جبار عودة الخطاط /
“هي ليلة من ليالي ألف ليلة وليلة”… قالها الفنان محمد الزين، في وصف ليلة عرض مسرحية (إبحار في الزمن) من على مسرح (الفوروم دو بيروت)، مضيفا “وحين نقول ألف ليلة وليلة، نتذكر بغداد.. بغداد بكل عمقها الثقافي، وحضارتها التي ستنتصر على كل ما يعترضها اليوم من تحديات، وإرهاب”
الزين الذي حركته لهجتي العراقية غادر قليلا موضوعة المسرحية، فأنساب كلامه المؤثر، ونحن نهم بالخروج من المسرح، بعد مشاهدة العرض الذي قدمته فرقة كركلا الشهيرة، كلامه الدافئ نكأ جرحاً عراقياً، لا يريد أن يندمل.. هو إبحار آخر مترع بالشجن.
الأزمنة الملونة
نبقى في إبحار مسرح كركلا، في الأزمنة والأمكنة الملونة، إبحار بعبق التأريخ والشعر والفن، إبحار في الزمن، أو رحلة الحرير الذي سبق أن احتضنه «معبد باخوس» في مدينة بعلبك، في ليلتين متواليتين، حطَّ رحاله في مسرح الفوروم دو بيروت، في عرض مبهر، وحاشد، تقدم حضوره الرئيس اللبناني ميشال عون، وعقيلته السيدة ناديا الشامي، ورئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري.
قبل بدء العرض، القى الفنان عبد الحليم كركلا كلمة قال في جانب منها: “أن الإبداع اللبناني، في جميع الحقول، كان ينتظر هذه اللحظة ليحمل، كل منا ارزة عز يزرعها في جميع أقطاب الأرض” شاكرا حضور الرئيسين الى المسرح في رسالة معنوية داعمة للفن والمسرح،.. فرقته الذي ذاع صيتها في الآفاق (فرقة كركلا) والتي سيكون الاحتفال بعيدها الخمسين بعد أقل من عامين، قدمت عرضاً مسرحياً مدهشاً عبر توظيف، وإستعادة حكاية طريق الحرير، بعرض انصهر في تلافيفه، الشعر، والرقص، والدراما، والموسيقى من خلال الإبحار في الزمن، وتجسير الرقص بين الماضي والحاضر، وسط عرض ثلاثي الأبعاد جمع، بشكل فني مدروس.. الصورة والكلمة، والموسيقى، مع الحراك الراقص المباشر، على خشبة المسرح، لتقدم(كركلا) للجمهور طبقها المسرحي الاستعراضي الرصين، متواشجاً مع مسار حركة البحّارة، والخيّالة، في رحلاتهم التي امتدت في عرض تقني حرفي، لتختزل المكان، والزمان برحلة تاريخية راقصة مدهشة، من خلال صياغة مشهدية إنسانية، الغت برزخية الجغرافيا والتأريخ، في سرد تضمن سبع لوحات، تفاعل معها الجمهور، فيما كانت أشعار جلال الدين الرومي والخيام، والميجنة، والعتابا، والدبكة الشامية البعلبكية، تصافح اذانهم، وعيونهم وقلوبهم لإيصالهم، الى خلاصة مفادها: لا حضارة من دون الإنسان الذي هو قطب الرحى، وهو سر وجود الحاضر، والتأريخ، وصيرورة المستقبل.
لوحة باذخة الجمال
اشترك في العمل أكثر من 150 فناناً، تضافروا على نسج لوحة فنية باذخة الجمال جالت بالمشاهدين، الذين حبسوا أنفاسهم، وهم يلاحقون المشاهد الخلابة المتعددة المنفتحة، على أرجاء الحاضر والماضي، عبر عدة أمكنة مهمة، في عالمنا الفسيح في صياغة جمالية لافتة، ابدعها فنانون عشقوا الفن المختلف عن السائد، فحصدوا النجاح الحقيقي، فنانون من لبنان، والصين، والهند، وايران قادهم المخرج المبدع ايفان كركلا، فضلا عن الفريق التقني الايطالي من شركة “تكنو إيطاليا” الذي دأبت الفرقة على التنسيق، والعمل معهم في أعمال كثيرة.
ومثل كل مرة، فأن الفنان عمر كركلا، اثار حماسة الجمهور الحاشد بجمال وحيوية الدبكة، التي جسدت الطقوس اللبنانية التقليدية الفولكلورية، وكأني بهذه الدبكة تقول للبنانين اليوم: حذار من التفريط بثقتكم بلبنان الجميل، الذي رسم في ربوعه العهد الجديد -الذي تجاوز الفراغ الرئاسي والحكومي – معالم تفاؤل عززتها فرقة عريقة، أضحت ايقونة، أو مؤسسة ثقافية وحضارية لبلاد الأرز.
طريق الحرير
مخرج المسرحية الفنان إيفان كركلا، قال في ايجاز صحفي: “مسرحية إبحار عبر الزمن، او طريق الحرير، عمل مسرحي بانورامي واسع، كنا قد اعددناه للاحتفال بالذكرى الستين لانطلاقة المهرجانات الدولية لبعلبك، هو عمل مستوحى من حضارات طريق الحرير، التي تعد الجسر الرابط، ما بين حضارات الشرق، والغرب وباختصار المسرحية في ثيمتها، هي كما هو اسمها إبحار في الزمن، نوجه من خلاله، رسالة إنسانية، هي أن عالمنا واحد، وأن اختلفت الأزمنة والأمكنة، بالتالي المسرحية عبارة عن رسالة حضارية ثقافية فنية، من مسرح كركلا إلى مختلف العالم”
ايفان كركلا أضاف: “حكاية المسرحية، تبدأ من بعلبك، وتنطلق متصاعدة إلى طريق الحرير، من خلال عمان، والهند حتى إلى الصين، لتعبر بعد ذلك إلى سمرقند وأصفهان، وشيراز، بعدها تعود إلى البندقية، قبل العودة إلى بعلبك محور المكان والزمان.”
هارموني إيقاعي جميل
العمل من إنتاج مركز كركلا للبحوث التراثية، كتب النص، وصمم الأزياء الفنان الأستاذ عبد الحليم كركلا، وابدعت الفنانة أليسار كركلا في صياغة هارموني إيقاعي جميل لرقصات انبثقت من حضارات معروفة، على درب الحرير، الأمر الذي رسم مشهدية رائعة، زاخرة بتنوع وثراء الخط المسرحي المتصاعد من حضارات عديدة بدءاً من لبنان، حيث بعلبك، وصولاً إلى الصين اذ مرت بينهما بمحطات عديدة وثرية.
شارك في هذا العرض نخبة من الممثلين أبرزهم: هدى حداد، إيلي شويري، جوزيف عازار، نقولا حداد، سيمون عبيد، غبريال يمين، رفعت طربيه، نبيل كرم، علي الزين، روميو الهاشم، مع عميد الفرقة عمر كركلا، وهادي خليل.
رحلة إلى اليابان
الفنان عبد الحليم كركلا أطلق فرقته عام 1968 وكانت الانطلاقة في مهرجانات بعلبك الشهيرة مع 12 راقصاً/ كانوا يؤدون لوحات فولكلورية من الرقص اللبناني. ثم انفتحت الفرقة على الخارج، وبدأت أوّل رحلة إلى “أوساكا” في اليابان حيث جلبت إليها الأنظار، وسجلت نجاحا واستمرت في مسارها المتنامي حتى أصبحت تضمّ اليوم قرابة 120 راقصاً ومؤدياً.