أحمد مختار/
كلمات النشيد الوطني لابدّ أن تكون معبرة عن ثقافة وحضارة البلد، وتدعو للتعايش بين مكوناته وأن تكون مبنية على بحور الشعر البسيطة وذات جمل قصيرة.
يجب أن يلحن النشيد الوطني على سلالم موسيقية معروفة كسُلّمي (الميجر) و(الماينر) العالميين اللذين يقابلان سلّمي مقام النهاوند والعجم في الموسيقى العراقية لإمكانية عزفهما من قبل كل أنواع الموسيقى في العالم.
لكل دولة في العالم رموزها الثقافية والفنية التي يقوم عليها البناء الحضاري للدولة، لأنه يعبر عن عمقها وتاريخ شعبها حضارياً وثقافيا.
والنشيد الوطني هو أحد أبرز وأهم هذه الرموز التي أصبحت عالمية ورسمية، إذ لا نجد دولة في العالم من دون نشيد وطني. والاهتمام بإيجاد نشيد وطني ليس مجرد واحدة من شكليات الدولة، بل هو ركيزة ثقافية وحضارية لها، لدوره في تثبيت الانتماء للبلد وفي تقارب جميع أبناء الوطن إلى بعضهم البعض، وتوحيدهم تجاه المخاطر ودعوتهم للبناء. والنشيد والسلام الوطنيان بشكل عام لهما شروطهما الفنية من حيث شكل وبنية اللحن الذي قد يكون موضوعاً على كلام مقفَّى أي قصيدة ويسمى نشيداً وطنياً أو لحناً مستقلاً بذاته أي موسيقى فقط، ويسمى سلاماً وطنيّاً وفي الحالتين فإن من يؤدي ذلك هي الفرق وأجواق الموسيقى العسكرية في جميع بلدان العالم.
مواصفات النشيد
ولأن النشيد الوطني يجب أن يكون قابلاً للغناء من قبل الجميع ويعزف من قبل فرق موسيقية ذات ثقافات مختلفة، فقد أصبحتْ له مواصفات مميّزة في اللحن والإيقاع وطبيعة الكلمات، ومن تلك المواصفات:
1- أن يلحن على سلالم موسيقية معروفة. إذ اتُفق على أن يبنى على سُلّمي (الميجر) و(الماينر) العالميين اللذين يقابلان سُلّمي مقام النهاوند والعجم في الموسيقى العراقية لإمكانية عزفهما من قبل كل أنواع الموسيقى في العالم.
2- أن لا يحتوي على مسافات موسيقية كبيرة (intervals) ليكون ضمن مساحة صوت الإنسان غير المتخصص في الغناء ويساعده على الأداء.
3- أن يكون على إيقاع المسير “Marsh” السريع أو البطيء وهو إيقاع بسيط غير مركب وسهل ومعروف في كلّ الثقافات.
4- أن يكون اللحن قابلاً للعزف بالآلات الموسيقية الهوائية وسريع الالتقاط لعامة الناس (catchy tune).
5- كلمات النشيد الوطني لابدّ أن تكون معبرة عن ثقافة وحضارة البلد (العراق) وتدعو للتعايش بين مكوناته ومبنية على بحور الشعر البسيطة وذات جمل قصيرة.
ولو مررنا على تأريخ النشيد الوطني منذ تأسيس الدولة العراقية سنجد أن أغلب واضعيه هم من غير العراقيين، وقد مرّ بخمس فترات سنتناولها حسب فترة الاستخدام وهي على التوالي:
السلام الملكي 1921 – 1959
وهو عبارة عن موسيقى احتفالية عُزفت أول مرة من قبل الجوقة الموسيقية البريطانية في استقبال الملك، وبعد ذلك اعُتمدتْ كسلام وطني. واضع تلك الموسيقى هو العقيد الانجليزي أي تشافون (A. Chaffon) الذي اقترح أن يعتمد كسلام ملكيّ من دون كلمات.
السلام الجمهوري 1959-1965.
وضع عام 1959 بعد ثورة 14 تموز بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم وقيام الجمهورية العراقية، وكان من تأليف الموسيقى العراقي لويس زنبقة وكان من دون كلمات أيضاً، ولذا سُمي بالسلام الجمهوري.
النشيد والسلام القومي 1965-1981.
تبنى العراق النشيد القومي المصري وهو نشيد قومي عربي بعنوان (والله زمن يا سلاحي) لحنه الموسيقار المصري كمال الطويل والشاعر المصري صلاح جاهين واعتمده انقلابيو شباط 1963 على أساس الوحدة العربية مع مصر وسوريا التي فشلت لاحقاً.
النشيد والسلام الجمهوري عام 1981-2003.
وهو نشيد من كلمات الشاعر السوري شفيق الكمالي ومن تأليف الموسيقي اللبناني وليد جورج غلمية اعتمده النظام السابق بعد أن وقعت مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل واستمر حتى سقوط النظام.
بعد 2003 تبنت الدولة نشيد «موطني» الذي وُضع عام 1936 من قبل الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان والملحن محمد فليفل وهو نشيد قومي استخدمه الفلسطينيون في صراعهم ضد البريطانيين وهو نشيد مدرسي حماسي.
تحليل لنشيد «موطني»
حين نقرأ كلمات نشيد موطني نجد نبض إيقاع كلماتِه واضحة، أما اللحن فقد بُنيَ على إيقاع المسير وعلى مقام الكرد، وهو مقام محايد يمكن عزفه عالمياً. المساحات الصوتية فيه واسعة لا تناسب عامة الناس وتحتاج إلى أصوات متخصصة، كلمات النشيد لا تشير إلى العراق وحضارته ورموزه، والنشيد ذو توجه قوميّ بينما توجه العراق بعد 2003 كان ديمقراطيا، وقت النشيد طويل ولا يتناسب مع مواصفات الأناشيد الوطنية، لذا وبشكل عام لا تتوفر فيه المواصفات المطلوبة.
متى يكون سلام ونشيد وطنيان عراقيان لدينا؟
لم يوضع نشيد وطني عراقي خالٍ من التوجهات الأيديولوجية في العراق، ولهذا فعند حدوث انقلاب أو تغيير لنظام الحكم يتغير النشيد الوطني، وكذا الأمر مع العلم العراقي، كونهما يمثلان حقبة الحكم المنصرم، من هنا جاءت أحكام القانون الذي تسنُّه الدولة مشددة على اعتبارات الاحترام للنشيد الوطني لأنه يمثل سيادة البلد، وعلى هذا الأساس جرى التقليد على احترامه بالوقوف والاصطفاف وغيرها من أساليب الاحترام، فمتى سيكون لنا سلام ونشيد وطنيان عراقيان؟