كاظم غيلان/
بعد أن يهدأ الدمع، تأخذ الكتابة لوناً آخر، يشبه الصداقات النبيلة التي تهمل كركراتها وأغنياتها وصيحاتها في زوايا من عمر يلهث، يلهث، حتى تستقر خلاصته في حفرة بمقبرة يدعونها (القبر).
ما أشقى ذلك؟
بالمقبرة الدنماركية، وتحديداً في عاصمتها (كوبنهاكن) استقر كوكب لوحده، بلا آلة العود التي كانت ترافق كتفه، بلا كؤوس، بلا صديق أو نديم. تلك هي النومة الأبدية التي تدفعك للشوق في أن تتحرى عمن كانت “شوفته شباج للقاسم”، حين يغمرك بفكرة الحب ونغمة الأمل، ولربما يهيمن على حواسك كلها دفعة واحدة.. ومن ثم يتوارى.. يبعد.. يريد أن يأفل.. لكنك تصيح به:
“وين يلمحبوب.. وين كلبي يلوب”
هذه الأغنية التي توارى عن الحياة ثلاثيها:
كاتبها ذياب كزار (أبو سرحان)، غيبته الحرب الأهلية في بيروت العام ١٩٨٣.
مؤديها فؤاد سالم. أنهكه المرض وغادر الحياة نهاية العام ٢٠١٣ بدمشق ليدفن في النجف.
وأخيراً.. أكمل لحن النهاية كوكب، ليوارى في الدنمارك.
كل ذلك والأغنية حاضرة:
” الحب جرح بالكلب
ريشه اعله جاري الماي”
بالحب وحده يعيش الإنسان، وما إن تنتهي تلك العلاقة معه حتى يغيب.. يتلاشى.
ليس ذلك الحب الذي يشبه الصدى الباهت للأغنيات -كما يسمونها- التي صنعتها المؤسسات وستوديوهات الصخب والزعيق الرخيص، إنه المصنوع من عسل الأرحام النقية والمواهب العالية، التي تلقفتها مهارات صنعت لنا الجمال الذي يحرسنا من متاهات ونهايات وخيبات، إنه فكرة الأمل التي نبهنا إلى التشبث بها المسرحي العظيم “سعد الله ونوس”.
الأغنية التي أخذ بها إلى رحاب التجديد والمغايرة كوكب حمزة، هي تلك التي تشكلت كواحدة من نتاجات عبقرية الإنسان التي أعانته على الخلق، وذلك ما فات معظم من ادعوا الاشتغال في النقد الفني، فالكتابة الصحفية الإنشائية لعمرها ما كانت سوى سطور رتيبة عابرة، إنها على العكس من المهمة الحقيقية للنقد بوصفه كشفاً عن خفايا الجواهر، الذي هو ليس هياماً ببريق اللحظة وشهوتها الخاطفة.
كوكب حمزة واحد من ثرواتنا الوطنية التي أنتجتها بيئتها الزاخرة بالثراء والأصوات، تحتاج منا دراسة تليق بها، بعيداً عما تنسجه أقلام العاطفة والوظيفة الكتابية.