في خطوط وزخارف مصطفى العبيدي.. دلالات ورسائل فلسفية

زياد جسام/

ثمة رسائل فكرية وقيم جمالية لا نستطيع أن نضعها في اتجاه أو إطار محدد في تجربة الفنان مصطفى العبيدي، لكون التحليل والنظر أفضل من الأطر والأحكام المسبقة والنهائية، التي تقيد أعمال أي فنان بها، فقد أتعب مخيلته وبصيرته بحثاً عن مفردات زخرفية جديدة الى جانب حروفه وألوانه التي أخضعها للتجريب، ليحيلها من التجارب الكلاسيكية الى أعمال حديثة ذات جمال بصري وحسي بتقنيات عالية.
أعمال الفنان العبيدي تدفعنا الى إعادة النظر في لوحات الخط والزخرفة التي اعتدنا أن نشاهد من خلالها تفاصيل الحروف والمفردات الزخرفية الكلاسيكية، إذ نجدها هنا في تجربة العبيدي ذات رؤية جديدة حاول الابتعاد بها عن مسارها الكلاسيكي، وزجها في خانة الفن الحديث. كما ركز العبيدي على جانب آخر مهم هو موضوع المصغرات، فقد امتازت أعماله بصغر أحجامها ودقة تنفيذها، الى درجة يحتاج المتلقي في بعض الأحيان الى عدسات مكبرة ليشاهد ويستمتع بتفاصيلها.
صياغة الحروف
دائماً ما يحاول العبيدي صياغة حروفه ومفرداته بشكل متراص، إلا أنه يترك بعض الفضاءات لإثراء العمل وإعطائه قيمة دلالية فنية وفكرية، توزيعه للكتل والألوان التي يخلطها بنفسه، دون اللجوء للألوان الجاهزة، يجعل العمل متحركاً بين الشكل والمضمون.
لقد استطاع العبيدي أن ينطلق بعقليته الإبداعية المتوقدة الخاصة، باعتماده مفردات مبتكرة، ليفرض نفسه على الوسط المحيط به بشكل لافت، لذلك حاز جوائز مهمة في مجالي الخط والزخرفة.
حقق العبيدي تجربة نموذجية من خلال مشغله وتجاربه الذاتية بهدوء، فهو ينفذ نماذجه الإبداعية بعناية بعيدة عن التكرار، لاشك في أن تجربته هذه فردية لها بصمة تعكس ذاته أمام مرآة الفن، فالســطح التصويري لديه عبارة عن حروف وزخارف، تزدحم فيهما المفردات الزخرفية وتتشكل لصالح ذاكرة مفتوحة لكل من يراها.
اشتغل بذكاء، مستغلاً كل ما لديه من موهبة، وجمع بين الخط والتصميم والخيال ليضعها أمام المتلقي لاستفزاز مشاعر الفرح والبهجة، كلمات او حروف يشكلها بطريقة موسيقية ذات أبعاد فلسفية، وينتقي العبارات والأفكار والمواد والأشكال والفضاءات التي ينسجم معها ويكملها، وجدت أعماله صدى واسعاً لقربها من تكوينه الفكري، ولإمكانية توظيفها في مشروعه الفني لمنطقة أداء أرادها أن تكون متفردة ومتنوعة في آن واحد.
تقنيات جديدة
في تطور أعمال العبيدي المستمر، هناك محاولات للخروج من المألوف، فقد جرب أن يرسم بالزخرفة وجوه شخصيات، ونجح الى حد كبير في هذه التجربة التي تميل الى الغرافيك، هذه التجربة الناجحة تبرز الأفكار والتقنيات الشخصية، التي تحمل في طياتها الكثير من الدلالات، وهي في بعض الأحيان قابلة لأكثر من تأويل من ناحية المتلقي، إذ يراها كل شخص حسب ما يناسب فكره ووعيه الحسي.
لا شك في أن مخاطبة العقل واستفزازه تنتج إبداعات ذات قيم عليا، تستحق أن نطلق عليها اسم اكتشافات ابداعية أو فكرية، وهذه المهمة صعبة لغير الفنان او المبدع في كل مجالات الإبداع والانشغال الفكري.. لا تخلو هذه التجربة من الغرابة في صياغاتها، إذ حاول الفنان أن يجعلها متغيرة المناخ، فهو دائم البحث عن التقنيات الحديثة والإشارات ليوظفها في مكانها الصحيح.
ولد مصطفى العبيدي في الأنبار عام 1977، درس في قسم الخط والزخرفة بمعهد الفنون الجميلة في بغداد، وتخرج فيه عام 2000، وأكمل دراسته في كلية الفنون الجميلة ببغداد حتى حصل على شهادة الماجستير في الاختصاص نفسه. كما عمل مزخرفاً للخطاط الكبير عباس البغدادي وكبار الخطاطين المشهورين في العراق، منهم حيدر ربيع، وطارق العزاوي، ومحمد ماقلي، وكمال الجميلي، وآخرون.. شارك في العديد من المعارض داخل وخارج العراق منذ تخرجه، كما حصل على شهادات تقديرية وجوائز محلية وعالمية، يذكر أنه زخرف مصاحف عدة، ومنها المصحف الشريف الذي خطه الخطاط طارق العزاوي في عام 2007.