محسن إبراهيم /
في عام 1947، وفي سن الخامسة عشرة. كان التصوير الفوتغرافي لدى لطيف العاني مجرد هواية، حين كان يعمل مع أخيه في شارع المتنبي، وكان بجوار محل أخيه مصور يهودي يدعى نيسان، كان لطيف دائم الزيارة لمحل التصوير ينظر إلى الصور بشغف وغالباً ما كان السؤال حاضراً في مخيلته عن هذا الفن، انتبه المصور نيسان لشغفه فعلّمَه كيف يستخدم الكاميرا وأسدى له بعض النصائح، ثم حين تنبّه أخوه الأكبر لهذه الموهبة أهداه كاميرته الأولى من نوع كوداك وكلفت في ذلك الوقت مبلغ دينار ونصف الدينار، انطلق الصبي لطيف فرحاً بكاميرته ليوثق الحياة من وجهة نظره، التقط صوراً لوجوه الناس وللنخيل، شاءت الصدف أن تطلب مجلة (أهل النفط) متدربين لديها، فتقدم للتدريب ووظف، وفي سنة 1954 اجتاز العاني دورات تدريبية عدة في التصوير الفوتوغرافي ليحمل كاميرته في رحلة تجوّل بها في العراق وخارجه، ووثق ذلك بالكثير من الصور نشر قسماً منها في مجلة (أهل النفط) منذ سنة 1954 لغاية 1960، وفي تلك السنة أسس قسم التصوير في وزارة الإرشاد- الإعلام فيما بعد، وأثناء عمله وثق العديد من جوانب الحياة في العراق، وفي عام 1963 أقام معرضاً فوتغرافياً لصوره في أميركا بدعوة من جمعية أصدقاء الشرق الأوسط الأميركية، وكانت له مشاركات عديدة داخل العراق وخارجه، ولديه مطبوع سياحي ملون باللغتين العربية والإنكليزية يتضمن قرابة 100 صورة عن العراق.
شغل العاني منصب رئيس قسم التصوير في وكالة الأنباء العراقية، وهو عضو في نقابة الصحفيين العراقيين والجمعية العراقية للتصوير، ويعد أول مصور بتاريخ العراق يلتقط صوراً للعراق من الجو. تجربته تلك كانت أثناء عمله في شركة النفط العراقية التي خصصت وحدة جوّالة خاصة وظيفتها تصوير مساحات شاسعة كالسدود والطرق. يمتد المسار المهني للعاني قرابة الثلاثين عاماً ويعدّ الأب المؤسس لفن التصوير الفوتوغرافي العراقي.
التصوير الجوي
إعلان الحكومة عن طائرتها الجديدة (ترايدنت) كان فرصة ثمينة للعاني، وكان الاتفاق أن يتم تصوير الطائرة وهي تحلق في سماء العراق، ركب العاني في طائرة أخرى ومن الجو شاهد العاني الأشياء بطريقة ورؤية مختلفتين، كان كل شيء مكشوفاً أمامه والألوان تبدو له بصورة أخرى، فشرع يلتقط صوره بالشغف ذاته الذي رافقه في صباه لتظهر فيما بعد معالم بغداد بصورة أخرى.. صورة لم يشاهدها الناس من قبل.
سفير الفوتغراف
في عام 1963 قام لطيف العاني بجولة في الولايات المتحدة الأميركية، حيث عرض 105 صور في واشنطن وشيكاغو وسان فرانسيسكو وسالت لايك سيتي ونيو أورليانز ونيويورك وغيرها، تتحدث عن تاريخ العراق وطبيعته، وقد نال هذا المعرض استحسان الزائرين، وعلقت إحدى الصحف الأميركية أن العراق أرسل سفيره في تلك الصور.
الأردن والكويت والبحرين وفرنسا كانت محطات أخرى للطيف العاني لنقل صورة صادقة عن العراق بمختلف طوائفه ومكوناته. فضلاً عن المعرض الذي أقيم في برلين الشرقية عام 1965 وعرض فيه 80 صورة للمجتمع العراقي، ولاقى معرضه هذا نجاحاً منقطع النظير.
نهاية المشوار
في عام 1976، صدر أمر حكومي بنقل العاني الذي كان مديراً لوكالة الأنباء العراقية إلى خارج قسم التصوير الفوتوغرافي وتعيينه في قسم (صحافة لجان التحقيق)، بسب وشاية من شخص ما. بعد ذلك أدار قسم التصوير الفوتوغرافي لجريدة (دار الجماهير) لمدة عام واحد وقدم استقالته فيما بعد وسافر إلى الكويت، ثم عاد إلى العراق عام 1983، وكان العراق حينها يرزح تحت نيران الحرب. أيقن العاني أن عودة الأمور إلى سابق عهدها أصبحت مستحيلة، إذ لم يعد بوسعه أن يتجول بكاميرته بسبب أوضاع الحرب والظروف القائمة آنذاك، حينها قرر الاعتزال نهائيا.
الآرشيف الصوري للعاني المكون من آلاف الصور في وزارة الثقافة أكلته ألسنة اللهب والسرقة بعد سقوط النظام عام 2003 لتختفي حقبة آرشيفية مهمة من تاريخ العراق.