، مذللين الصعاب، لتكبر تلك الفرقة يوماً بعد يوم وتصبح فرقة فنية موسيقية عراقية متكاملة تضم بحدود مئة عازف عراقي رافقت الساهر في أكبر وأعرق مسارح العالم، وطاف بهم في كل مكان محققاً النجاح الباهر الذي كان يصبو إليه.
شهرة عبرت الآفاق
لذا فإن كاظم الساهر يعتبر من الفنانين القلائل الذين حافظوا على علاقاتهم مع أصدقائهم لسنوات طوال، فأعضاء فرقته الموسيقية هم أصدقاؤه المقربون، الذين رافقوه منذ بداياته الأولى حتى الآن، ما كان له الأثر في خلق التناغم فيما بينهم وانعكس على أدائهم في مختلف المسارح، حتى أصبحت فرقته الموسيقية تتمتع بشهرة واسعة بين الجمهور العربي، وصارت أسماؤهم أرقاماً صعبة. أمنوا به وبفنه، برغم صعوبته البالغة. لقد ألهمت هذه الفرقة فن كاظم الساهر التحليق نحو مديات وآفاق جديدة لم تكن معهودة سابقاً في أغانٍ وأساليب جديدة لم تكن موجودة في الغناء العراقي أساساً، كالقصائد الشعرية الطويلة باللغة العربية الفصحى مثل (أنا وليلى، ومدرسة الحب، وزيديني عشقاً، والحب المستحيل) والكثير من القصائد التي كتبها أباطرة الشعر العربي.
صهوة المجد
اعتلت هذه الفرقة مع الساهر صهوة المجد نحو أفق جديد، إذ نزعت عن الأغنية العراقية أسلوبها المتعارف عليه في أن يكون اللحن بمذهب واحد وثلاث (كوبليهات) متشابهات في اللحن والإيقاع، فقد اختلف الأسلوب جذرياً، وصارت الأغنية الواحدة الطويلة بألحان ومقامات متعددة، وإيقاعات مختلفة ومتنوعة، فلكل جملة هناك لحن أو إيقاع، ولكل همسه كان هناك تصوير مموسق مرسوم بعناية فائقة، وتوزيع يقترب من الأسلوب الأوبرالي، فكاظم الساهر صعب المراس وصعب الاختيار، يغير في اللحن مرات عدة، يحذف ويضيف، فهو فنان مهووس بالتجديد والتغريب. لكن كل ذلك لم يثنِ عزيمة تلك الفرقة الفتية، فهي مؤمنة به وبفنه، رغم الإرهاق والتعب الشديد من كثرة التمارين التي تسبق أي حفل فني يروم الساهر إقامته.
أساتذة الأنغام
‎ ‎يتشارك كاظم الساهر مع أفراد فرقته المخضرمين موسيقياً، فهم أساتذة الأنغام والألحان، ولديهم خزين وموروث غني بالمقامات والأنغام العراقية، جعلت من انسجام هذه الفرقة مع قريحة وعبقرية كاظم الساهر محل جدل في العالم العربي، فهم معه لم يأتوا من فراغ، بل من خلال التجارب الطويلة التي صنعت كل ذلك الجمال، لذا حقق الساهر معهم مالم يحققه أي مطرب عربي خلال السنوات الأخيرة. فكان هؤلاء مع الساهر سبيلاً للنجاح والتألق، حتى كاد كاظم أن يكون المطرب العربي الوحيد الذي ترافقه فرقته خلال تلك السنين التي برز فيها وحقق النجاح المتواصل..