مدرسة المشاغبين.. أول معاول التهديم المجتمعي

سنان باسم /

حسبة بسيطة لو عملنا على تفصيلها لتوصلنا إلى نتيجة مؤلمة، وهي تتماشى مع واقعة ماحدث في سبعينيات القرن الماضي، بتصغير قيمة من كاد أن يكون رسولا. شلّة غير منضبطة تضحك على توافه الأمور، سبورة تكتب عليها كلمات بذيئة، وخلطة من أغنيات وشتائم وذكريات. كل ذلك حين يدخل الأستاذ إلى صفه ويطلق صيحاته نحو المتبجحين والمشاغبين.
إذن، دعونا من المدرسة، ولنبقَ مع ثلّة المشاغبين: مرسي الزناتي، وبهجت الأباصيري، باعتبارهما يتصدران شغب الصف الدراسي، كل ذلك وما يجاوره من أحداث تلتقي في بؤرة الضحك التجاري البالغ القسوة في منهاج المسرح القومي (المصري)، لتهتز أركانه وتبلغ درجاته الارتدادية الشيء البليغ، لتترك تصدعاً في البنية التعليمية.
إنها ببساطة مدرسة المشاغبين أيها السادة، التي عرضت في أواخر العام 1972، وكانت من تأليف علي سالم وإخراج جلال الشرقاوي، وتمثيل عادل إمام وسعيد صالح، بالإضافة إلى أحمد زكي وسهير البابلي، يلحق بهما يونس شلبي وهادي الجيار، وصولاً إلى الناظر حسن مصطفى، والمدرس عبد الله فرغلي.
تلك المسرحية المستوحاة من فلم بريطاني بعنوان
to sir with love، وجد المشاهد نفسه أمام تبرير مستقبلي لما سيحدث بعد أيام من العرض هذا، إذ لم يعد بإمكان المدير السيطرة على أجواء السيرك التعليمي، وليس الفصل الدراسي المعتاد، بل بالعكس، فهناك حالة معكوسة من التفوق على المدير من قبل الطلبة، حتى يفيض الكيل بالمدير ليعمل على جلب (أستاذة) لتهذيب الطلاب، ومع تكرار محاولات الإزعاج والمضايقة، تتمكن المدرّسة في نهاية الأمر من السيطرة على مجريات الأمور.
تلك المسرحية أظهرت المدير بشكل مهين، فنراه يميل إلى جانب المراهقة، ويعد لقمة سائغة للطلبة الأشرار المشاغبين في التندر والضحك المستمر عليه. وهل تعلم عزيزي القارئ أن العشرات من الحالات الخاصة بالاعتداء والتمرد من قبل الطالب على أستاذه سجلت في العديد من مدارس مصر.
كل ذلك يدعونا إلى التأمل بخطورة النتاجين الإعلامي والدرامي على حد سواء في محتواهما، كما يدعونا إلى التفكير في إمكانية إنتاج عمل درامي ينتقد الحالات السلبية، وعلى سبيل الافتراض خطورة الجريمة، كما حدث في مسلسل (ذئاب الليل)، الذي -بحسب مؤلفه صباح عطوان- قد نشط مديرية مكافحة الإجرام في إلقاء القبض على عصابات السرقة والسطو والقتل، مع أن البعض يدعي بأن المسلسل حفز من كان على شفير التهور والانزلاق في الجريمة وجعله يقدم عليها ويلقب نفسه بألقاب على غرار “أبو جحيل” ومساعده “أبو علج”.
في حدود هذا التصور المسبق من سياق الحديث، نجد أن الدراما وأفلام الكارتون والمسرحيات في نتاجها الواعي والمستقيم، ربما تحفز بذرات الفساد أو التمرد في نفوس شبابنا، وتجعلهم في نقمة دائمة بحيث لا ينتمون إلى مجتمعنا هذا.
وكنا سابقاً نلتمس الصواب من مؤسساتنا الإعلامية بتقنين السيئ ومحوه تماماً بمرور الأيام، أما اليوم فلا نقدر على إيقاف شلال المخرجات الهادر في مضمونه البشع ومحتواه الساذج وهو ينكل بالفرد العراقي تارة وبالمعلم تارة أخرى، بالإضافة إلى تمزيق النسيج المجتمعي المتماسك وفق كل الظروف، والسبب هو قنوات المشاغبين بمقدميها ومذيعيها، ولا أقصد احداً بذاته، بل إن الأمر يشمل كل من يمسك معول التهديم ويسير على نهج بهجت الأباصيري ومرسي الزناتي.