بغداد / أحمد رحيم نعمة/
عاشت الرياضة العراقية خلال حقبة النظام البعثي المقبور أسوأ مراحلها، وذلك من خلال العقوبات التي كانت تفرض من قبل السلطة الحاكمة على نجوم الرياضة، الذين كانوا يزجون في معسكرات الحجز التي لم يسلم منها أي رياضي، ولاسيما لاعبي المنتخب الوطني بكرة القدم. ويتذكر الرياضيون صاحب الكف العريضة (أبو ذيبة)، الذي كان مسؤولاً مباشراً عن نوعية العقوبات والتعذيب للرياضيين، التي تبدأ بـ(الفلقة) ولا تنتهي بالإهانة والضرب والتجويع وحلق الشعر.
واحدة من تلك العقوبات التي كان يمارسها عدي، كانت بعد خسارة منتخبنا أمام المنتخب الأوزبكستاني في إحدى مباريات تصفيات كأس العالم، إذ طلب من الوفد العراقي العودة من أوزبكستان الى بغداد مشياً على الأقدام! وبالطبع فإن أية دولة لا تسمح لأحد بدخول حدودها بدون تأشيرة، فأخبروا عدياً بأن جميع الدول التي تحد أوزبكستان تمنع وفدنا من دخولها.
الرضوانية
يستذكر نجم الكرة العراقية السابق (سعد قيس) تلك الأيام التي أمضاها في معتقل الرضوانية، وكانت السبب في هروبه من العراق. يقول سعد: “في عام 2000 اعتزلت الكرة وبقيت نحو سنة أخطط للهروب من البلاد، وفي عام 2001 نجحت في الهروب الى أوربا، هروبي كان بسبب العقوبات التي كانت تفرض علينا كلاعبين من قبل رئيس اللجنة الأولمبية، وقد استطعت أن أتخطى الكثير من العقوبات، ولاسيما في بطولة كأس الخليج عام 1990، إذ لو لم أسجل على الإمارات لدخلت الرضوانية، لكني سجلت هدفاً، كما تمكنت من النجاة عندما لعبت مع نادي الرشيد وتألقت حينها. لكن خلال مشاركتنا في بطولة الأندية الآسيوية في تركمانستان، وكنت حينذاك ألعب مع فريق نادي الشرطة، خسرنا المباراة، فقام رئيس الوفد بتحميلي والمهاجم (محمود حسين) أسباب الخسارة.”
يتابع سعد: “بعد عودتنا الى بغداد لم نذهب الى بيوتنا، وكان التجمع في ملعب الشعب، كانت عائلاتنا تنتظرنا، وكنت متلهفاً لرؤية ابنتي الصغيرة، لكن عدي قرر معاقبتنا، إذ وجدنا ورقة مكتوبة فيها عبارة (تأديبية)، وتعني أشد العقوبات، تحملنا خلال شهر كامل أنواعاً وحشية من الضرب والتعذيب والإهانات، حتى أني بعد خروجي خضعت لعلاج مطول، مع ذلك رجعت للعب في الدوري، لكني كنت عازماً على الهرب، وفي عام 2001 هربت الى أوربا.”
أنا من أكثر اللاعبين دخولاً إلى الرضوانية
أما النجم الدولي (حبيب جعفر) فقد تحدث بحرقة عن العقوبات التي نالته قائلاً: “أعتقد بأني من أكثر اللاعبين المتضررين وقتها، لأني كنت، من وقت الى آخر، أدخل الرضوانية، إما بسبب عدم إحرازي الأهداف، أو لأي سبب آخر، كانت المشكلات تأتيني من كل حدب وصوب، بحيث كنت ضيفاً دائماً في معسكرات الضبط في الرضوانية. في إحدى مباريات الدوري منحني حكم المباراة -لسبب ما- البطاقة الحمراء، وبعد انتهاء المباراة فوجئت بأشخاص يدخلون (منزع) اللاعبين ويأخذوني في سيارة مظللة الى جهة لا أعرفها، وبعدها وضعوني في مكان صغير جداً لا تتعدى مساحته المتر المربع، هذا المكان كان باللون الأحمر أمضيت فيه ستة أيام، كرهت فيها حتى نفسي، بعدها أخلوا سبيلي. لكن العقوبات استمرت ترافقني، فغالباً ما كنت تجدني في الرضوانية لأسباب مختلفة، أما بسبب تضييع هدف، او حين يخسر المنتخب، لذا كنت أكثر اللاعبين زيارة للرضوانية!”
نجوم الظهر
فيما قال مهاجم المنتخب الوطني العراقي ونادي الشرطة (يونس عبد علي): “بالنسبة لي دخلت الرضوانية ثلاث مرات، وكان (أبو ذيبة) هو الشخص المكلف من قبل عدي للإشراف على عقوبة الرياضيين، الذي أرانا من خلال تعذيبه (نجوم الظهر) فقد مارس معنا أنواعاً من العذاب في معسكر الضبط بالرضوانية، هناك يحتقر الرياضي من قبل زمرة لا تعرف معنى الرحمة، لقد ذقت جميع أنواع العذاب. في عام 1995 أصدر عدي قراراً بقطع نسبة من مبالغ العقود الخارجية، كنت حينها ألعب في الدوري القطري، حيث استطعت شراء دار لي ولعائلتي، لكن قرار عدي اضطرني لبيع البيت. وهناك ممارسات أخرى جرت معي في معسكر الرضوانية يشيب لها الرأس، كما أن جميع الرياضيين العراقيين جرى معهم نفس ما جرى معي.”
خطأ واحد بـ (فلقة) وجلدتين
كما تحدث نجم المنتخب الوطني ونادي القوة الجوية (سمير كاظم) قائلاً: “الحقيقة أن الشعب العراقي يرتبط ارتباطاً وثيقاً برياضة كرة القدم، التي تحتل مكانة مميزة في حياته بمختلف الفترات الزمنية، فقد كانت المتنفس الوحيد خلال فترة حكم النظام السابق، لكن العهد الذي عاشته الرياضة العراقية خلال فترة ترؤس السلطة الظالمة للّجنة الأولمبية كان صعباً على جميع الرياضيين، فقد تحملوا ضغطاً وتهديداً دائمين، وكان القلق يساورهم بعد كل مباراة أو بطولة، إذ كانوا حين يلعبون يضعون السجن والحلاقة أمامهم. بالنسبة لي دخلت حجز الرضوانية ثلاث مرات، وفي كل مرة كنت أخضع للفلقة و(زيان الصفر) والجلد، أحد الاحتجازات كان بسبب (الستلايت)، حينها كان فريق القوة الجوية في معسكر تدريبي بدهوك، وجرى تبليغ الأولمبية بأن لاعبي القوة الجوية قاموا بشراء (الستلايت)، الذي كان ممنوعاً من دخول بغداد، ويعاقب من يقتنيه، لذا صدر الأمر بحجز الفريق بأكمله، وتعليق (فلقة) وجلد كل لاعب 30 جلدة.” يضيف سمير: “في مباراتنا أمام المنتخب الكازاخستاني في الذهاب، وقبل المغادرة، جرى حجزنا وتلقينا التهديد والوعيد، وبأمر عدي، أننا إذا يخطئ أي لاعب منا بكرة فيجلد أربع جلدات، ومن يخطئ بكرتين ثماني جلدات. هذه الأمور طبعاً تؤثر على نفسية اللاعب داخل الملعب، في وقتها كان المرحوم أحمد راضي يلعب ويضحك، ويحسب الأخطاء التي يقع فيها اللاعبون، لأن الخطأ الواحد بجلدتين. الحقيقة أنها كانت أياماً عصيبة عشناها، ولاسيما أن معظم رياضيي العراق وفي مختلف الألعاب الرياضية زاروا الرضوانية وجلدوا وضربوا وجرى حلق رؤوسهم، إما بسبب الخسارة أو لأي سبب آخر.. كفانا الله شر تلك الأيام التي كانت صعبة على الرياضيين العراقيين.”