الشبكة العراقية/
يعرف عن الروائي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز أن السينما لعبت دوراً كبيراً في تجسيد جميع رواياته وقصصه القصيرة تقريباً، إذ تركت بصمتها على الواقع الذي يمثله. ربما يكون المثال الأكثر شهرة هو المقطع الموجود في روايته الأشهر (مئة عام من العزلة)، إذ ثار فيه سكان (ماكوندو) وقرروا عدم الذهاب إلى السينما مرة أخرى لمشاهدة الأفلام التي تصل إلى القرية، لأنهم يرفضون قبول أن بطلتها ماتت ودُفنت في فيلم واحد، بعد أن ذرفت دموع محنتها بسبب سوء حظها.
غابرييل غارسيا ماركيز عرفه العالم بفضل رائعته (مئة عام من العزلة)، بسبب الترويج للواقعية السحرية بين القراء في مختلف أنحاء العالم، وحصوله على جائزة نوبل للآداب. لكن قليلين يعرفون أنه بدأ حياته المهنية كصحفي مهتم طوال حياته في السينما، أولاً كناقد سينمائي، ثم ككاتب سيناريو، وأخيراً كمدير لمدرسة للسينما.
التأثير الأكبر
من خلال عمله الصحفي، طور غارسيا ماركيز مفهوماً عن كيفية عمل سرد الفيلم، ليس فقط من خلال الحبكة والتمثيل والحوار، ولكن أيضاً في كيفية استخدام الكاميرا في الكشف عن القصة، واعتبر الفيلم الإيطالي الواقعي الجديد (لصوص الدراجات) الفيلم الأكثر إنسانية على الإطلاق. وكان لرواية (معجزة في ميلانو) تأثير أكبر على المؤلف الشاب، بمزجه الواقعية الجديدة والفانتازيا. مهد هذا الفيلم الجميل الطريق لأسلوب غارسيا ماركيز الرائد في الواقعية السحرية.
وسرعان ما أصبح غارسيا ماركيز صديقاً لمجموعة من المخرجين الشباب الذين يتوقون إلى ترك بصمتهم في السينما المكسيكية، التي انتهى عصرها الذهبي في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي. كانت وظيفة ماركيز الأولى هي تحرير مجلتين للمنتج السينمائي غوستافو ألاتريستي. في الوقت نفسه، نشر غارسيا ماركيز روايتين أخريين: (ليس لدى الكولونيل من يكاتبه) (1961) و (ساعة الشر) (1962).
زمن الموت
إذا كان على المرء أن يسلط الضوء على أنجح إنجاز حققه ماركيز ككاتب سيناريو في المكسيك في السنوات التي سبقت نشر رواية (سنوات العزلة)، فليس هناك شك في أنه سيكون (زمن الموت). فقد أشار غارسيا ماركيز بنفسه إلى هذه القصة باعتبارها أول سيناريو فيلم أنتجه بموضوع أصلي، بدءاً من صورة مسدس عجوز تعلم الحياكة خلال سنوات سجنه الطويلة. لكن هناك أيضاً إشارة أكثر لشخصية في القصة: ذكرى عائلية تتعلق بجد المؤلف، العقيد نيكولاس ماركيز، الذي قتل رجلاً في مبارزة بينهما.
تشترك الأفلام الثلاثة التي أخرجها مخرجون مكسيكيون بالتعاون مع غارسيا ماركيز في السبعينيات في نقد اجتماعي وسياسي لا لبس فيه، ما يعكس انخراط الكاتب الكولومبي في السياسة في تلك السنوات. هناك أيضاً جانب آخر يربط بين الأفلام الثلاثة المعنية هو أن تمثيل الواقع يأخذ درجة من الكآبة بحيث يصبح بمثابة كابوس حقيقي. في الفيلمين الأولين، المبنيين على قصص كورالية جماعية، نشهد انحلالاً فوضوياً شاملاً للنظام الاجتماعي، ناجماً عن أحداث مثيرة، مثل الهواجس أو وباء الطاعون.
وسيلة للتعبير
يقول غابرييل “في وقت ما كانت السينما تثير اهتمامي أكثر من الرواية. اعتقدت أنها وسيلة للتعبير جعلت من الممكن الذهاب إلى أبعد بكثير مما هو عليه الحال مع الأدب.” ويضيف: “أستطيع أن أضمن أن جميع القصص الواردة في فيلم (مئة عام من العزلة) تقريباً قد مرت على مكاتب منتجي الأفلام، الذين رفضوها قائلين إنها غير واقعية ولن تروق للناس. في ذلك الوقت شعرت بخيبة أمل شديدة. شعرت بأنني في غير مكاني بعالم السينما الى درجة أنني بدأت في كتابة تلك الرواية التي كما قلت دائماً إنها مكتوبة ضد السينما، بمعنى أنها تهدف إلى إظهار أن الأدب له نطاق أوسع بكثير. وإمكانيات الوصول إلى الناس أكبر بكثير من السينما.”