ريا عاصي /
أن يشارك مئتان وخمسون شخصاً متابعة فلم في الهواء الطلق لمدة ساعتين، فذلك أمر غير متوقع في زمن الكورونا والسوشيال ميديا. وأن يصبر مئتان وخمسون شخصاً من فئة الشباب على متابعة فيلم، يمكنهم مشاهدته مع عائلاتهم في المنزل أو مع أصدقاء، فتلك دهشة كبيرة بالنسبة لي. لكني حقاً قضيت وقتاً ممتعاً في ذلك الفضاء المشترك، فبكينا وضحكنا وصفقنا معاً للفيلم، وتلك تجربة من أجمل ما مررت به في عامنا الموبوء هذا.
(هلأ لوين) هو اسم الفلم الذي أخرجته نادين لبكي، وشاهدناه معاً في مركز السلام العراقي في الكرادة يوم 27 نوفمبر- تشرين الثاني 2020.
سينما مساواة
يسعى متطوعو مركز بغداد للسلام لخلق مساحة حرة شبابية يمكنها أن تطور قابليات الشباب ومواهبهم وتمكنهم من تطوير مهاراتهم، كما تسعى دوماً لتعزيز مفاهيم السلام والتعايش والقبول بالآخر، أوقفتهم الكورونا فترة زمنية طويلة، لكنها لم تمنعهم من التواصل وإقامة الدورات عبر وسائل التواصل مثل زووم ولايف فيسبوك وغيرها، إلا أنهم بين حين وآخر يقيمون أمسية أو بازاراً ويكتفون بعدد محدد خوفاً من الجائحة.
أحمد عبد المجيد، متطوع ويدير الفعاليات مع مجموعة من المتطوعين، حدثنا قائلاً: “بالرغم من تأثر فعالياتنا السنوية المعتادة بسبب الجائحة، إلا أننا ما زلنا نفتح أبوابنا لمن يرغب بالحصول على مساحة كافية من المكان تتيح له تطوير مهاراته، لذلك لم يكف المكان عن استقبال الموسيقيين الشباب الذين يحاولون إيجاد مكان لتمريناتهم ملتزمين بالقواعد والتعليمات التي تحفظ سلامتهم وسلامتنا معاً كالتعقيم والتباعد المكاني.”
وأضاف: “وبالرغم من عدم انقطاعنا عن التواصل مع الشباب من خلال إقامة دورات تطويرية عبر الزوم وجلسات تثقيفية، إلا أننا شعرنا بحاجة لتخفيف الضغط عن الشباب وفسح مجال للتواجد على أرض الواقع والالتزام بقواعد السلامة. لذا أقمنا في الشهر الماضي بازاراً منوعاً للحِرف اليدوية والمهارات الشبابية، وهذا الشهر كان لنا يوم سينما المساواة بحسب طلب الشباب عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي.”
الحوار عافية
كانت الأمسية عبارة عن قاعتي سينما داخل المبنى، كل قاعة تضم عشرين كرسياً، وتعرض في كل قاعة الأفلام ذاتها وهي أربعة أفلام عالمية قصيرة تتحدث عن التنمر والمساواة والعمل المشترك والقبول بالآخر، وفي كل قاعة كان يجري النقاش بعد مشاهدة كل فلم من هذه الأفلام. الباحثة والمترجمة زينة قاسم كانت من ضمن من أداروا جلسات النقاش تحدثت للشبكة قائلة: “لم أكن أتوقع تفاعل الشباب مع الأفلام لهذه الدرجة، لقد كانت ملاحظاتهم ذكيه وجميلة وتعليقاتهم كانت تنصب في واقع أنهم على قدر كبير من المعرفة وحب التعلم وهو ما يبشر بخير في المستقبل.”
وحوارهم يشعرك بعافية هذا الشباب.
(من فوق النا خل) إلى (تتبغدد علينا)
في حديقة السنتر الذي هو بيت بغدادي بُني في ثلاثينيات القرن المنصرم صفّ الشباب الكراسي وأحضروا المشروبات الغازية والشامية أو (الفوشار) ليعيشوا أجواء السينما التي افتقدوها بسبب الجائحة وليعيشوا طقس السينما في الهواء الطلق.
بعد انتهاء الفلم كان ثمة حفل غنائي أحيته فرقة (لون) التي تجمع في غنائها بين الشرق والغرب من الموسيقى والأغاني. قائد الفرقة المغني حسين تحدث لـ”الشبكة” قائلاً: “مركز السلام قدم لنا المكان لنتدرب داخل فنائه، فأنا أعدّ نفسي ابن هذا المكان لذا أفرح جداً حين أقدم مع فرقتي عروضاً في هذا المركز.”
وأضاف: “عمر فرقتي ثلاث سنوات، ونحن منذ بداياتنا كنا نتجمع ونتدرب لنغني معاً من أجل بغداد السلام، كان يوماً مختلفاً بوجود الأفلام والنقاشات والأجمل صمت الجمهور والتزامه بمتابعة الفلم رغم طوله.”
نور الزبيدي، متطوعة، تقول: “كل عام أقضي ثلاثة أشهر من العمل المتواصل والتدريبات والمحاضرات من أجل العمل والحوار وإعادة السلام لبغدادنا الحبيبة، افتقدت عائلتي الكبيرة، متطوعي السلام، لهذا العام لكني أشارك في كل تدريب ومحاضرة يقيمها المركز عبر الزوم وأنا فرحة جداً بالحدث اليوم لأنه أعادني لعائلتي الكبيرة.”