مهدي الحسيني وحسين السلمان.. نجمان يأفلان في سماء الإبداع

#خليك_بالبيت

محسن إبراهيم /

كبيران في عطائهما، متواضعان في سلوكهما، أمينان على فنهما ومنجزهما الإبداعي.. ما بين زوايا المسرح والسينما والتلفزيون، تركا إرثاً فنياً كبيراً، إذ لم تمنعهما الظروف والأزمات التي مرَّ بها العراق من أن يكونا عراقيّي الهوى والانتماء تربّعا على قمّة من قمم العطاء والعمل، وعند رحيلهما تركا بصمة مضيئة في سماء الإبداع, فالمبدعون، وإن غادروا الحياة، يبقى منجزهم الإبداعي خالداً في كل مفصل من مفاصل الحياة الفنية.
مهدي الحسيني.. باشا التمثيل
ولد الفنان مهدي الحسيني عام 1956 في بغداد بمنطقة الدوريين الشعبية بجانب الكرخ, ومنذ الدراسة الثانوية كان مولعاً بالفن إذ قدم كثيراً من الأعمال المسرحية. وقبل دراسته للفن ولج الحسيني عالم التمثيل في المسرح العمالي عام 1974 حين كان عمره سبعة عشر عاماً، وشارك في ثلاث مسرحيات مع المخرج محسن العزاوي هي (البوابة) و(المعادلة) و(الرأس)، ثم توالت أعماله المسرحية فعمل مع مخرجين معروفين منهم سامي عبد الحميد والدكتور صلاح القصب. دخل دورة في الإضاءة المسرحية وعمل مديراً للإضاءة في مسرحيات عدة، وكذلك في مسلسل (ذئاب الليل) الجزء الأول ومسلسل (الهاجس) وفي أعمال أخرى.
بقي التمثيل هاجسه الأول، فشارك في أول عمل في التلفزيون وهو تمثيلية (ابن خلدون) عام 1980 وتوالت بعدها الأعمال. حصل أوائل الثمانينيات على شهادة البكالوريوس في التمثيل من كلية الفنون الجميلة ببغداد، وكان أحد مؤسسي منتدى المسرح, غادر العراق مع عائلته عام 2004 ليواصل مشواره الفني. في عام 2007 وبعد أن دبَّ النشاط في الدراما العراقية في سوريا أنجز عشرات الأعمال الدرامية التلفزيونية، منها مسلسل (رجال وقضية)، و(فاتنة بغداد)، و(أبو طبر)، و(طائر الجنوب)، و(رياح الماضي)، و(الرحيل)، و(الحب والسلام), ومسلسل (ناجي عطا الله) مع الفنان عادل إمام الذي قال له: “يا مهدي انت باشا في التمثيل وجئت محملاً بالعراق كله”، وغيرها من المسلسلات والبرامج التلفزيونية.
عمل في مجال التمثيل والإنتاج، وكان آخر عمل مسرحي له عام 2001 بعنوان (الهجرة إلى الحب)، لقد كان الابن البار للمسرح الجاد ولكلية الفنون الجميلة، وهو ابن تجارب إبراهيم جلال وجاسم العبودي وبهنام ميخائيل. ومع انتشار المسرح التجاري قرر أن يبتعد عن المسرح بسبب عدم توفر نصوص مسرحية جادة وغياب المسرح الهادف.
توفي الفنان العراقي مهدي الحسيني فجراً بعد ساعات قليلة من إعلان إصابته بفيروس كورونا المستجد وذلك إثر تدهور حالته الصحية نتيجة لنقص الأوكسجين بالدم.
حسين السلمان.. الحلم الافتراضي
في ستينيات القرن الماضي، وفي الناصرية تحديداً، بدأت موهبة حسين السلمان في البروز، كان المسرح يخطو خطواته الأولى ليجسد في تلك الخطوة مجموعة من الأدوار المسرحية. بدأ العمل الفني في منتصف الستينيات مع الفنانين المسرحيين الرواد في مدينة الناصرية إذ شارك في تمثيل مسرحيات عدة قدمت هناك. كتب القصة القصيرة عام 1966 وحصل في العام نفسه على أول جائزة للقصة. عمل مع أساتذته في معهد الفنون الجميلة: جعفر السعدي وبدري حسون فريد وأسعد عبد الرزاق وقاسم محمد وسامي عبد الحميد في عام 1967 في كثير من المسرحيات التي قدمت على مسارح بغداد في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، فضلاً عن كتابته برامج إذاعية عدة للإذاعة.
(الكرافة) هو أول عمل تلفزيوني للسلمان في عام 1969 تأليفاً وتمثيلاً، ثم ظهر في أعمال أخرى مثل (الحلم) و(بطاقة رجل). كتب وأخرج أول فيلم سينمائي عام 1973 بعنوان (الجدار) وحصل حينها على جائزة أفضل فيلم روائي قصير.
سافر إلى بلغاريا لإكمال دراسته العليا وحصل على ماجستير إخراج سينمائي وتلفزيوني عام 1985 ثم عاد إلى العراق بعد عام 2003. فنان مسرحي وأستاذ أكاديمي وقاص وكاتب مسرحي ومؤلف مجموعة من الكتب في مجال السينما والتلفزيون ومخرج تلفزيوني وسينمائي. حاصل على الكثير من الجوائز في القصة والمسرح والسينما, أخرج وكتب أفلاماً روائية ووثائقية عدة وكتب بعضها أيضاً، ومنها (الجدار)، و(يوميات فلاح)، و(حدث في يوم واحد), و(صمت الضجيج)، و(تأويلات)، و(تصفيق). عمل أستاذاً للإخراج السينمائي في معهد الفنون الجميلة، وأصدر جملة من الكتب السينمائية، منها (ليلة حب) و(مقدمات سينمائية)، (وتحت ظلال الزقورة)، و(التطور الإبداعي في السينما)، و(قراءات في الفرضية الجمالية للسينما). قُدمت نصوصه المسرحية على مسارح بغداد والمحافظات، وكلفته وزارة التربية بتأليف مجموعة كتب متخصصة في السينما لتكون مناهج لطلبة معهد الفنون الجميلة.
آخر أفلامه كان (حلم افتراضي) الذي يتحدث عن امرأة تقتحم مقهى شعبياً من أجل مشاهدة لعبة كرة قدم إيماناً منها بتحقيق رغبة ولدها الذي وعدها أن يشاهد اللعبة معها في إجازته المقبلة، ومن أجل ولدها تواصل مشاهدة المباراة لأنها تريد أن تخبر ولدها الشهيد بنتيجة المباراة حينما يزورها في الحلم. توفي حسين السلمان في مستشفى الكندي ببغداد جرّاء إصابته بعدوى مرض كورونا عن عمر ناهز 70 عاماً.