عادل مكي /
تُعتبر الأغاني بشقيها، اللحني والشعري، منتجاً فنياً بحتاً، شأنها شأن جميع الحالات الإبداعية، فهي حق أصيل لمن قام بتأليفها أو صناعتها، ولا يحق لأي شخص آخر ادعاء ملكيته لها بخلاف صاحبها، ففي ذلك اعتداء على ممتلكات الغير، كمن يقوم بالتعدي على أرض في حيازة الآخرين، أو الاستيلاء عليها.
إذ يجب على الفرد في حالة القيام بتقديم منتج فني أن يكون متفرداً ومميزاً، لا أن يقوم بسرقة جهود الآخرين من خلال الاحتيال لغرض الانتشار السريع بضمانة كونها مادة لحنية غنائية مؤثرة على حساب جهد أصحابها الشرعيين من خلال السطو عليها.
يتميّز الوسط الفني، الغنائي خاصة، بالتنافس المحموم، ومع ذلك فإنّ ازدحام الساحة الغنائية والفوضى التي تناله أحياناً كثيرة، تتسبب بلغط كبير ونزاعات واحتدامات وتبادل اتهامات على سرقة الأغنية الفلانية أو كلمات منها أو لحن ما.
لقد نالت السرقات الكثير من المطربين العراقيين، وهناك أحاديث جانبية لم تظهر للإعلام عن تلك السرقات، لأن معظم أصحابها نجوم كبار، ويدور في الأوساط الفنية أن أهم تلك الأغاني التي كانت لمعظم مطربي الرعيل الأول سجلت بأصوات شبابية أخرى مذيلة بعبارة (تراث عراقي) كي لا تقع تحت طائلة المساءلة. ولأننا في العراق ليست لدينا حماية فكرية للمنجز الفني والأدبي تحمي ذلك الإنجاز، لذا تعرضت الأغنية العراقية للنهب والسرقة في وضح النهار من قبل مطربين عرب كبار، فحسين الجسمي وأحلام وعاصي الحلاني وأيمن زبيب سرقوا معظم أغاني الفنان علي محمود العيساوي وغنوها على أنها تراث عراقي. كما عمدت الفنانة الإماراتية أحلام إلى تقديم أغنيته ذائعة الصيت (بعد ما ربك انطاك) في إحدى حفلاتها بدون استئذان، كذلك الفنان حسين الجسمي قدم في حفلاته موالي (علمته الكتابة) و(صدق مخطوبة) بدون الإشارة الى صاحبها الشرعي. وغنى راشد الماجد وماجد المهندس أغنيته (بعد ما ربك انطاك) في جلسات (وناسة)، كذلك الحال مع المطرب صباح الخياط الذي سرقت معظم أغانيه مثل أغنية (حايرة) التي سرقها أكثر من مطرب، منهم عرب وعراقيون وحتى مطربات عربيات وعراقيات. كذلك أغنية (شالوا) التي غناها الفنان رياض أحمد والمطرب حسام الرسام والمطرب ياس خضر، أكثر اثنين غنوا أغاني الفنان صباح الخياط. كذلك الحال مع الفنان حسين البصري صاحب أغنية (كوة كوة) التي غناها أكثر من مطرب عربي وعراقي. وفي حديث آخر ذكر الفنان قاسم السلطان أن أغنية (البرتقالة) التي أداها واشتهر بها الفنان الراحل علاء سعد كان من المفترض أن يغنيها هو، لكنها سرقت منه في وضح النهار.
وفي حديث صحفي ذكر الملحن العراقي المغترب حميد البصري أن أغنية (خيوه بت الديره) سجلها وصورها الفنان سعدون جابر دون موافقته مستغلاً هجرته السياسية القسرية. ولا يغيب عن المشهد الفنان والملحن جمعه العربي الذي كانت أغنيته (يانورا) محط اهتمام، التي غناها الفنان قحطان العطار لنفس الأسباب، كذلك أغنيته الأخيرة التي غناها عدنان بريسم في برنامج (ذا فويز) (عمري ماكلت للناس محتاج) فقد جرى السطو عليها وغنائها من قبل عاصي الحلاني ومحمد عبد الجبار وآخرين، وكذلك أغنية (سواها وزعل) التي غناها الفنان ماجد المهندس مع ثلاث أغنيات أخريات دون ذكر اسم صاحبها الشرعي الفنان جمعة العربي.
حتى المؤسسة الفنية (الإذاعة والتلفزيون) التي من واجبها الحفاظ على الإرث الغنائي العراقي قد أسهمت بمحو اكبر إرث غنائي لفرقة الإنشاد العراقية بالسطو على الأشرطة الفديوية ومسحها إبان الحصار الاقتصادي كي تسجل عليها خطب ولقاءات (الرئيس المقبور) بحجة نفادها من الأسواق. واستمر مسلسل السرقات الفنية، حتى أن المطربة سميرة توفيق أجاز لها ابن الرئيس المقبور غناء كل الموروث العراقي دون مساءلة من قبل الدولة العراقية السابقة.
بموازاة ذلك الأمر هناك عشرات القصص التي تحكي عن إعطاء بعض الملحنين لحناً عراقياً الى أكثر من مطرب عراقي او عربي، بحجة أن ذلك المطرب لم يعطِ اللحن ما كان يتمناه، فقد أعطيت أغنية (علمني عليك) للملحن فاروق هلال الى المطرب الكويتي عبد الله رويشد الذي سجلها ونفذها في القاهرة، بعدما كانت معدّة للمطرب الشاب الميساني علي عبد النبي، الذي هجر الغناء بعد تلك الواقعة، نعم، إنها اغنية ناجحة وكبيرة أداها بشكل رائع الفنان عبد الله رويشد، لكننا نذكر هنا للتاريخ أنها كانت من نصيب ذلك الفتى لكن تبقى أحقيتها بيد ملحنها الذي رأى أنها أغنية كبيرة تستحق الانتشار عربياً.
الحكايات كثيرة وتحتاج الى أكثر من وقفة استذكار لكن تبقى مهمة النقابات الفنية والموسيقية ووزارة الثقافة العراقية في كيفية إيجاد الحلول الناجعة من خلال القوانين التي تحفظ للمبدع حقوقه الفنية واستردادها من كل الذين استفادوا منها دون وجه حق وإنصاف أصحابها كونهم الشريحة التي بقيت خلف الكواليس وفي الظل، بينما ينعم المطرب او المغني بالرفاهية التي جناها من خلال تلك الأغنيات التي غناها او سرقها بغير علم أصحابها الشرعيين.